إذا ما عدنا إلى التاريخ الكرديّ, فلسوف نلاحظ بأن الكرد قد قاموا بالكثير من الثورات بغية نيل حريتهم, إلا
أنّ نهاية هذه الثورات كانت تراجيديّة، وخلّفت إثر هزيمتها الويلات والمآسي والمجازر! بحيث أنه إذا ما سألنا عن سبب تلك الهزائم لوجدنا أنّ أول ما يُقال هو عدم وجود وحدة فيما بين الكرد. ومع ذلك لم يتمّ استخلاص العبر والدروس من تلك الهزائم، وفي أكثر الظروف حاجة للوحدة؛ لم يستطع الكرد تحقيقها وبقيت هذه الوحدة غائبة. في المرحلة الحديثة كمثال؛ يمكننا الحديث عن تجربة باشور كردستان, إذ أنه من المعلوم أن الإقليم ومنذ سنة 1991 حتى 2018م يتمتع باستقلاليّة شبه تامة وبخاصة بعد الإطاحة بنظام صدام حسين الدكتاتوريّ وإعلان الفيدراليّة للإقليم, غير أنّ مسؤولي الإقليم لم يكونوا بمستوى المرحلة، ولا بمستوى تلك التطورات والتغيرات, وبخاصة الحزبين الرئيسيين في الإقليم, الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ بزعامة مسعود البرزاني وحزب الاتحاد الوطنيّ الكردستانيّ بزعامة الرئيس الراحل جلال الطالباني, حيث لم يتوصلا إلى حلٍّ كاملٍ لخلافاتهم والتنافس على النفوذ والثروة وتسخير الإقليم للمصالح العائليّة والحزبيّة, بدلاً من العمل على تقوية وحدة الإقليم وتوحيد البيشمركة وتقوية الاقتصاد وتحسين الأوضاع الاقتصاديّة للشعب هناك, استعداداً للفرص المواتية لبناء دولة كردستان. لذلك وجدنا مدى هشاشة وضعف الإقليم أثناء وبعد عملية الاستفتاء على استقلال كردستان ومدى الصراع والخلافات واللاثقة الموجودة بين العائلتين والحزبين والقيادتين, لتأتي النتائج كارثيّة على الشعب والإقليم معاً. وكمثال آخر يمكننا ذكر تجربة غرب كردستان في خضم الأزمة السوريّة, حيث رأينا كيف أنّ الأقنعة سقطت عن وجوه السياسيين والأحزاب, وكيف أنهم لم يكونوا في مستوى المرحلة والأحداث والمستحقات الوطنيّة. فقد تكرّرت تجربة باشور كردستان في روج آفا أيضاً. تاركين مستقبلها بين أنياب القدر, إرضاءً لمصالحهم الشخصيّة والذهنيّة الحزبيّة الضيقة. إذاً لماذا يتحدث الكرد عن الوحدة ويجدونها كعصى موسى في حل القضية الكرديّة؟ هل لشرعنة الهزائم واستسلاماً لليأس وهروباً من تحمل المسؤوليات؟ أم هي مجرد مزاودات على الآخر المختلف؛ لتحميله مسؤوليّة التهرّب من القرارات الوطنيّة؟
فما هي الوحدة؟
نستطيع الادعاء بأنّ الوحدة هي حالة تلاحم أو تكاتف الاختلافات المتعددة المكملة لبعضها البعض, أي التي تسعى في انسجامها وتناغمها إلى أداء مهماتها الأساسيّة وليست المعيقة أو التي تعمل على تدمير أو تحطيم المهمة الأساسية للاختلافات المتعددة. كمثال على ذلك: «جسد الإنسان نفسه, حيث يتكون من الأعضاء المختلفة الوظيفة, ولكنها تؤدي في النهاية وظيفةً عامةً أساسية لكلّ الجسد, أي أنّ الجسد يستقيم من خلال الوظائف المختلفة لأعضائه المكملة لبعضها البعض والتي لا تعيق أو تلغي وظيفة الآخر، ولكن إذا ما أُصيب عضو منه بعاهةٍ أو مرضٍ وأصبح معيقاً وخطراً على الجسد, حينها يتمُّ إلغاء وظيفة ذلك العضو حفاظاً على باقي الجسد سليماً». أي أنّ الاختلافات المتعددة تشكّل الوحدة إلا إذا عملت أو كانت سبباً في تعطيل الكلّ على حساب الجزء, حينها يكون الجزء خطراً على الكلّ. بالتأكيد عندما نتحدث عن الوحدة, فإنّ المعني بها هي الحركة السياسيّة الكرديّة. وكون الحديث عن الوحدة الشاملة للأجزاء الأربعة من كردستان, يكاد يكون صعباً جداً, إن لم يكن مستحيلاً في ظل الظروف الذاتيّة والموضوعيّة غير الملائمة, فإننا سنقتصر في دعوتنا للوحدة على الجزء الغربيّ من كردستان أي روج آفا.
