كل هذه التخبطات التي تقوم بها حكومة العدالة والتنمية في سياستها الخارجية وكل القمع والتحكم في السياسة الداخلية؛ يظهر للعيان أن أردوغان يعيش عصر السلطنة العثمانية، وفي كل تصرفاته ومقارباته من المواضيع يظهر نفسه كأنه سلطان عصره، أنه وبعلانية مطلقة أقرها قبل عدة أيام بأنه يهدف إلى إحياء مجد الإمبراطورية العثمانية.
سياسة التوسع الممنهجة التي يمارسها أردوغان في المنطقة بدأت من سوريا والعراق وليبيا وصولاً إلى لبنان، والتي خلقت خلافات وصراعات كبيرة مع العديد من الدول. هذه العوامل تُرجعنا إلى حقبة قبيل انهيار الإمبراطورية العثمانية، ما نشهده اليوم هو إعادة التاريخ لنفسه في تركيا. إذ؛ نرى أن سياسة أردوغان حولت تركيا مرة أخرى إلى “الرجل المريض” داخلياً وخارجياً، كما كانت الإمبراطورية العثمانية رجل “أوروبا المريض”.
ماذا يريد هذا الرجل المريض المصاب بفيروس هوَس العظمة من بلد صغير مثل لبنان؟
نرى أن تركيا، وبخاصةً في السنوات الأخيرة؛ تهدف إلى نشر نفوذها الاستعماري في لبنان أيضاً، ولتحقيق هذه الغاية؛ قامت الحكومة التركية الحالية بزعامة أردوغان – بخجلي بتأسيس العديد من المؤسسات والجمعيات الاجتماعية والخيرية والثقافية والتعليمية، تحت إدارة المخابرات التركية وتمويل ودعم قطري، مستفيدةً من الانقسام الطائفي والخلاف المذهبي المتأجج، ووجدت ضالتها تحديداً في الشمال اللبناني، حيث نسبة التيارات السنية كبيرة، خاصةً في مدينة طرابلس وبالإضافة إلى التوجه صوب الجنوب اللبناني وتحديداً مدينة صيدا.
أردوغان الذي يجسد شخصية “الأمير” ويطبق سياسية مكيافيلي بحذافيرها، لا يترك أي بلد مأزوم يعاني مشكلات داخلية كالانقسامات والصراعات الطائفية، إلا ولعب على وتر المظلومية السنية وتقديم نفسه كحامي السنة ومنقذها من الاضطهاد، وبعدها يرسل مرتزقته لتثبيت نفوذه والقيام بالنهب والسلب كأسراب الجراد الجائعة.
والدور التركي السلبي واضح في المظاهرات المطلبية اللبنانية خلال تأجيج الصراع الداخلي وإثارة الرأي العام وبخاصةً السني ضد القيادة السياسية اللبنانية، والمطالبة بالحماية التركية.
وما شهده لبنان قبل عدة أيام من مظاهرات نظمتها تلك الجمعيات المأجورة، والتي تطبق سياسة أردوغان في لبنان، حاملةً الأعلام التركية وصوراً لأردوغان على خلفية حلقة تلفزيونية وصف خلالها مقدم برنامج “أنا هيك” نيشان ديرهاروتيان أردوغان “بالعثماني الخبيث”؛ فتدحرجت الحملة ضده حتى بلغت مستويات كبيرة في مواقع التواصل أظهرت انقساماً طائفياً لبنانياً على محاكمة الحقبة العثمانية، كما تطاول المتظاهرون على الشعب الأرمني طالبين منهم الرحيل.
بالتأكيد أن هناك أمراض تنتقل بالعدوى من الأجداد والآباء إلى الأبناء، فعلى ما يبدو أن المرض الخبيث الذي أصاب الإمبراطورية العثمانية قد انتقل إلى الأحفاد الذين يعانون من الأعراض نفسها التي تدفع إلى القتل والنهب، وشاهدنا المشاهد المؤلمة لنساء من عفرين وما أصابهن على أيدي العثمانيين الجدد وسلطانهم المصاب بفيروس العظمة والجنون ما هو إلا دليل حي على ذلك.
من أجل حماية البشرية عامةً والنساء خاصةً من هذا الفيروس ومن أجل أن تشفى تركيا من هذا الداء العثماني الخبيث المعدي؛ يجب أن تحجر على هذا “الرجل المريض” حتى يلقى حتفه أو يشفى تماماً من هذا المرض.