ما كان لثورة 19 تموز أن تنجح لولا ثورة المرأة. أو لنقل، ما كان لثورة 19 تموز إلا أن تكون ثورة المرأة وبريادة المرأة كصمّام أمان للحفاظ عليها وتطويرها طردياً. ولهذه الأسباب، كان الهدف الأول للعدو، لإخماد هذه الثورة، هو استهداف رموزها وكوادرها ومناضليها، ولاسيما المرأة المناضلة، التي كانت المحرك الأساسي لمنجزات هذه الثورة، التي شهدت التجسيد الحي لحرية المرأة، وللتشاركية الحقيقية والمساواة بين الجنسين وبين المكونات والطوائف على الجغرافيا في روج آفا وشمال وشرق سوريا.
لم تكن هذه الثورة مصدر إلهام للنساء في الشرق الأوسط فقط، بل نستطيع القول إنها أصبحت مثالاً يحتذى به في الشرق والغرب على السواء، ولكافة المناضلات والثوريات الأمميات. ولأن مشروع الأمة الديمقراطية يحمل بين طياته حلولاً كثيرة للعديد من القضايا والصراعات التي تعصف بالمنطقة عامة، وأهمها حل قضية المرأة بشكل عادل وجذري.
ذلك أن المرأة الكردية كانت مدركةً تماماً، انطلاقاً من الفلسفة الأوجلانية، أن أي ثورة لن يُكتَبَ لها النجاح ما لم تشارك فيها المرأة بصورة ريادية وفاعلة. فهي ليست مشارَكةً ثانوية في الجبهات الخلفية للقتال، بل هي مشارَكة محورية في بناء حياة جديدة تكون نموذجاً للشعوب والنساء المتطلعات إلى الحرية. وهذا لن يكون إلا بوجود رؤية شاملة مرتكزة إلى مشروع بديل يتخطى بآفاقه الواسعة ما هو مألوف أو مجرَّب حتى الآن. ولعل هذا ما سيجعل الثورة النسائية ضمن ثورة 19 تموز منبراً لكل نساء المنطقة والعالم في رسم مسار التحرر والحرية، لهنّ ولشعوبهنّ على حد سواء… وهذا تحديداً ما تتطلع إليه المرأة الكردية، بأن تتم دراسة ثورتها بكل تفاصيلها ودقائقها، لتأخذ مداها في الاتساع والتأثير، ولتتشارك النساء في دحر الحرب الجنونية الدائرة بعقلية أبوية طائشة لا تعرف للسلام سبيلاً، ولا يوجد في منطقها سوى الحرب الساخنة لأجل المصالح الجليدية.
التغيير الحقيقي لن يحصل إلا من خلال النساء، والتحول الديمقراطي لن يترسخ إلا من خلال بناء منظومة نسائية عابرة للقوميات وللجغرافيا، منظومة لها ميراثها وتاريخها العريق الذي يعبر عن هوية المرأة الحرة والمقاومة، بهذا الشكل سيكون القرن 21 هو قرن التحرر من نظام الهيمنة الذكورية على هذه الأرض المقدسة، التي طالما كانت أرضاً للآلهة والخصوبة والسلام والاستقرار.