روناهي/ الشدادي: رغم الانتشار الكبير للألعاب الإلكترونية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي؛ ورغم ما أفرزته الحرب في مجتمعاتنا، لا تزال الألعاب الشعبية وخصوصاً لعبة “المنقلة” حاضرة بكل طقوسها وتقاليدها، في أغلب بيوت السوريين وخصوصاً في مناطق شرق سوريا.
في ريف الشدادي جنوب الحسكة يتجمهر يومياً عدد من الرجال في أحد المنازل لخوض المنافسة في لعبة المنقلة، حيث تلاقي اللعبة انتشاراً واسعاً لدى مختلف طبقات المجتمع من شباب وشيوخ حيث لا تختلف سخونة اللعبة وحرارة المنافسة بفارق العمر بين اللاعبين.
تاريخ اللعبة
اللاعب السبعيني صالح الخلف “أبو أحمد” يقول: “لا أعرف بالضبط التاريخ الحقيقي للعبة ولكن الأقاويل تدل على قدمها، ربما تصل بداياتها إلى خمسة قرون أو أكثر، لكن بكل الأحوال تلقى اللعبة رواجاً كبيراً بين أبناء المجتمع كافة بمختلف الأعراق والألوان حتى باتت جزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة وحاضرها.
اللعبة الشعبية الأولى
وأضاف أبو أحمد “إن لعبة المنقلة تفوقت على كثير من الألعاب الشعبية الأخرى مثل الداما وطاولة الزهر اللواتي يلاقين شعبية أقل من المنقلة”.
ونوه أنه لا يكاد يخلو بيت من بيوت أرياف الحسكة وديرالزور والرقة من هذه اللعبة، حيث توجد في الدواوين لكبار شيوخ ووجهاء المناطق والعشائر.
طريقة اللعب
تتألف المنقلة من لوحي خشب متقابلين موجود في كل لوح سبع حفر وتضم كل حفرة سبعة أحجار حيث يصل عدد الحفر إلى أربعة عشر حفرة والأحجار إلى 98 حجراً.
وعن طريقة اللعب يقول أبو أحمد: “يجلس اللاعبين بشكل متقابل حيث تفصل فيما بينهم المنقلة، ويقوم كل لاعب بدورة بتوزيع الحصى في كل الحفر بشكل متساوي على عكس أتجاه عقارب الساعة، ويبدأ اللعب وفق قواعد معروفة لثلاث جولات متتالية يسعى كل لاعب لملء الحفر التي أمامه بعددٍ زوجي من الحصى؛ بعد تقديره إلى ما تحتاجه الحفر بعدد زوجي أو فردي من الحصى التي يحملها في يده”.
ويضيف أن الفائز هو من يقوم بجمع أكبر عدد من الحصى ليضيفها إلى ما لديه سابقاً وغالباً ما يكون الانتصار بحجرة واحدة تسمى “القعود”.
المنقلة جذبت جيل الشباب
يقول نوري الشويخ أبو علي الذي يبلغ من العمر 60 عاماً: “أن لعبة المنقلة جذبت الكثير من الشباب الراغبين بتطوير مهاراتهم العقلية والحسابية وتحسين قدرتهم على التركيز، فهي تعتمد بشكل كبير على التركيز والحسابات الذهنية الدقيقة ولا تقل بشيء عن لعبة الشطرنج فهي تشغل الأفكار وتملأ أوقات الفراغ بالربح والخسارة”.
طقوس خاصة
للعبة المنقلة طقوس خاصة لم يمحها الزمن من ذاكرة أبو علي فيقول: “لازالت المنقلة تزين الجلسات والسهرات الصيفية وتنتقل بين البيوت لتزور كل يوم بيت أحد منازل سكان القرية، وخاصة أنه يسهل حملها لخفة وزنها وطريقة تصمميها وسهولة طيها التي تمنع ضياع أحد حصاها”.
ويتابع أبو علي أن تجمعهم للعب المنقلة يرافقه عدد من الطقوس الخاصة مثل قص القصص القديمة، التي تحمل من العبرة ما يكفي ليتعلم منها الأطفال والشباب الذين يحضرون المنافسات بالإضافة إلى التنافس في الشعر العربي بمختلف أشكاله، مثل الشعر النبطي الشعبي والشعر الفصيح وأطلاق الفوازير والألغاز التي تهدف إلى تنشيط الفكر وتحسين قوة التحليل وتفسير الأبيات وجمل الفوازير؛ مما يهيئ لإنشاء جيل مثقف ينعم بقوة التركيز والقدرة على التحليل فالمنقلة لا تعتبر لعبة عادية لإملاء أوقات الفراق والتسلية.
أشهر لاعب عُرِف عند العرب
يقول أبو علي أن أشهر لاعب عُرِف عند العرب وتداولوا أخباره منذُ زمنه حتى هذه اللحظة هو شيخ عشيرة “الحسنة ” عبدالله الفاضل وهو يعتبر حتى الآن رمز من رموز اللعبة ويتم تداول قصته الشهيرة والأشعار التي قالها عبدالله الفاضل في أغلب جلسات اللعبة.