بينت نساء عفرين في الشهباء أن طحن القمح بشكل يدوي ثقافة وتراث قديم, وبهدف إحياء الثقافة والحياة التعاونية يقمن بتداول هذا التراث رغم التهجير القسري وعدم توفر الإمكانات اللازمة.
حضارة للشعب الكردي في العصور كافة
إحدى ثقافات المجتمع الكردي في عفرين هي حصاد القمح بطريقة يدوية وتحويله عبر طرق تراثية لما يُسمى بالبرغل وتخزينه في المنزل كمؤونة شتوية تتعدد طرق طبخها، إذ كانت تلك الآلية القديمة تحدث عبر تجمع النساء مع تداولهن الأغاني الفلكلورية أو المواويل التي توارثنه من أمهاتهن لتغدو بذلك حضارة للشعب الكردي في كافة العصور.
وتحدثت المواطنة فاطمة خليل من نساء قرية خازيانا التابعة لناحية معبطلي في مقاطعة عفرين لوكالة أنباء المرأة JIN NEWS عن هذه الثقافة المتوارثة قائلةً: “هُجّرنا قسراً من منازلنا وأرضنا صوب الشهباء. ولكن؛ تواجدنا في الشهباء لا يعني تخلينا عن ثقافتنا وتراثنا, ونحن نساء عفرين نحيي تراثنا بروحنا وبتعاضدنا مع بعضنا البعض وذلك للحفاظ على تراثنا التاريخي”.
كيفية تجهيز البرغل بطريقة يدوية؟
وتطرقت فاطمة إلى كيفية تجهيز البرغل بطريقة يدوية قائلةً: “بعد أن يتم حصاد موسم القمح نتوجه إلى الأراضي ونجني ما تبقى من الموسم، إذ نجمع سنابل القمح ونستخرج الحبوب منها من خلال ضرب السنابل بحجر، وبعد أن نقوم باستخراج كافة الحبوب نقوم بتنقية الأحجار والأعشاب الأخرى منها”.
وأفادت فاطمة بأنه بعد عملية تنظيف حبوب القمح يقمن بتبليلها ومن ثم يتم تعريضها لأشعة الشمس حتى تنشف بشكل كامل, ومن ثم تبدأ عملية سلق القمح ضمن قَدِر قد تسع في بعض الأحيان لأكثر من 100 كيلو قمح. ولكن؛ في الشهباء ونظراً لقلة المستلزمات يقمن بسلقها على شكل دفعات بحسب الأوعية المتوفرة.
وأضافت فاطمة خلال حديثها بأنه بعد سلق القمح يقمن بتجفيفه ليتم طحنه فيما بعد وبحسب التراث العفريني القديم المتوارث يتم طحنه بطريقة يدوية إذ توفرت في عفرين ما يُسمى “داستور” أو المطحنة اليدوية لتوزع فيما بعد بحسب كل عائلة والكمية التي ابتاعتها.
وبينت فاطمة بالقول: “هذه الطريقة هي ثقافة كردية متوارثة وستبقى كما هي، لن تتمكن تركيا عبر احتلالها لعفرين من انتزاع الثقافة المغروسة في عقولنا وروحنا فهي ستبقى خالدة أينما توجهنا، فلم تقتصر ثقافتنا على القمح فقط فجلّ حياتنا القروية كانت يدوية فلم نحظَ بالآليات الحديثة كثيراً لذا اعتمدنا على اليدويات”.
روح جماعية ومزيج من المواويل
وأعربت فاطمة بالقول: “كافة أشغالنا وأعمالنا اليدوية القروية كانت تُنجز من خلال تكاتف النساء في القرية أو المكان الذي نتواجد فيه وإضافة إلى ذلك كانت تلك التجمعات يغمرها روح جماعية ومزيج من المواويل التي ورثناها من أمهاتنا”.
وأكدت فاطمة بأنه بالرغم مما يعانيه الشعب في الشهباء إلا أن التعاضد والتكاتف الذي يغمر علاقاتهم المجتمعية هي الطريقة التي تُنسيهم الصعوبات وتدفعهم لمواصلة النضال والمقاومة حتى العودة إلى أرضنا عفرين بعد تحريرها من رجس المحتل التركي، على حد تعبيرها.
وبدورها تحدثت المواطنة أليف عبد الرحمن من سكان قرية قرنه التابعة لناحية راجو عن الأعمال التي ينجزنه في صغرهن قائلةً: “عندما كنا في قرانا، كنا نحظى بمواسم القمح التي نزرعها في أراضينا لنكرر عملية التموين اليدوية للقمح بشكل جماعي أكبر وذو طعم آخر”.
“بتكاتفنا استرجعنا الأيام الخوالي”
وأضافت أليفة بأنه في عفرين تواجدت الطاحونة “الجاروشة” الكبيرة في كل قرية، وفي عفرين كانت النساء تجمع ويقمن بتجهيز المؤونة الشتوية, منوهةً بأن حياتهن في السابق كانت صعبة وتحتاج إلى تعب كبير وبالرغم من كل التعب المُعاش آنذاك كانت الفرحة لا تفارق وجوههن.
وتابعت أليف بالقول: “رغم ظروف التهجير القسري والصعوبات إلا أننا في الشهباء استرجعنا الأيام الخوالي وتلك الفرحة عادت من جديد بتكاتفنا وتبادلنا للمحبة فيما بعضنا”.
ونوّهت أليف أن انخراطها في عمل القمح هو لأجل أحفادها وتأمين مستلزماتهم بالرغم من كبر سنها إلا أنها تعمل على توفير كل ما يلزمهن وإن كان يدوياً، مشيرةً إلى أن القمح في مرحلته الأخيرة يتم تموينه للشتاء وذلك نظراً لاختلاف الطعم ما بين الأطعمة الجاهزة والمنزلية.
والجدير بالذكر بأن في الشهباء لا توجد الطاحونة “الجاروشة” في منازل المواطنين كما كانت في عفرين من أجل مساعدتهن في طحن القمح, فهن يستعملن الحجر الثقيل لطحنها وتجهيز مونتهن. والجاروشة هي عبارة عن حجرة تراثية من الأيام القديمة كانت توجد في منازل الكثير من الأهالي بعفرين.