روناهي/ الرقة ـ شهدت الزراعة في الرقة وريفها تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة ،وهذا أثر بشكل سلبي على معيشة الأهالي؛ فهي تعتبر العمود الفقري لاقتصاد الرقة، حيث دمرت مرتزقة داعش المرافق الزراعية من جسور ومضخات, ويتأمل مزارعو الرقة بعد التحرير أن يتحسن الواقع الزراعي في مناطقهم.
وتعتبر الرقة من المدن السورية المتميزة بالزراعة؛ حيث يعتمد غالبية أهلها على الزراعة في معيشتهم، كدخل أساسي، والغالبية يمارسونها هذه المهنة منذ القِدم، وكان إنتاج الأراضي في الرقة ممتازاً جداً قبل اندلاع الأزمة السورية، حيث شهدت المحاصيل الزراعية وفرة في الإنتاج نتيجة توفر مقوماتها كافة من “سماد، ومبيدات حشرية، وتربة صالحة للزراعة”.
المحاصيل الزراعية الأكثر إنتاجاً في الرقة
القمح من أكثر المحاصيل الزراعية إنتاجاً في أرياف الرقة، وأغلب الفلاحين في الموسم الشتوي يزرعونه بنوعيه “القاسي والطري” وإنتاج النوعين متقارب من بعضه، وكان الإنتاج في السابق يصل إلى /700/ كغ، والري يكون عن طريق المضخات أو عن طريق الري “بالراحة” المتمثل بقناة ري البليخ، بالإضافة إلى الزراعة على ضفتي الفرات والبليخ عن طريق الري بمولدات الديزل.
وفي المرتبة الثانية يأتي القطن أو ما يسمى الذهب الأبيض؛ يزرع الأهالي القطن في الموسم الصيفي ويعملون عليه لمدة أربعة أشهر منذ زراعته إلى حين قطافه، وكان يبلغ إنتاج الدونم الواحد من القطن /600/ كغ.
وتأتي بعدها الخضروات بأنواعها كافة، وتتم زراعتها في الريف الجنوبي للمدينة بجانب نهر الفرات، والمركز الأساسي لزراعتها في مناطق الكسرات التي تشتهر بزراعة الخضروات منذ القدم؛ وذلك لقربها من النهر وإنتاج أراضي المنطقة الجنوبية يغطي احتياجات أهالي الرقة بشكلٍ كامل من جميع أنواع الخضروات.
كميات الإنتاج بظل حكم داعش وما قبل عام 2012
وبعد تدني الزراعة في الرقة؛ بلغ إنتاج الدونم من القمح /300/ كغ، والقطن حوالي /200/ كغ في الدونم الواحد.
وشهد محصولي الشوندر السكري والذرة الصفراء تراجعاً كبيراً؛ بعدما كانت الذرة تشغل مساحات زراعته في الرقة وريفها /22/ ألف هكتار، وإنتاج /134/ طن ذرة في عام 2011، أما بعد عام 2011، وبعد تدمير مجفف الذرة الصفراء بالقصف العشوائي من قبل الطائرات أثناء الحرب التي دارت في المنطقة, أصبحت الذرة الصفراء لا تزرع سوى للعلف بعدما كانت من المحاصيل ذات إنتاج عال في أرياف الرقة.
وأما بالنسبة للشوندر السكري لكثرة إنتاجه في الرقة، حظيت المدينة بمعمل لتكرير السكر طاقته الإنتاجية تصل لحوالي /4000/ آلاف طن في اليوم، وفي عام 2011 زرعت ألف هكتار وأنتجت نحو /330/ ألف طن من الشوندر السكري وفي الأزمة تم تدميره بسبب الحرب التي شهدتها المنطقة؛ ومنذ ذلك الحين لم يزرع في الرقة الشوندر السكري؛ بسبب توقف المعمل عن العمل مع العلم بأنه كان يؤمن المعيشة للألاف من أهالي الرقة من رجال ونساء.
أسباب تراجعها بعد الأزمة السورية
تراجعت الزرعة في الرقة بعد الأزمة التي مرّت بها المنطقة؛ وذلك بسبب انقطاع الكهرباء المستمر عن مضخات المياه التي كانت تعمل على مدار الـ 24 ساعة، وانخفض الإنتاج بنسبة /200/ كغ من كل دونم في جميع المحاصيل؛ مما أدى إلى استياء الفلاحين في الريف وخسارتهم في معظم المحاصيل التي قاموا بزراعتها.
تدهور الزارعة في ظلِّ مرتزقة داعش
ولاقى الفلاحون في ظل دخول المرتزقة المنطقة الويلات لكثرة الضرائب والغرامات المالية التي كان يفرضها مرتزقة داعش عليهم، وتدني أسعار المحاصيل الزراعة بسبب السعر الزهيد الذي كانت تشتري به المحاصيل من الفلاحين بالقوة حيث يتم نقله من الرقة إلى العراق.
