سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مآلات الانسحاب الأمريكي من العراق… اتفاق واشنطن – بغداد الجديد

نيرودا كرد_

عاد الحديث مجددا عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وذلك بعد عامين تقريبا من بدء الحديث في هذا الملف، حيث كان يواجه معوقات عملية عديدة. ولكن؛ الاتفاق الأخير الذي وقع بين بغداد وواشنطن مؤخرا أعاد الملف إلى الواجهة، وبزخم أكبر. 
تعود جذور التواجد الأمريكي في العراق إلى الغزو الأمريكي لهذا البلد عام 2003، والذي كان في حينه بذريعة وجود أسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام حسين، الأمر الذي تبين لاحقا أنه كان مجرد ذريعة للدخول الأمريكي إلى العراق.
وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين، بدأ الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، والذي كان من المفترض أن يتم عام 2011، أي بعد عقد من الغزو الأمريكي. إلا أن ظهور داعش في تلك الفترة، استوجب تشكيل تحالف دولي بقيادة واشنطن ومشاركة عدد من الدول الغربية، لمحاربة هذا التنظيم، تحت مسمى عملية “العزم الصلب” ما استدعى بقاء القوات الأمريكية في العراق حتى الانتهاء من مهمة القضاء على مرتزقة داعش.
ومع بدء انحسار داعش في أماكن سيطرته في سوريا والعراق، عاد الحديث مجددا عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتحديدا عام 2022، بعد تسلم حكومة محمد شياع السوداني، إلا أن بعض الأمور العملية حالت دون تنفيذ هذا الانسحاب.
ما الجديد في الموضوع؟ 
أفاد تقرير حصري لوكالة رويترز السابع من أيلول المنصرم بأن اتفاقاً عراقياً – أمريكياً تم التوصل إليه للانسحاب الكامل لبقايا القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية العام 2026 على أن تنسحب المئات من الجيش قبل أيلول 2025. وسيبقى “وجود استشاري”.
وجاء هذا الاتفاق، بعد تصريح رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن القوات الأمريكية مغناطيس لعدم الاستقرار في المنطقة. وذلك في إشارة إلى الهجمات المتبادلة بين القوات الأمريكية وميليشيات عراقية تابعة لإيران على خلفية الصراع الدائر في غزة. حيث يرى العراق أن هذه الهجمات المتبادلة تؤدي إلى زعزعة استقرار العراق، وتعرض حياة المدنيين للخطر.
موعد إعلان الصفقة 
وقالت بعض المصادر لرويترز إن الإعلان الرسمي كان مقررًا في البداية قبل أسابيع، ولكن تم تأجيله بسبب التصعيد الإقليمي المتعلق بحرب “إسرائيل” مع حماس في غزة، ومن أجل تسوية بعض التفاصيل المتبقية.
وتشمل المصادر خمسة مسؤولين أمريكيين ومسؤولين من دول التحالف الأخرى وثلاثة مسؤولين عراقيين، تحدثوا جميعًا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بمناقشة الأمر علنًا. وقالت العديد من المصادر، إن الصفقة قد يتم الإعلان عنها هذا الشهر.
وقال فرهاد علاء الدين، مستشار الشؤون الخارجية لرئيس الوزراء العراقي، إن المحادثات الفنية مع واشنطن بشأن انسحاب التحالف قد انتهت. وأكد: “نحن الآن على وشك تحويل العلاقة بين العراق وأعضاء التحالف الدولي إلى مستوى جديد، مع التركيز على العلاقات الثنائية في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية”.
ولم يعلق على تفاصيل الخطة ولم يرد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على الأسئلة المرسلة عبر البريد الإلكتروني من وكالة رويترز.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ومسؤول عسكري، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أكدا في بيان مشترك في نيسان أنهما سيراجعان العوامل لتحديد زمن انتهاء مهمة التحالف الدولي في العراق والانتقال إلى شراكات أمنية ثنائية دائمة.
يأتي الاتفاق بعد أكثر من ستة أشهر من المحادثات بين بغداد وواشنطن، والتي بدأها رئيس الوزراء السوداني في كانون الثاني وسط هجمات شنتها جماعات موالية عراقية موالية لإيران على القوات الأمريكية المتمركزة في قواعد عراقية.
أدت الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة العشرات؛ وبدورها رد الجيش الأمريكي بعمليات مختلفة خلفت عدداً من القتلى.
مآلات الانسحاب الأمريكي 
تحتفظ الولايات المتحدة بما يقرب من 2500 جندي في العراق، و900 في سوريا المجاورة، على خلفية التحالف الذي تشكل عام 2014 بدعوى محاربة داعش أثناء انتشاره في سوريا والعراق.
