يواصل الاحتلال التركي هجماته العدوانية على أرياف منبج؛ بهدف زعزعة الأمن والاستقرار، وإثارة الفوضى بين العشائر لتسهيل تنفيذ مخططاته التوسعية، وإغراق المنطقة في دوامة من العنف والفوضى.
لا يتوانى جيش الاحتلال التركي عن استغلال أي حدث داخلي أو خارجي كما حدث في دير الزور، فأمر مرتزقته بإشعال جبهة منبج تأييداً لحراك ما يسمى “قوات العشائر” لزيادة الضغط على قوات سوريا الديمقراطية وزعزعة الاستقرار في عموم إقليم شمال وشرق سوريا.
ولعله من المفيد أن نؤكد أن جيش الاحتلال التركي، هاجم بشكل عدواني أواخر العام المنصرم البنية التحتية الحيوية للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، مثل محطات الكهرباء، وشبكات المياه والغاز والمستشفيات، في القصف الجوي والطائرات دون طيار؛ ما أسفر عن إخراجها عن الخدمة وحرمان السكان من الكهرباء، والغاز، والماء.
النفخ في مزمار العشائر
تُعد منبج هدفاً استراتيجياً للاحتلال التركي الذي لم يتوقف عن محاولاته لاحتلالها منذ أن حررتها قوات سوريا الديمقراطية من مرتزقة داعش، فأكد رئيس دولة الاحتلال التركي بتصريحاته، أن منبج تشكل المرحلة التالية في خطته الرامية لتوسيع نفوذه في إقليم شمال وشرق سوريا في سياق مخطط لبسط السيطرة على مناطق ذات أهمية جيوسياسية، وعسكرية كبيرة.
ويزعم الاحتلال، أن هذه المناطق غير آمنة، في حين يُنظر إلى تحركاته على أنها جزء من سياسة التوسع الإقليمي، والسعي لفرض نفوذه في سوريا وتحقيق أهدافه الجغرافية والتاريخية، ضمن مشروع “الميثاق الملي” الذي يسعى للسيطرة على حلب وأريافها امتداداً إلى مقاطعة الجزيرة؛ ما يعكس أطماع الاحتلال بإعادة رسم حدوده وفق مصالحه التوسعية.
ومن الملاحظ، أن هجمات الاحتلال التركي تتوافق مع تحركات المدعو إبراهيم الهفل للهجوم على مواقع قوات سوريا الديمقراطية بدعم مشترك من الدول الأربع على طاولة اجتماعات أستانا، ولاقت الهجمات دعماً ومساندة من المرتزقة التابعة للمخابرات التركية في المناطق المحتلة، وبإسناد من المرتزقة على جبهات منبج؛ لتخفيف الضغط على ما يسمى بـ “مقاتلي العشائر” كمن ينفخ على الجمر تحت الرماد من أجل تأليب القاعدة العشائرية، وحثها على المشاركة في التصدي لقوات سوريا الديمقراطية.
تصاعد وتيرة الهجمات
يكثّف الاحتلال التركي ومرتزقته من هجماتهما على القرى الآهلة في مقاطعة منبج، حيث تتعرض الأرياف الشمالية والشمالية الغربية، أما لقصف الهاون والمدفعية، وأما لقصف الصواريخ الموجهة، واستخدام الطائرات المسيّرة (الدرون)، ومحاولات التسلل. وفيما يلي إحصائية لهجمات جيش الاحتلال ومرتزقته خلال شهر آب المنصرم:
في الأول من آب استهدف الاحتلال التركي ومرتزقته، قرية تل تورين بخمس قذائف هاون.
وفي السابع منه استهدف الاحتلال، قرى الكاوكلي، والصيادة، والدندنية، وأم جلود، والتوخار، والجات وعون الدادات، بـ 52 قذيفة مدفع، وهاون، وسلاح الدوشكا 14.5.
وفي الثامن من آب استهدف الاحتلال التركي ومرتزقته، قرية عرب حسن بالطيران المسيّر، كما استهدفا قرية كور هيوك بـتسع قذائف هاون ومدفعية، فيما أسقطت قوات جبهة الأكراد طائرة مسيّرة (درون) للاحتلال في قرية قرط ويران.