وفرضت المرتزقة حصارها على أهالي الرقة لمدة اربع سنوات متتالية وكانوا يمنعون الأهالي من بيع محاصيلهم في الخارج أو شراء أي شيء من خارج المدينة، والسبب الرئيسي في تدني الزارعة في تلك الفترة هو انقطاع الأسمدة والمبيدات الحشرية وغلائها في حال توفرت، حيث بلغ سعر الطن الواحد من السماد الكيماوي في عهد مرتزقة داعش مليون ليرة سورية إن توفر، وكانت المرتزقة تفرض العقوبات على التجار الذين يجلبون السماد من مناطق الحكومة السورية والأحوال المادية لأهالي الرقة لا تسمح لهم بشراء السماد بهذا السعر؛ لأن الإنتاج لا يغطي جميع مصاريف الموسم بأنواعه كافة وجميع المحاصيل بحاجة للسماد باستثناء البقوليات.
وفي ذلك الوقت لجئ الأهالي إلى زراعة البقوليات؛ لأنها لا تحتاج للأسمدة، وذلك لتوفر مادة الأزوت فيها، وهذه الزراعات تعطي الأرض القليل من الخصوبة، حيث يزرع غالبية الأهالي الأرض في الشتاء بمحصول القطن في الأرض نفسها التي زُرِعت فيها البقوليات لأنها تساعد في إنجاح الموسم قليلاً.
الخطوات الأولى التي حدثت لدعم الزراعة بعد تحرير المدينة
وبعد تحرير الرقة بشكلٍ كامل من المرتزقة التخريبية بتاريخ 20 تشرين الأول عام 2017 على يد مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية؛ بدأت لجنة الري التابعة لمجلس الرقة المدني بإصلاح مضخات المياه، حيث فعلت العديد منها “مضخة بئر الهشم” التي تروي 10 ألاف هكتار، ومضخة “الجروة” ومضخة اليمامة ومضخة الرفع العالي والمضخة الخامسة وجميعها تروي ألاف الدونمات في الرقة وريفها.
وبهذا الخصوص؛ حدثنا عضو اللجنة الزارعة التابعة لمجلس الرقة المدني عيسى الحمادين قائلاً: “بعد تحرير مدينة الرقة بدأت لجنة الزراعة بعملها، والقيام بجولات عديدة على الأراضي الزراعية، ووجدنا أن جميعها كانت قاحلة؛ وذلك بسبب تدمير داعش جميع البنية التحتية التي تدعم الزراعة من مضخات ومنظمات ريها”.
وذكر الحمادين بأن لجنة الزارعة تسعى إلى تحسين الواقع الزراعي لهذا الموسم؛ وتعمل جاهدة على تأمين الأسمدة والبذور بأقل ثمن ممكن؛ حيث يتناسب مع احتياجات الفلاحين.
وبعد إصلاح المضخات في أرياف الرقة؛ بدأ الأهالي بإعادة تأهيل أراضيهم ودعمها بالأسمدة التي حرمت الأراضي منها على مدار الأربع سنوات الماضية، وعادوا إلى زراعة المحاصيل التي كانوا يزرعونها بالسابق باستثناء الشوندر السكري لعدم وجود معمل لتكرير السكر.
تأمين البذور والأسمدة تجهيزاً للمواسم القادمة
وعملت لجنة الزارعة المدنية على تأمين البذور والأسمدة للتجهيز للمواسم القادمة وقامت بتغيير نوعية البذار التي كان الأهالي يعاودون زراعتها نفسها لمدة سبع سنوات، فأصبح إنتاجها متدنِ وذلك لتكرار زراعة البذور نفسها في الأرض وغياب الأسمدة التي تساعد على نمو البذور وتزيد من إنتاجه, وتسعى اللجنة لتأمينها بأسعار متناسبة مع أوضاع الفلاحين.
وبعد استقرار المنطقة؛ بدأ الفلاحون بزراعة المحاصيل بأنواعها كافة وشراء المكون الأساسي الذي يجعل من الزراعة ناجحة ألا وهو السماد الكيماوي، بدون الأسمدة لا يمكن للأراضي أن تعود كما كانت بسبب انقطاعها عنها طيلة السنوات الماضية وغلاء أسعارها، أما الآن فبات سعرها منخفضاً جداً ومتناسباً مع أوضاع الفلاحين وبلغ سعر الطن من السماد في الوقت الحالي حوالي /280/ ألف ليرة سورية؛ بعدما كان يباع في عهد مرتزقة داعش بما يقارب مليون ليرة سورية, وجميع المحاصيل تحتاج إلى الأسمدة باستثناء البقوليات.
وفي الوقت الحالي؛ يستمر أهالي المدينة وريفها في زراعتهم آملين أن يهل عليهم هذا الموسم بالخير ويعوض خسارتهم في السنوات التي مضت. ولكن؛ هناك بعض المخاوف التي تواجه المزارعين وأكثر المخاوف التي بدأت تغزو بيوت الفلاحين وتود أن تحرمهم من رزقهم؛ وهو انخفاض مياه نهر الفرات الذي إذا استمر على هذا الحال، فلن يستطيع الفلاحون ريّ محاصيلهم بالشكل المطلوب، وبالتالي ضعف كميات الإنتاج مع العلم بأن دولة الاحتلال التركي؛ قامت بتخفيض كميات المياه التي تمر إلى الشمال السوري بدافع خلق المشاكل والفتن وانتشار الجوع في المناطق كونها زراعية. ولكن؛ وبالرغم من هذا الحصار المفروض على المياه؛ زرع الاهالي آلاف الهكتارات من جميع المحاصيل الزراعية حيث يعملون بكل نشاط لأجل تحسين واقعهم الزراعي.