خلفت التقسيمات الموجودة وعلى رأسها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وقعت منذ أكثر من عقد، آثاراً تستدعي إعادة النظر فيها مجدداً. لدى تقسيم منطقة الهلال الخصيب في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، كانت لقوى الهيمنة الغربية المصلحة التامة في بسط نفوذها الكامل عبر الخارطة التي رسمتها بالمسطرة، حيث غيرت خارطة الشرق الأوسط بالكامل، فلم تبقى هذه الخارطة الجديدة ضمن الحدود الجغرافية والسياسية، بل كانت خارطة تقسيم هيمنة النفوذ وبناء صرح الدول القومية.
ولكن إذا ما قيمنا الظروف الجيوسياسية في قرننا هذا سنرى بأن هناك من لا يقبل بهذه السياسة، فما يتم ممارسته اليوم يعتبر حرب إبادة وليس تقسيم فحسب باسم مشروع الشرق الأوسط الكبير. تغيرت أدوار اللاعبين في هذه المرحلة بعدما كان لقوى اتفاقية سايكس بيكو، وظهر إلى الميدان لاعبين آخرين، فإسرائيل تحاول لعب الدور الرئيس لتفوز بنجاح مشروعها في الشرق الأوسط على حساب الشعبين الفلسطيني واللبناني، بهجماتها الأخيرة كسرت جناح إيران عبر تحجيم حزب الله ومازالت تهديداتها مستمرة لترعب الكثير وعلى رأسها الدولة التركية. واليوم تسارع إدارة أردوغان في السيطرة على الوضع القائم حتى لا تفقد الموجود. لكن؛ إذا ما أصرت قوى الناتو وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل في القضاء على الطاقة النووية الإيرانية وهذا ما يبدو في الأفق القريب، لن تستطيع تركيا النفاذ بحال قوتها، وستضطر إلى فتح جبهة أخرى خوفاً على قبرص التركية من جهة، وعلى فقدان نفوذها في سوريا بعد رفض الأسد الاتفاق معها من جهة أخرى. لذا؛ نجدها تتوجه إلى فتح باب الحوار مع الكرد وذلك على لسان أكثرهم فاشياً مثل دولت بخجلي الذي رمى بحبل المشنقة في المجلس إشارة إلى تنفيذ حكم الإعدام بحق القائد عبد الله أوجلان.
الشعب الكردي مازال يحتفظ بذاكرته بما فعلته دائرة الحرب الخاصة التركية من بعد معاهدة سيفر التي خدعت الكرد به وإلى مذكرة الحل الديمقراطي الذي تقدم به القائد عبد الله أوجلان وقرئت أمام الملايين في نوروز آمد عام 2013 وكانت هذه الخطوة هي الخامسة على طريق الحل، لكن تم اعتقال الآلاف في السجون ومن ضمنهم رسل السلام والبرلمانيين. لذا؛ من الآن فصاعداً، لن تستطيع الدولة التركية جر الشعب الكردي إلى جبهات صراعاتها أو استغلاله في حرب نفوذها مثل السابق، فهي محكومة بقرار إمرالي وتعلم عين اليقين بأن هناك طريق حل واحد وهو الطريق إلى إمرالي كما يشير إليه الملايين من الشعب الكردستاني يومياً في جميع أنحاء العالم وخاصة بعدما أشعلت لهيب نيران الحرب كافة أطراف المنطقة.
في الحقيقة تشبه هذه المرحلة مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية التي تجانست على حجر التقسيم من جانب، ولكن التغيير الآن يستند على ما أنتجته مقاومة الشعوب الذي هزت حجر زاوية هذه التوازنات، واحتمال استمرار الحرب قائم؛ وذلك لوجود جبهة شعبية ديمقراطية بدأت من الهلال الخصيب نفسه وتحديداً كانت كردستان هي نقطة البداية لهذه الجبهة عبر تقديم القائد عبد الله أوجلان مشروع الأمة الديمقراطية. الادارة الذاتية الديمقراطية بديل حل للأنظمة الموجودة وللشعب الكردستاني مقومات عظيمة تؤهله لنجاح هذه التجربة كمشروع جديد في الشرق الأوسط.