No Result
View All Result
المشاهدات 4
دجوار أحمد آغا_
تاريخ البشرية ليس مشرقاً وجميلاً على الدوام، بل على العكس من ذلك، مليء بالمؤامرات والدسائس، التي كانت وما تزال تُحاك خلف الستائر والجدران من أجل مصلحة فئة قليلة من البشر، أو من يُسمّون أنفسهم بشراً. هذه المؤامرات كانت تُحاك في الخفاء وبسرية تامة وكانت في معظمها تنجح في تحقيق أهدافها. الأمثلة كثيرة على مر التاريخ، ربما أبرزها المؤامرة، التي حاكها مجلس روما ضد “يوليوس قيصر” ومن ضمنهم أعزّ أصدقائه “بروتوس” والجملة الشهيرة، التي قالها قيصر فيما بعد “حتى أنت يا بروتوس”. لكن؛ أكبر وأعظم المؤامرات على مر التاريخ هي المؤامرة الكونية، التي بدأتها قوى الهيمنة العالمية ضد القائد والمفكر عبد الله أوجلان في التاسع من تشرين الأول 1998 وانتهت المرحلة الأولى منها بتاريخ 15 شباط 1999 من خلال خطف القائد أوجلان، وتسليمه مقيداً معصوب العينين إلى جهاز الاستخبارات التركية.
الشرق الأوسط الحيّ
عندما يتحدّث العالم عن تجديد ما أو تغير في موازين القوى أو أي أمر آخر ذي أهمية على مستوى البشرية، تتجه الأنظار مباشرة إلى الشرق الأوسط، لماذا يا ترى؟ في الحقيقة؛ السبب بسيط للغاية، لأن الشرق الأوسط هو مهد الحضارات التاريخية العريقة، التي بنت عليها الإنسانية قيمها النبيلة وأخلاقها وتطورها. إلى جانب أن الشرق الأوسط هو مهد الديانات السماوية، التي انتشرت في مختلف أرجاء العالم وأصبحت تعاليمها أساساً للعلاقات بين البشر من خلال التسامح والمحبة. لكن؛ الجوهر الأساسي في السعي للسيطرة على الشرق الأوسط، وبقاءه مشتعلاً، هو لأن شعوبه حيّة وترفض الخنوع والاستسلام. شعوب لها تاريخ طويل في المقاومة والانتصار على الأنظمة المستعبدة والظالمة بتشكيل كونفدرالية الشعوب، وأكبر مثال على ذلك، انتصار الشعوب تحت قيادة الملك الميدي “كي أخسار” (الميديون، والبابليون، الفرس، والبارثيون، والشعب الآشوري) في القضاء على الإمبراطورية الآشورية ودخول عاصمتها نينوى سنة 612 ق م.
لماذا القائد أوجلان؟
سؤال يراود الكثير من القراء والمحللين والنشطاء السياسيين على حد سواء، لماذا تم استهداف مؤسس حزب العمال الكردستاني القائد عبد الله أوجلان في هذه المؤامرة الكونية؟ ألهذه الدرجة يشكّل القائد أوجلان خطراً على القوى، التي حاكت المؤامرة؟
بالفعل، فإن القائد عبد الله أوجلان كان وما يزال يُشكّل خطراً كبيراً على هذه القوى ومصالحها، لأنه مفكر وفيلسوف استطاع أن يُعرّي هذه القوى أمام شعوبها. واستطاع أن يضع طريقاً واضحًا وسليماً أمام الشعوب لنيل حقوقها المشروعة والقدرة على إدارة نفسها بنفسها. أي وصف لها الدواء الناجع لمشاكلها، التي خلقتها الدولة القوموية مع ظهورها.
فالشعوب والمجتمعات كانا يعيشان حياة طبيعية بلا أزمات، ولا تعقيدات التي نشهدها الآن في ظل الدولة والسلطة وأدواتها القمعية. القائد عبد الله أوجلان أصبح رمز الإرادة الحرة للشعوب، لذا كانت المؤامرة كونية، وفي أكبر وأخطر مؤامرة عبر التاريخ.