وعلى الرغم من انحسار المساحات الجغرافية التي كان يسيطر عليها داعش في العراق وسوريا، إلا أنه لا يزال يحتفظ ببعض الجيوب في البلدين، وينطلق منها لتنفيذ عملياته الإرهابية ضد المدنيين. فضلا عن وجود العديد من المعتقلات التي تضم عوائل هؤلاء المرتزقة، كما في سجن الصناعة، ومخيم الهول في الحسكة بإقليم شمال وشرق سوريا.
وحول ما يمكن أن ينجم عن الانسحاب الأمريكي من العراق، والذي سيؤثر بهذا الشكل أو ذاك على تواجد قوات التحالف في سوريا أيضا، نشرت الصحفية في معهد نيوزلاند الأمريكي، كارولاين مورمان، تقريرا صحفيا قالت فيه: إن انسحاب الولايات المتحدة أو سحب قواتها من العراق ستكون له آثار واسعة النطاق على العراق، ومجمل عملية العزم الصلب، وتعتمد المهمات المدنية في العراق لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي على القوات الأميركية لأغراض أمنية، وهذا بدوره يؤثر على بناء القدرات لعملية العزم الصلب التي تحارب بها داعش، ومن غير المرجح أن تتمكن الدول الأعضاء الأخرى من سد الفجوات، التي يخلفها الانسحاب الأميركي.
ومن المتوقع بالفعل أن تتضاعف هجمات “داعش” هذا العام في العراق وسوريا، وفقاً للقيادة المركزية الأميركية. وتشير التقارير الفصلية التي يصدرها كبير المفتشين العامين في وزارة الدفاع بشكل دوري إلى الفجوات في قدرات قوات الأمن العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي والبيشمركة على مكافحة “داعش” بشكل فعال دون دعم التحالف.
الخطر الإيراني المحدق في العراق 
إلى جانب محاربة مرتزقة داعش، فإن التواجد الأمريكي في العراق وسوريا حال دون تنفيذ المخططات الإيرانية المرسومة للمنطقة، والتي تسعى إلى تنفيذها بيد العديد من وكلائها في دول المنطقة، وعلى رأسهم حزب الله اللبناني وميليشيا الحشد الشعبي الموجودة في العراق. لذلك؛ فإن بعض المراقبين يرون أن الانسحاب الأمريكي من العراق يعني تسليم هذا البلد لإيران ووكلائها في المنطقة بشكل مطلق.
وحول هذا الموضوع، هاجم مايكل روبين، الخبير بمركز أميركان أنتربايز، والمسؤول السابق بالبنتاغون، فكرة الانسحاب من العراق. وقال: إن “جو بايدن، دعم أول انسحاب أميركي من العراق عندما كان نائبا للرئيس، وجاء هذا الانسحاب سابقا لأوانه، وقد خلق فراغا سمح للمليشيات المدعومة من إيران بتعزيز قبضتها على الحكومة العراقية، وأعطى داعش مساحة للصعود في شمال العراق. وهذا بدوره أجبر الولايات المتحدة على العودة إلى العراق والانخراط عسكريا داخل سوريا أيضا”.
 وقال روبين: “إذا مضى الانسحاب قدما، فسيكون بايدن قد عزز إرثه حقا، ليس كرجل سلام بل كأحمق تجاهل دروس الماضي، ووضع الأساس لتوسيع النفوذ الإيراني، وعودة ظهور تنظيم الدولة، وربما الحادي عشر من أيلول جديدة”.
تكرار سيناريو أفغانستان
تفيد العديد من التقارير الصحفية أن الانسحاب الأمريكي من العراق من شأنه أن يُكرر السيناريو الذي حصل في أفغانستان عند انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فسيطرة جماعة طالبان على الحكم أعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل عقدين من الزمن.
واليوم يتربص في العراق المستقبل الأفغاني، حيث ان مؤسسات الدولة في العراق، لا سيما الأمنية، تعيش حالة ترهل وفوضى مزريين، الأمر الذي يُعزز عامل الشك في قدرتها على التعامل مع المستجدات، التي ستلي الانسحاب الأمريكي من تلك البلاد، لا سيما وأن العراق ينتظره مشروعان تدميريان، الأول هو المشروع الإيراني وأذرعه في المنطقة، والثاني هو إعادة إحياء مرتزقة داعش. ما يضع العراق أمام امتحان صعب مشكوك في تجاوزه.
من هذا المنطلق، فإن المطلوب وضع استراتيجية محكمة لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، هذه الاستراتيجية يجب أن تكون قائمة على أساس استمرار الدعم الأمريكي بشكل من الأشكال للقوات المحلية، التي تواجه هذين الخطرين، وبغير ذلك، سيخلق الانسحاب الأمريكي فراغا سياسيا وأمنيا في العراق.