سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

السلطات التركيّة… دعم التنظيمات المتطرفة واحتضان الإرهاب ـ2ـ

أحمد شيخو_

تمارس الدولة والسلطات التركيّة سياسة إبادة جماعية ممنهجة بحق الشعب والثقافة الكردية منذ مئة سنة وحتى اليوم في كل أماكن تواجد الكُرد في تركيا وسوريا والعراق، ومع هذه التنظيمات الإرهابية وجدت تركيا عنصراً مفيداً ومرتزقاً في حربها ضد الشعب الكردي استخدمته في احتلالها لمنطقة عفرين وسري كانيه وكري سبي، وفي الأشهر الأخيرة، زجت تركيا بهم في حربها ضد الشعب الكردي ومقاتلي قوات الدفاع الشعبي (الكريلا) في جنوب كردستان، وعليه يُمكِن القول أن داعش وأخواتها أصبحوا جزءاً من الجيش التركي العملياتي في مناطق عملياتها العسكرية ضد الكرد.
هذه التنظيمات المتطرفة ومن يدور في فلكهم، معروف أن ليس لهم انتماء وطني أو مجتمعي أو ديني، إلا لأفكارهم التكفيرية المريضة، ولذلك نراهم يبيعون ويشترون كل شيء بما فيهم الكرامة والشرف، وفق فتاوى الشر والكفر الصادرة عن شيوخهم وقادتهم الضالين.
تتكاثر الأحزاب الإخوانية ويتجدد ظاهرها وأشكالها وفق البئية والأهدف المرادة، وآخرها التنظيم الإخواني الإماراتي، الذي لوحِظ تجدد تشكيله بدعم تركيا وإيران وقطر، وخاصةً بعد حالة الاحتقان الشعبي التي تزامنت مع أحداث 7 أكتوبر في غزة، والظروف التي تحاول تركيا وإيران الاستفادة منها قدر الإمكان، إضافةً إلى تزايد نشاط داعش خراسان الذي ينمو بين تركيا وأفغانستان ومنتشراً في جمهوريات الاتحاد الروسي، الصين والبلدان العربية وزدياد هذا النشاط له علاقة بتركيا وسلطاتها التي لديها شبكة علاقات كبيرة حول العالم.
كما أن التهديدات المستمرة على أمن أوروبا، وانتشار الفكر المتطرف بين الشباب المسلم ووصول عدد من قيادات داعش والقاعدة لأوروبا له علاقة بسياسة تركيا التي تحاول امتلاك أوراق ضغط لاستخدامها في الملفات الإقليمية والدولية، وفتحها المجال وبالتنسيق بينها وبين هذه الجماعات المتطرفة لتكون ضمانة لها مقابل الانتقادات الأوروبية المحتملة، ولضمان تواطؤ الدول الأوروبية في حربها ضد الكرد.
يظن البعض أن الاقتراب من تركيا أو إعطائها الشرعية لها في ممارساتها ضد الكرد والعرب والشعوب الأخرى والصمت على عدوانها سيجعلها أقل عدوانية ويجعلها مفيدة سياسياً واقتصادياً، ولكننا نعتقد أن هذا الموقف أو الانضمام لسياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها تركيا ضد الكرد ليس في صالح دول المنطقة وخاصةً سوريا والعراق، لأن تركيا وبتجاوزها سيادة هذه الدول واحتلالها ستكون عامل تهديد وعدم الاستقرار إلى أن تخضع دمشق وبغداد للإرادة التركية قهراً، بعد أن تكون بَنت أدوات واشترت نفوذاً ليكونوا لها عوناً في شرعنة رؤيتها وتصرفاتها ومشاريعها، كما هو الحال مؤخراً في العراق وإقليم كردستان، حيث أنه وبرغم الدور الإيجابي للكرد وحزب العمال الكردستاني في حماية الكرد والمجتمع الإيزيدي والعراقيين من داعش، إلا أن حكومة العراق وتحت الضغط التركي والبارزاني سلكت الطريق خطأ، ربما تحاول تركيا الإيحاء أنها ستفذ بعض الالتزامات في التعهدات والاتفاقات ولكننا نعلم أن تركيا وبعد أن تزيد من تثبيت نفوذها في شمال العراق “باشور كردستان” ستكون قد وضعت ونفذت المرحلة الأولى لتوسيع حدود تركيا الحالية والوصول لحدود الميثاق الملّي وثم التوسّع جنوباً.