المشاركون في المؤامرة
قوى الهيمنة العالمية الإمبريالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وعبر أجهزتها الاستخباراتية التي هي على مستوى عال من الخبرة وإمكانات، وقدرات غير مسبوقة في ظل التطور الهائل في التكنولوجيا، والأجهزة الحديثة وطائرات التجسس.
بدأت أولى عمليات المؤامرة الكونية بالضغوطات الكبيرة، التي مارستها دولة الاحتلال التركي وإسرائيل، وأمريكا على سوريا لإخراج القائد عبد الله أوجلان من سوريا، وتم حشد الجيش الثالث التركي على الحدود السورية شمالاً، بينما قامت إسرائيل بتعزيز قواتها على الحدود الجنوبية لسوريا؛ الأمر الذي وضعها بين فكّي كماشة. بالإضافة إلى جولات الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك المكوكية بين دمشق وأنقرة، والتي انتهت بتوقيع اتفاقية أضنة 1998، والتي أفضت إلى خروج القائد عبد الله أوجلان من سوريا إلى اليونان؛ ثم بدأت الاستخبارات الدولية بتحركها والضغط؛ لمنع اللجوء السياسي للقائد، ولا السماح له بالوصول إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي الهولندية. شاركت أجهزة استخبارات (أمريكا، وإسرائيل، وروسيا، ومصر، واليونان، وقبرص، وألمانيا، وفرنسا، وكينيا، وغيرها من الدول) إلى جانب منظمات عالمية كبرى مثل الصهيونية، والماسونية.
لماذا التاسع من تشرين الأول؟
يقول القائد أوجلان: “إن قوى الهيمنة العالمية اختارت يوم التاسع من تشرين الأول 1998 لبدء المؤامرة الكونية بحقي لأنه اليوم، الذي تم فيه تصفية الثائر الأممي الكبير غيفارا في بوليفيا سنة 1967”. اعتقدت هذه القوى، أن القائد عبد الله أوجلان سوف يقاوم بطريقة تقليدية، وبالتالي سوف يحدث تصادماً بينه وبين أعضاء المجموعات، التي كانت هذه القوى قد هيئتها للاشتباك مع مرافقي القائد، وبالتالي القضاء عليه كما حدث مع تشي غيفارا. لكن ما حدث؛ كان صدمة لهذه القوى. فهم لم يتوقعوا أن يتوجه القائد إلى ساحتهم وموطنهم وبين أعضائهم! القائد توجه إلى أوروبا، وبقي في إيطاليا 65 يوماً! لم تجرأ ألمانيا، التي كانت قد رفعت مذكرة توقيف بحق القائد على توقيفه! فكانت الرحلة في سماء أوروبا، ومن ثم التوجه إلى نيروبي العاصمة الكينية، التي جهّزت وقتها وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA الأمور من أجل تسليم القائد للسلطات التركية.
التاسع من تشرين الأول 2019 سري كانيه وكري سبي
عملت دولة الاحتلال التركي على ترسيخ هذا اليوم الموجع للكرد، ولشعوب المنطقة، حيث بدأت بشن هجمات احتلالية مكثفة ضد مناطق روج آفا في التاسع من تشرين الأول بعد حصولها على الضوء الأخضر من قوى الهيمنة العالمية (أمريكا، روسيا)، هذه القوى الرئيسية في نسج خيوط مؤامرة التاسع من تشرين الأول 1998 بحق القائد أوجلان.
