سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ماذا يريد العثمانيون العرب؟

بهاء العوام –

دون أي مغالطات أو مزايدات تحارب تركيا بجيشها وعتادها اليوم في ثلاث دول عربية، تتوغل بقواتها في هذه الدول بذرائع مختلفة، ولكن القاسم المشترك بينها هو محاولة إثبات أنها لا تزال القوة التي يمكنها السيطرة على العالم العربي، يريد رجب طيب أردوغان إحياء الاستعمار العثماني في المنطقة التي احتلها أجداده لخمسمئة عام. في العراق وسوريا وليبيا يتمدد الأتراك دون حسيب أو رقيب، الأمم المتحدة ومجلس الأمن هادئان تماماً إزاء عبث أردوغان في الدول الثلاث، فيما تصمت الولايات المتحدة وكأن شيئا لم يكن، أما الروس فهم يمارسون التنسيق مع السلطان في نوع من الانتهازية الواضحة لصالح الحفاظ على مصالحهم على سواحل البحر المتوسط.
بالنسبة للأوروبيين فهم عالقون بين تركيا الشريكة في حلف الناتو، والمشروع الجديد للإمبراطورية العثمانية الذي بات يهدد مصالحهم، لم يعد الأمر يرتبط فقط بمشاريع اقتصادية وثروات باطنية في البر والبحر، وإنما بات الوجود التركي يمثل تهديداً للأمن الأوروبي على الحدود الجنوبية للقارة العجوز المطلة على البحر المتوسط. أمام هذه المعطيات تفضل فئات في المنطقة توصيف واقع الحال اليوم، بأنه صراع قديم جديد بين الأوروبيين والأميركيين والأتراك والروس على دول العالم العربي، لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي دار بينهم بداية القرن الماضي، ولذلك من الأفضل النأي بأنفسنا عما يجري ونتجنب الاصطفاف إلى أي من هذه الدول ضد الجبهة الأخرى.
برأي هؤلاء “الزاهدين”، هذا الصراع بين مجموعة الدول الاستعمارية القديمة للمنطقة، يهدف إلى إعادة رسم الخرائط التي وضعت حدود الدول العربية كما نعرفها اليوم، يقولون إننا لم نشارك في اتفاقيات “سايكس بيكو” قبل مئة عام، ولن نكون الآن طرفاً في صياغة الخرائط الجديدة التي يريدها المستعمرون القديمون الجديدون للمنطقة. من بين هذه الفئات من لا يكترث فعلاً لنتيجة الصراع بين الأقطاب الأربعة أياً كانت، وهم في سلبيتهم هذه ينقسمون بين ناقم على الأوضاع الداخلية لبلاده، وبين مترصد لموجة يركبها لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية، بعد أن تحط الحرب أوزارها، الفريقان لا يشكلان ضرراً بالمقارنة مع فئة ثالثة تدّعي السلبية، ولكنها تظهر ما لا تبطن.
ثمة من يخفي رغبته بفوز طرف محدد، ولكنه يروج لقوته وقدرته على مقارعة الخصوم وحسم المعارك، كما يبحث في قواميسه ومفرداته عن تلك المبررات التي تجعل انتصار هذه الدولة مقبولاً أو حتى مطلباً شعبياً، في أنصار عودة العثمانية إلى المنطقة العربية مثال واضح جدا لهذه الفئة، فهم يطبلون ويزمرون لهذا الاحتلال، وكأنه بوابة الانتقال إلى صدارة العالم أجمعه في القوة والاقتصاد والحضارة الإنسانية بأرقى معاييرها. العثمانيون العرب” يتمنون الغلبة للجيش التركي أينما حل في أوطانهم، ولا ضير بالنسبة لهم أن ترزح كل الدول العربية تحت نير الاحتلال العثماني من جديد، طالما أن رجب طيب أردوغان يتكلم بلسان المرشد العام لجماعة الإخوان، فأنصار السلطان من العرب هم أعضاء الجماعة، أو موظفون في بلاط الدول التي يديرها ويحكمها الإخوان.
قبل أشهر قليلة فقط كان العثمانيون العرب يصورون الحديث عن مطامع السلطان في المنطقة وكأنه ضرب من ضروب التهويل أو شكل من أشكال العداء غير المبرر للدولة التركية، أما اليوم، وبينما يفاوض أردوغان العالم على إقامة دائمة لقواته في سوريا وليبيا والعراق، تحوّل خطاب هؤلاء من التكذيب إلى التبشير بالفاتح لعصر جديد تقود فيه تركيا العالم الإسلامي، وتحمي شعوب المنطقة ومصالحها من الأطماع الأجنبية. في الحقيقة لا يمتلك العثمانيون الجدد مشروع دولة أو بديل عن الحكومات التي يفضلون الاحتلال التركي عليها، هم فقط يريدون هيمنة الإسلام السياسي على المنطقة لتتحول إلى مصنع عملاق للموارد المالية والبشرية التي يحتاجونها لنشر ثقافة الإقصاء والتطرف التي يغرقون فيها، وتنضح بها أدبياتهم وخطاباتهم وأدواتهم الفكرية والسياسية.
حيثما يحلون يحل معهم الخراب. ولم تصاحبهم أي تجربة تثبت عكس ذلك. أمثلة كثيرة في مصر والسودان وتونس وسوريا وغيرها، ولأن مشاريعهم المباشرة في كل مكان ما عدا قطر، تضعضعت وتهدمت. اصطفوا وراء الأطماع الأردوغانية في المنطقة وراحوا يغذونها بالمال والسلاح والكلمة والمرتزقة، لعلهم يعوضون خسائرهم من خلالها. تريد جماعة الإخوان السيطرة على دول المنطقة من خلال مشروع الإمبراطورية العثمانية الجديدة، يحكمون هذه الدول عبر الاحتلال العثماني، يدعمون هذا الاحتلال حتى يتمكن من أوطانهم، ثم يتركهم ولاة له وجباة لأمواله وضرائبه في هذه الدول، وهم في هذا لا يتصدرون المشهد ولا أحد يتعرض لهم، لأنهم تحت حماية الإمبراطورية.
ما يزيد بشاعة هذا المخطط هو أن الإخوان لا يتحملون كلفة الاحتلال العثماني لدولهم، من يتحملها ويدفع ثمنها مالاً ودماً، هم أبناء البلاد الذين يظنون أن تركيا تساندهم من أجل ذلك التغيير الذي ينشدونه لأوطانهم، ولكن عندما تنتهي الحرب ويهدأ غبار المعركة يجدون أنفسهم عبيداً لاحتلال لا يقل سوءاً عن الواقع الذي ثاروا ضده.