وفي التاسع من آب استهدف الاحتلال ومرتزقته قرية كور هيوك بخمس قذائف هاون ومدفعية، كما أسقطت قوات جبهة الأكراد طائرة مسيّرة (درون) للاحتلال التركي في قرية البويهج، وأسقط مجلس الباب العسكري طائرتين مسيّرتين انتحاريتين في قرية تل تورين.
وفي العاشر منه استهدف الاحتلال ومرتزقته قريتي الجات، وعون الدادات بـ 33 قذيفة هاون، ومدفعية وقرية الصيادة بـ 12 قذيفة، وقرية كور هيوك بعشر قذائف.
وفي الثاني عشر من آب استهدف الاحتلال ومرتزقته قرية المحسنلي بثلاثة صواريخ موجهة، وسبع قذائف هاون ومدفعية.
وفي الرابع عشر من آب استهدف الاحتلال ومرتزقته بقذائف الهاون والمدفعية قرى التوخار بـ 12 قذيفة، والهوشرية بثلاث قذائف، وعون الدادات بتسع قذائف والجات بـ 15 قذيفة، والدندنية بعشر قذائف والصيادة 15 قذيفة، والكاوكلي 14 قذيفة، وكور هيوك 15 قذيفة وقرط ويران ثماني قذائف.
وفي الواحد والعشرين من آب حاولت مرتزقة الاحتلال التركي التسلل إلى قرية المحسنلي، فتصدت لهم قوات مجلس منبج العسكري، فقام طيران الاحتلال المسيّر بقصف القرية، واقتصرت الأضرار على المادية.
أما في شهر أيلول الجاري، وفي عملية نوعية، تصدى مقاتلو مجلس منبج العسكري لمحاولتي تسلل لمرتزقة الاحتلال التركي، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل ثمانية مرتزقة وإصابة عشرة آخرين:
في تمام الساعة الواحدة من يوم الأربعاء 11 أيلول الجاري، هاجمت مجموعتان لمرتزقة جيش الاحتلال التركي قرية أم جلود، ونتيجة يقظة قوات مجلس منبج العسكري، رُصدوا المرتزقة، وحوصروا، وتم الاشتباك معهم على محورين، ما أدى إلى إفشال الهجوم.
ورافق محاولة التسلل قصف جيش الاحتلال التركي ومرتزقته قرية الجات في الريف الشمالي الشرقي بـ 11 قذيفة هاون ومدفعية، كما استهدفت مسيّرة نقطة تمركز لقوات حكومة دمشق، ما أدى إلى إصابة عنصرين لقوات حكومة دمشق.
كما وأحبطت قوات مجلس منبج العسكري عملية تسلل لمرتزقة الاحتلال التركي إلى إحدى قرى ريف منبج، وكبدت المرتزقة خسائر جسيمة، وأكد المركز أن المرتزقة تكبدت خسائر في العدد والعتاد، فيما لاذ البقية بالفرار، فعقب فشل عملية التسلل، استهدف جيش الاحتلال التركي قرى الدندنية والصيادة وأم عدسة في الريف الشمالي الغربي بالأسلحة الثقيلة فوقعت أضرار في المنازل، وفي ممتلكات الأهالي.
الدوافع والتكتيكات
بطبيعة الحال الهجمات المستمرة على أرياف منبج لم تكن اعتباطية، أو مجرد حالة لتسخين الأجواء، فكلما شعر جيش الاحتلال ومرتزقته بضرورة تحريك ورقة على الأرض صعدا هجماتهما، ويمكن استنتاج ذلك من عدة دوافع:
تعكس الهجمات المكثفة والمتنوعة من قصف مدفعي وطائرات مسيّرة، وتسلل تصعيداً متعمداً يستهدف قرى عديدة بشكل متزامن، ما يكشف نوايا واستراتيجية لتوسيع نطاق الضغط على قوات سوريا الديمقراطية، وقوات مجلس منبج العسكري، لجعلها غير قادرة على إدارة الفوضى الخلاقة في المنطقة من جهة، ومن جهة أخرى تسعى إلى إرباكها لإضعاف الدفاعات أو كشف تحركاتها من خلال الهجمات المستمرة بالطائرات المسيّرة والتسلل، بهدف اختبار قوة هذه القوات وإضعافها تدريجياَ.