خاضت قوات سوريا الديمقراطية بتشكيلاتها العسكرية معارك ضارية ضد القوات الغازية، لكن السيطرة الجوية والقصف العنيف لطائرات المحتل التركي وسقوط الكثير من الشهداء المدنيين، إلى جانب استخدام المحتل القنابل الفوسفورية والأسلحة الكيماوية، أدى إلى وقف الهجمات العدوانية وفق اتفاقيات بين أمريكا وروسيا مع دولة الاحتلال التركي. لكن؛ الاحتلال جلب المرتزقة وأسكنهم في المنطقة، وبدأت جرائم نهب ممتلكات المواطنين وسرقة منازلهم بالإضافة إلى عمليات التهجير القسري لمن تبقى من السكان الأصليين في المنطقة، عدا عن عمليات الخطف والابتزاز والمطالبة بفدية.
التاسع من تشرين الأول 2020 شنكال
“فرمان باسم القانون”؛ هذا ما يقوله أبناء المجتمع الإيزيدي عن الاتفاقية، التي تم توقيعها بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، أو بالأحرى سلطات الحزب الديمقراطي الكردستاني عملياً. كما يعدها الإيزيديون استمراراً للمؤامرة الكونية بحق القائد أوجلان، فهي تأتي بمشاركة ومباركة من دولة الاحتلال التركي.
الاتفاقية التي تم الإعلان عنها، تدعو إلى “تشكيل إدارة مشتركة بالتعاون بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية، والتي توكل مهمة الأمن فيها للشرطة الاتحادية بالتعاون مع إقليم كردستان عبر إرسال 2500 من عناصر قوى الأمن الداخلي وإنهاء وجود باقي القوى الأمنية الموجودة فيها”. المقصود بباقي القوى هي قوات أسايش إيزيدخان، وقوات حماية شنكال، والتي تمثل الإرادة الحرة للمجتمع الإيزيدي.
بعد فشل دولة الاحتلال التركي في إنهاء وإبادة المجتمع الإيزيدي بدعمه المباشر للدواعش، توجهت إلى استهداف القادة والنخبة الإيزيدية بالمسيرات والقصف بالطائرات الحربية. الطاغية أردوغان هدّد بشكل صريح بعد فشل العراق والديمقراطي الكردستاني في تنفيذ سياساته في شنكال: “قد نأتي على حين غرّة ذات ليلة” في إشارة إلى هجوم بري على شنكال. لكن شنكال ما تزال رافضة هذه الاتفاقية وتظل مقاومة للاحتلال.
استمرارية المؤامرة جريمة
ما تزال المؤامرة الكونية بحق القائد والمفكر أوجلان مستمرة ليومنا هذا، الأمر الذي يُعدّ جريمة بحق الإنسانية. فأوجلان قائد نضال تحرري لشعب مهدد بالزوال، لم يقم بارتكاب أية جريمة بحق أية دولة ولا شعب من شعوب العالم. على العكس من ذلك تماماً، فهو مفكر وفيلسوف؛ أنار الطريق أمام شعوب العالم من أجل قدرتها على إدارة نفسها بنفسها بعيداً عن سلطات الدولة وأدواتها القمعية. لكن؛ قوى الهيمنة العالمية والحداثة الرأسمالية، لا تريد أن ترى الاستقرار يعم الشرق الأوسط قبل أن تتقاسم النفوذ، وتُعيد رسم خارطة المنطقة من جديد، ولكن هذه المرة بيد أمريكا وروسيا، وليس إنكلترا وفرنسا كما جرى قبل 100 عام. لذا؛ ستبقى المؤامرة مستمرة والقائد معتقل ومعزول عن العالم، وتمارس بحقه سياسة التعذيب والإبادة.
مقاومة إمرالي شعلة الحرية
أثبت القائد والمفكر عبد الله أوجلان خلال السنوات الطويلة التي ما زال يقضيها في معتقل جزيرة إمرالي قدرته الفائقة على عيش حياة عظيمة، حتى ضمن ظروف العزلة المشدّدة، وإبداء مقاومة منقطعة النظير، إذ يقول القائد واصفاً النضال داخل جدران السجن: “لقد تحول سجن إمرالي إلى ميدان لحرب الحقيقة، بكل ما للكلمة من معنى، سواء على صعيد فهم الظاهرة الكردية وقضيتها، أو من ناحية تصورِ فرص وإمكانات الحل”.