وفي سوريا لولا محاربة الكرد وقوات سوريا الديمقراطية لداعش لما استطاعت حكومة دمشق من البقاء برغم تدخّل روسيا وإيران، ومدينة حلب تم السيطرة عليها بعد أن حررت قوات سوريا الديمقراطية مدينتي منبج وتل رفعت المحاذيتين لمدينة حلب من الدواعش ومرتزقة أنقرة، وعليه فعندما يكون هناك أي تسوية مع تركيا من الجانب السوري والعراقي، يجب وبالضرورة أن يكون موضوع إخراج المحتل التركي من أولويات الموقف الوطني، وكذلك إنهاء تدخّل تركيا في الشؤون الداخلية تحت أية ذريعة، أما إعطاء الشرعية والموافقة على سياسة الاحتلال والضم ومحاولة إرضاء المحتل التركي، فلن يستفيد منها أحد سوى المحتل، بل سيقوي موقف الاحتلال وستكون تركيا في موقف أقوى في المحافل السياسية الدولة، وهي المتجاوزة والمحتلة والمهددة لوحدة سوريا والعراق، في الوقت الذي تؤمن في مناطق الاحتلال مراكز تدريب وتأمين للتنظيمات المتطرفة والإرهابية والإخوانية.
بعد انتخابات البلدية الأخيرة في شمال كردستان وتركيا، أصبح حزب العدالة والتنمية أمام مخاوف جديّة لفقدانه السلطة في أية انتخابات قادمة، وهنا تزايدت التناقضات بين ائتلاف القوى المُشكل للسلطة وخاصةً بين التيار القوموي المتطرف وحزب العدالة والتنمية، وخاصةً بعد إشارات أردوغان بالتخلص منهم كما تخلص من رفاقه مسبقاً، وهنا ظهرت جماعات التطرف والإرهاب كورقة داخلية للتنافس والصراع وإرسال الرسال، وعليه؛ فإن تركيا لن تكون بمأمن من شر وإرهاب هذه الجماعات وتفرعاتها المختلفة، والتي توطنت في تركيا وأصبحت ورقة ذات تأثير في الشأن الداخلي والخارجي التركي، مع جملة التناقضات حتى بين أقطاب العدالة أنفسهم بعد شعور العديد منهم أن مركب السلطة ربما يكون دخله الماء بعد الانتخابات وبدأ يريد النجاة بأقل الخسائر.
لايمكن أن يكون من يمارس سياسات الإبادة الجماعية بحق شعوب المنطقة عامل استقرار وأمان واقتصاد لدول المنطقة أو مساند للقضايا المُحقة، وهو يستخدم كل الإمكانات والظروف بما فيها وجود تركيا في الناتو وعلاقاتها  مع إسرائيل في حربها ضد الشعب الكردي وشعوب المنطقة، ونعتقد كما يعتقده الكثير من الأخوة العرب أنه لا يمكن لتركيا أن تكون في الناتو ولها علاقة قوية مع إسرائيل وتكون في الوقت نفسه مع شعوب ودول المنطقة وهي التي تحتضن وتدعم الإرهاب في المنطقة والعالم.
لايمكن الانتصار على جماعات التطرف والإرهاب، من دون مواجهة مطولة شاملة وفكرية واقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية ودينية وقانوينة، وكذلك لا يمكن أن نتحدث عن انتهاء جماعات التطرف والإرهاب وفي محيطنا وإقليمنا دول مثل تركيا لها سياسات دعم ومساندة هذه الجماعات، ولا يمكن القضاء على هذه الجماعات وأردوغان وحزبه في الحكم في تركيا، والأهم أن يكون هناك رؤية دولية وإقليمية للتعامل مع الدواعش الموجودين ضمن سجون الإدارة الذاتية، ووقف
الهجمات والغزو التركي وإنهاء احتلالها لأنها عوامل تنشيط وإحياء للتنظيم الإرهابي، ولا بد من محاكمة تركيا وحزب العدالة والتنمية على جرائمهم وتعاونهم مع الإرهاب، وربما لن تكون ببعيدة تلك المحاكماة التي ستبين للعالم وكل شعوب ودول المنطقة أن مصيبة المنطقة وكارثتها الأساسية هي السلطات التركية التي دعشنت كل التنظيمات المتطرفة وأوصلتها لتكون وبالاً وكارثة على حالة الأمن والاستقرار في كل العالم، ولا بد من الوقوف مع من يتحمل الدور والجهد الأكبر في مكافحة هذه التنظيمات وخاصةً شعوبنا التي ضحت بخيرة أبنائها للخلاص من هذه التنظيمات وجرائمهم وإبادتهم للحياة الحرة، وإن كانت هذه الجماعات تمثل التقيد والجهل والتطرف والأحادية، فلا بد أن نبحث عن الحرية والديمقراطية والتعايش والمعرفة وعبرهم نستطيع بناء الحياة الحرة الديمقراطية والمستقرة والتخلص من التطرف والإرهاب، أما من يوهِم نفسه بأن السلطة التركية تخلت عن إسلامويتها وعلاقاتها بالتطرف، فليذهب إلى مناطق الاحتلال التركي في سوريا والعراق، أو ليذهب إلى الداخل التركي وليرى حجم الإسلاموية التي ضاعفها حزب العدالة والتنمية بعيداً عن ديننا الإسلامي وقيمه الأخلاقية والإنسانية والتشاركية.