ومن زاوية أخرى، توقيت الهجمات يتزامن مع تحولات في الساحة السورية على صعيد زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، وبالأخص في مدينتي البوكمال والميادين، كما أن الهجمات جزء من استراتيجية أوسع ضمن لعبة سياسية جرى الاتفاق عليها باجتماع آستانا؛ بهدف مصالحة حكومة دمشق والتقارب على أن تكون القاسم المشترك الذي يجمعهما، وهو محاربة الإرهاب والمقصود هنا قوات سوريا الديمقراطية، ما يجعل هذه الذريعة شماعة لتوسيع نفوذ الاحتلال في شمال سوريا، وتكون هذه التحركات جزءاً من مخطط أكبر لتغيير التوازنات الإقليمية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.
وتفسير ذلك، الهجمات المستمرة على أرياف منبج تقوض أي جهود لتحقيق أي تسوية للأزمة السورية المستمرة منذ نحو ثلاثة عشر عاماً، في حين أن تكثيف الهجمات الاحتلالية يفاقم الأوضاع الإنسانية التي هي بالأصل تزيد معاناة المدنيين. ومع استمرار هذه الأعمال العدائية على المنطقة على نحو مستمر ومتواصل، يبقى السؤال حول كيفية رد المجتمع الدولي، وما مصير حل الأزمة السورية المعلق بين كفي الدول الإقليمية والدولية؟
مجلس منبج العسكري يفشل مخططات الاحتلال
وفي إطار حق الدفاع المشروع يرد مجلس منبج العسكري، على الاعتداءات وهجمات جيش الاحتلال التي تطال منبج وأريافها للدفاع عنها وعن أهلها، ويلاحق فلول مرتزقة داعش المرتبطة بجيش الاحتلال التركي، وخلايا الاستخبارات التركية في مقاطعة منبج. ومن خلال تصديه لهذه الهجمات، يثبت المجلس جاهزيته لحماية المنطقة من أي تهديد خارجي، مستمداً قوته من تضحيات الشهداء، ومواصلاً النضال للحفاظ على أمن واستقرار منبج وأهلها.
في هذا السياق، أجرت صحيفتنا لقاءً مع القائد العام لمجلس منبج العسكري إبراهيم الحمدان، الذي تحدث عن الهجمات المتواصلة، التي يشنها جيش الاحتلال التركي على منبج: “منذ تحرير مدينة منبج لم يتوقف جيش
الاحتلال التركي عن ارتكاب الانتهاكات سواء من خلال القصف العشوائي للقرى المأهولة بالسكان أو باستخدام الطائرات المسيرة، إلا أن قواتنا اتخذت الإجراءات اللازمة ضمن منظومتها الدفاعية لحماية المدينة وريفها”.
وأضاف: “ففي تلك الإجراءات، تمكنت قواتنا من إحباط العديد من محاولات التسلل التي نفذتها مجموعات تابعة لجيش الاحتلال التركي، كما نجحت في إسقاط عدة طائرات مسيرة كانت تستهدف مناطق ريف منبج. وهذه العمليات تؤكد جاهزية القوات في التصدي لأي تهديدات”.
وحول الهدف من هجمات الاحتلال، أوضح الحمدان: “هذه الهجمات ومحاولات التسلل، تهدفان للسيطرة على مواقع استراتيجية حيوية وزعزعة استقرار المدينة بشكل ممنهج، ومن شأنها إحداث اضطرابات أمنية، ما يمهد الطريق لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة”.
واختتم القائد العام لمجلس منبج العسكري إبراهيم حمدان حديثه: “ستبقى قواتنا العين الساهرة والدرع الحصين للذود عن أرضنا وشعبنا في مدينة منبج، مستمدة ذلك من التضحيات، التي قدمها شهداؤنا في تحرير المدينة، وسنبقى على نهجهم حتى تحقيق الهدف المنشود”.