بالتأكيد؛ المقاومة البطولية التي يخوضها القائد أوجلان في معتقل جزيرة إمرالي، أصبحت دافعاً قوياً لشعوب المنطقة والعالم من أجل مواصلة نضالها، وكفاحها لنيل حقوقها. هذه المقاومة التي أصبحت شعلة الحرية المتّقدة دوماً لملايين البشر حول العالم، فكتب ومرافعات القائد أصبحت تُدرّس في المعاهد والجامعات العالمية، وقد أشاد الفيلسوف الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي بفلسفة وفكر القائد وأهميتها لإعادة الإنسانية إلى إنسانيتها التي فقدتها في خضم هذه المعمعة والفوضى الخلاّقة.
مقاومة الكريلا دفاع عن الإنسانية
المقاومة الأسطورية، التي تخوضها قوات الكريلا في جبال كردستان ضد قوى الظلام والفاشية التركية المريضة بداء السلطة والعنصرية والكراهية بحق الشعوب، هذه المقاومة هي دفاع عن القيم والمبادئ الإنسانية النبيلة المتمثلة في العيش المشترك والحوار والسلام وتحقيق الديمقراطية الحقيقية لشعوب المنطقة والعالم. الكريلا التي تخوض أشرس المعارك في مواجهة قوى الهيمنة العالمية، التي حاكت خيوط المؤامرة ضد القائد أوجلان، استطاعت أن تُفشل هذه المؤامرة، ولم تسمح لها بتحقيق أهدافها.
على الرغم من التدمير الهائل في الطبيعة واستخدام مختلف أنواع الأسلحة الحديثة والقنابل المدمّرة، بالإضافة إلى الأسلحة المحظورة والمحرمة دولياً (الغازات السامة، والمواد الكيماوية، والقنابل النووية التكتيكية) إلا أن السلاح الذي تمتلكه الكريلا لا يوجد لدى قوات العدو المحتل، وهو الإرادة الحرة، والعزيمة الفولاذية والإصرار على تحقيق الانتصار مهما كان الثمن. فشعار إما النصر، أو النصر يأتي استناداً إلى صرخة مظلوم دوغان “المقاومة حياة”.
تضامن شعوب العالم مستمر
شعوب الشرق الأوسط بالدرجة الأولى وبقية شعوب العالم، التي تعرّفت على فكر وفلسفة القائد في الحياة، وقفت إلى جانب نضاله المستمر من أجل تحقيق الحرية الجسدية له والحل السياسي للقضية المركزية في الشرق الأوسط ونعني القضية الكردية، طبعاً إلى جانب القضية الفلسطينية. هذه الشعوب ونخبها المثقّفة، لم تتوقف عن المشاركة في الفعاليات والنشاطات الجماهيرية، التي كانت تقوم بها حركة حرية كردستان وشعوب الشرق الأوسط سواء في الداخل أو في بقية مناطق العالم. منذ ما يُقارب العام؛ وتحديداً في العاشر من تشرين الأول 2023 بدأت مجموعة من المثقفين والأكاديميين والأدباء والفنانين؛ أي النخبة من 77 بلداً ومنطقة حول العالم بحملة عالمية تحت شعار “الحرية للقائد عبد الله أوجلان، الحل السياسي للقضية الكردية”. هذه الحملة عبرت عدة مراحل وما تزال ذات فعالية، وتأثير كبير حول العالم وقد اكتسب أعضاؤها المزيد من الخبرة في مواجهة قوى الهيمنة العالمية. الحملة مستمرة إلى تحقيق أهدافها في الحرية الجسدية للقائد أوجلان والحل السياسي للقضية الكردية.
No Result
View All Result