تأسس أول حزب كرديّ في روج آفا كردستان عام 1957م تحت اسم الحزب الديمقراطيّ الكرديّ في سورية، والبعض يقولون الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ. هذا الحزب لم يستطع الصمود أمام الموجات المتلاحقة من الانشقاقات والتي أدت إلى ظهور عشرات الأحزاب الكردية في غرب كردستان, والتي لم تكف عن الدعوة إلى وحدة الصف الكردي ووحدة الحركة السياسيّة, ولكن مع كلّ دعوة من هذا القبيل, كانت الانشقاقات وظهور أحزاب كردية جديدة تتكرر, ليحملوا بعضهم البعض مسؤوليّة وأسباب التشرذم واللاوحدة. حتى باتت الانشقاقات والتشرذم منهجاً و ثقافة سياسيّة في غرب كردستان.
تتوزع الأحزاب الكرديّة في روج آفا في وقتنا الحالي ضمن مجموعات ثلاث:
1- حركة المجتمع الديمقراطيّ TEV-DEM بأحزابها المختلفة.
2- المجلس الوطني الكرديّ في سورية ENKS .
3- التحالف الوطنيّ الكرديّ في سورية
بالإضافة إلى حزب الديمقراطي التقدمي الكرديّ في سورية كحزب خارج هذه الأطر.
باستثناء المجلس الوطنيّ الكرديّ, فإنّ الأحزاب الأخرى تمارس أنشطتها على أرض روج آفا، ولم ينضموا أو يتحالفوا مع القوى الأخرى خارج حدود روج آفا أو الدخول في سياسة المحاور, غير أن هناك بعض التذمر واللارضا من قبل هذه الأحزاب تجاه الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة وحركة المجتمع الديمقراطيّ في أنّها لا تفسح المجال أمامهم, أو أنّها لا تنظر بجدية إلى أنشطة وقوة هذه الأحزاب ودورها على حد تعبيرهم. لذلك؛ فإنّ علاقة الأحزاب المنضوية في التحالف الكرديّ, والحزب الديمقراطيّ التقدميّ الكرديّ مع الإدارة الذاتيّة تشوبها البرودة واللاجدية في الممارسة. أما المجلس الوطنيّ الكرديّ بأحزابه المتفقة شكليّاً والمتناقضة عمليّاً, فقد اختار منذ البداية خط المعارضة لكل منجزٍ لم يتحقق من خلاله هو. ووجد نفسه وجهاً لوجه أمام حركة المجتمع الديمقراطيّ الذي استطاع أخذ زمام المبادرة منهم في قيادة المرحلة في روج آفا, ما دفعهم إلى اتخاذ كلّ السبل الكفيلة بإفشال تجربة روج آفا أو الشراكة مناصفة مع حركة المجتمع الديمقراطيّ في إدارة روج آفا معتمدين على دعم قيادة باشور كردستان لهم والضغوطات الخارجيّة وخاصة التركيّة على الإدارة الفتية! ودخلوا في تحالف مع المعارضة السوريّة الأخوانية المدعومة من أنقرة, والتي أثبتت الأحداث والتطورات بأنّها معارضة أشد عداء من النظام وتركيا تجاه القضية الكرديّة وحقوق الشعب الكرديّ. ورغم ذلك استمر المجلس الوطنيّ الكرديّ في تحالفه مع هكذا معارضة وحتى فيما بعد احتلال تركيا لعفرين وتهجير أهلها وتغيير ديمغرافيّتها معتمدة على الفصائل الإرهابيّة التي يظلها سياسيّاً الائتلاف الوطني السوريّ والذي يعد المجلس الوطنيّ الكرديّ جزءاً منه، ما أثار الشكوك عند قواعد أحزاب المجلس حول مصداقية ممثليهم في الائتلاف في السعي إلى ضمان حقوق الشعب الكرديّ, واتهامهم بالخيانة من قبل معظم الشعب الكرديّ في جنوب وغرب كردستان.
