قبل أيام أقرَّ مجلس القضاء العراقي قراراً يقضيّ بحلّ أحزابٍ تُمثل الشعبَ الكردي والمجتمعَ الإيزيدي في العراق، حيث جاء في قرار مجلس القضاء حلّ كل من حزب حرية المجتمع الكردستاني (حزب الحرية)، وحزب الحرية والديمقراطية الإيزيدي وحزب جبهة النضال الديمقراطي، بناءً على شكوى مستشارية الأمن القومي، وبالتزامن مع الذكرى السنوية للإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الإيزيدي في شنكال على يد مرتزقة داعش، يأتي هذا القرار الجائر في وقتٍ تشهد فيه الساحة العراقية وعلى وجه الخصوص إقليم كردستان هجماتٍ متواصلةً وعملياتٍ عسكريةً كثيفةً من قبل دولة الاحتلال التركي، مع احتلال العشرات من القرى الكردية وتهجير سكانها الأصليين، وذلك بدعمٍ مباشر من الحزب الديمقراطي الكردستاني مع صمت عجيب أطبق فم الحكومة العراقية المركزية.
بالطبع اتّخاذُ هكذا قرار جائر وغير مُنصِف من قبل مجلس القضاء العراقي لا يخدم مصلحةَ العراق على أقل تقدير في الوقت الحالي، إذ هو قرار سياسي بحت، بل جاء نتيجةً لضغوطاتٍ كبيرة ومطالبَ من قبل بعض الدول الإقليمية التي تتدخل بشكلٍ مباشر في الشؤون العراقية السياسية والأمنية وعلى رأسها الدولة التركيّة التي باتت تحتل أكثر من 40 كيلومتراً من الأراضي العراقية بحسب مصادر إعلامية رسمية، والتي وقّعت مع العراق تعاوناً في شهر نيسان المنصرم في أكثر من 26 مذكرة، أبرزها: اتفاق الإطار الاستراتيجي، وربما اتخاذُ هذا القرار من قبل القضاء العراقي جاء بناءً على شكوى مستشارية الأمن القومي، أحد بنود مذكرات التفاهم بين الطرفين، جاء من خلال رضوخ القضاء العراقي لمطالب الدولة التركية وبعض الأطراف الإقليمية الأخرى، والقيام بحل أحزب كردية، تلك التي تمثل إرادة الشعب الكردي في العراق يعبّر عن حالة واحدة فقط ألا وهي ضعف الموقف العراقي في المباحثات والمفاوضات التي تجري مع أطراف خارجية وعدم قدرتها على التمسك بالمواقف التي تُطلب منها، بالإضافة إلى عدم إبداء مواقفَ حقيقية وجادَّة في وجه التدخّلات الخارجية التي تفرض نفسها عليها. بكل تأكيد سيكون لهذا القرار الذي جاء بذرائع لا أساس لها من الصحة، تداعيات كبيرة على المشهد السياسي في العراق في المرحلة القادمة، الجميع يعلم أن الكرد يشكلون نسبة تتراوح ما بين 17% إلى 20% من سكان العراق، كما أنهم يشكلون الأغلبية في جميع المحافظات التابعة لإقليم كردستان مع وجود كبير في المناطق المتنازع عليها في البلاد، وهم بحاجة إلى آليات سياسية تُمثلهم خاصةً الأحزاب الثلاثة التي تم حلها، فهي ذات جماهير وقاعدة شعبية لا يستهان بها، حيث قامت بعض المواقع العراقية بنشر خبر متعلقٍ بحل الأحزاب الكردية، وأشارت إلى أن القضاء حل الأحزاب الثلاثة بذريعة ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، هذه الشماعة التي تذكّرنا بتصريحات المسؤولين الأتراك التي دائماً ما يتذرعون بها من أجل احتلال مناطقَ جديدة في العراق وسوريا، مطلقةً يدَ تركيا المشبوهة لتتدخلَ في شؤون هذه الدول بتلك الذريعة الواهية، محاولةً بكل ما أُوتيت من تلفيق وتزوير لضربِ النسيج الاجتماعي التاريخي في العراق، مُستغلةً هزل وعجز المواقف الحكومية عن تمثيل نفسها دون الحاجة إلى أحد.
سياسات العراق الأخيرة ضدَّ الشعب الكردي ستُعرِّض العراقَ لزوبعة خطيرة على كافة النواحي، فعلى العراق التراجع عن ضرب المكتسبات التي حققها الشعب الكردي وعلى وجه الخصوص الإيزيدين وأيضاً على حل هذه الأحزاب في أسرع وقت ممكن، وبخاصةٍ المجتمع الإيزيدي الذي تعرّض لإبادة جماعية على يد داعش الإرهابي حليف تركيا في المنطقة.