سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ليبيا ومأزق الغازي التركي

جبريل العبيدي – 


مأزق معركة سرت المؤجلة أو المعلقة تعدد السيناريوهات وفرص الاحتمالات المختلفة؛ بين اندلاع المعركة، والتوصل إلى تفاهمات جديدة لتجنب المواجهة، في ظل تلويح القاهرة بالخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ كان ذلك بمثابة إعادة ضبط التوازن المفقود منذ التدخل التركي السافر لصالح ميليشيات «الإخوان» في طرابلس تحت عباءة اتفاقية خالفت جميع القوانين والأعراف وحتى «اتفاق الصخيرات» الذي تتمسح به تركيا في تعاملها مع حكومة الوفاق غير الدستورية، والتي تعدّ مجرد واجهة لميليشيات الإسلام السياسي!
معركة سرت الليبية وما جاورها من رأس لانوف والعقيلة؛ والأخيرة شهدت معارك كبيرة وكانت منطقة نزاع هي وما جاورها بين أعظم قادة العالم، بين قائد قوات الجيش الثامن البريطاني برنارد مونتغمري، وقائد قوات المحور بقيادة إرفين رومل؛ لن تخرج عن مخاطر حرب الصحراء والأماكن المفتوحة والمكشوفة التي سرعان ما تفقد السيطرة عليها.
سرت التي شهدت معارك وطنية كثيرة لصد عدوان الغزاة؛ ومنها «القرضابية» التي وحدت الليبيين شرقاً وغرباً في معركة ضد الغزو الإيطالي، ولا تبعد كثيراً عن العقيلة؛ المدينة التي تتوسط الساحل الليبي وتكاد تكون في منتصف ليبيا إلا قليلاً، تشهد اليوم حشوداً لمعركة، إن وقعت وتشابكت القوات، فسيكون التاريخ بعدها ليس كما قبلها.
سرت خطها الرئيس المصري خطاً أحمر لحماية الأمن القومي ضد تقدم مرتزقة أردوغان الذين جلبهم من سوريا، لغزو واحتلال ونهب ثروات ليبيا، ورسم جغرافيا على هوى أوهام أردوغان العثمانية في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط، وحلم ووهم بما يسميه «الوطن الأزرق»، فهناك صورة للرئيس التركي أردوغان تظهر فيها خلفه خريطة مكتوب عليها «الوطن الأزرق» وبجوارها كتب الرقم «462»، وهي المساحة بآلاف الكيلومترات التي تسعى تركيا أردوغان لابتلاعها من البحر المتوسط؛ وليبيا جزء منها.
معركة سرت في نظر السلطان التركي المهووس، غزوة الغنيمة لحصر «الإرث» العثماني المزعوم في ليبيا، حيث قال: «ليبيا إرث للعثمانيين»، وعزمه على استعادة ما سماها «أمجاد العثمانيين في ليبيا» و«بطولات» بربروس وأتاتورك، وزعمه وجود أكثر من «مليون» شخص من أحفاد الأتراك في ليبيا؛ الأمر الذي كذبته الديموغرافيا الليبية والقبائل الليبية والتاريخ الليبي، كل هذا لا يعدو كونه حالة جنون سياسي.
تركيا أردوغان تسعى لبسط سيطرتها على التراب الليبي، طمعاً في ثرواته من النفط والغاز والحديد. ليبيا تتعرض لغزو عثماني سافر ومعلن في ظل صمت دولي مريب، فبعد الهجمة التركية الطورانية على ليبيا العربية واستقواء بعض عملاء وبقايا الأتراك في ليبيا بتركيا، أصبح من حق عرب ليبيا طلب المساعدة من جوارها وامتدادها العربي، وهذا يقع ضمن تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي هي من مخرجات الجامعة العربية، وبالتالي ما قام به البرلمان الليبي بدعوته الجيش المصري للدفاع عن ليبيا ضد الغزو التركي، أمر قانوني مشروع تدعمه اتفاقية الدفاع العربي المشترك، خصوصاً ونحن نواجه عدواً مشتركاً جلب المرتزقة والإرهابيين لليبيا؛ ليس فقط لنهب ثروات ليبيا، بل لتهديد الأمن القومي العربي.
فقد طلب مجلس النواب الليبي رسمياً من الجيش المصري التدخل ومساعدة الجيش الليبي لصد العدوان التركي، وتزامن ذلك مع تأكيد الجيش الليبي أن الدعم العربي والإقليمي مهم قبل معركة سرت، وأن التطورات العسكرية قد تؤدي لتغيير في المسار السياسي. في أيلول المقبل ستكون هناك محاكمة رمزية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب تدخلاته السافرة في بلدان العالم، والتسبب في نشر الفوضى عبر تدريب وتسليح ونقل المرتزقة عبر العالم، والتصرف كزعيم ميليشياوي مافيوي، بدلاً من تصرفه على أنه رئيس دولة، خطوة قد تؤسس لملاحقة قضائية جادة للسلطان المهووس بالفوضى.