وبما أننا نتحدث عن وحدة الصف الكرديّ في غرب كردستان فلابد من تهيئة الظروف الذاتيّة, لأجل التوجه إلى عقد مؤتمر وطنيّ كردي يشمل كل القوى والأحزاب الموجودة على ساحة غرب كردستان, ليتحمل الجميع مسؤولياتهم التاريخيّة تجاه الشعب الكرديّ في هذا الجزء من كردستان ومواجهة التحديات الداخليّة والخارجيّة, والاستعداد لأي حلٍّ سياسيّ للأزمة السورية مستقبلاً . لذا لابد من:
أولاً: أن تكون حركة المجتمع الديمقراطيّ جامعاً لكل الاختلافات السياسيّة، وأن تقتنع بأنّ طرفاً معيناً مهما امتلك من إمكانيات لن يكون قادراً على قيادة المرحلة منفرداً.
ثانياً: خروج الأحزاب المنضوية في التحالف من قوقعتها وجمودها السياسيّ, واعتبار نفسها جزءاً أساسيّاً من الحراك السياسيّ في غرب كردستان وعدم الشعور بكونها طرفاً ثانويّاً ما بين المجلس الوطنيّ الكرديّ وحركة المجتمع الديمقراطيّ وزيادة فعّاليّاتها وأنشطتها السياسيّة.
ثالثاً: قيام أحزاب المجلس الوطنيّ الكرديّ بمطالبة ممثليهم في الائتلاف السوريّ وقيادات أحزابهم بتقديم وشرح نوعيّة العلاقات التي تجمعهم مع أعداء شعبهم وإصرارهم بالاستمرار في هكذا تحالفات وعزلهم وتقديم فاتورة الحساب عن أنشطتهم خلال السنوات السبع من عمر الأزمة السوريّة، وانتخاب قيادات وطنيّة جديدة والعودة إلى الوطن.
رابعاً: خروج الحزب الديمقراطيّ التقدميّ الكرديّ من حياديّته السياسيّة وعدم انتظار ما ستسفر عنه الأحداث فيما بعد, لكي يتخذوا الموقف في أيّة جبهة يكونون.
خامساً: عقد مؤتمر وطنيّ كرديّ عام في غرب كردستان, ينبثق منه مجلس وطنيّ كرديّ شامل لروج آفا للوقوف والتصدّي للتطورات والأحداث ومخاطبة العالم بموقف وصوت وقوة كرديّة موحّدة. وأما استمرار المجلس الوطنيّ الكرديّ في أنشطته وممارساته وقياداته السابقة, فيعني بأنّه يغرد خارج السرب وبعيداً عن الحالة الكرديّة، وبالتالي لا يمكن اعتباره جزءً من الحركة السياسيّة الكرديّة في روج آفا ومن دونهم أيضاً يمكن عقد المؤتمر الوطني الكرديّ والنجاح فيه.