كان لتحرير مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا بمثابة انطلاقة جديدة للمرأة، وبوابة للانخراط في كافة المجالات، وأبرزها المجال الصناعي والاقتصادي والإنتاجي، مساهمة في النهوض باقتصاد المنطقة.
أحدثت المرأة في شمال وشرق سوريا مؤخراً نهضة في المشاريع الاقتصادية والإنتاجية والصناعية من خلال إرادتها وجهودها الحثيثة، واستطاعت تأمين فرص عمل للكثير من النساء منهن المُقيمات والنازحات والمُعيلات لأسرهن.
لم تكتفِ المرأة بالمشاركة ذات النطاق الضيّق، بل سعت وكافحت لتطوير وتوسيع مشاركتها في مختلف الأصعدة، فلم تترك مجالاً إلا وشاركت في تطويره والنهوض به وأثبتت وجودها ودورها فيه، ويعد مشروع معمل الفرات النسوي في مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا لتعبئة مياه الشرب الصحية الذي تأسس منذ عامين أحد المشاريع التي برز فيها دور المرأة.
“وفاء محمود” إحدى العاملات في معمل الفرات لتعبئة مياه الشرب، وهي أم لخمسة بنات وثلاثة أبناء، توفي زوجها منذ سبعة أعوام أثناء تحرير مدينة الرقة من سيطرة مرتزقة داعش، اضطرت للعمل بعد وقوع مسؤولية رعاية الأطفال وتأمين قوتهم اليومي على عاتقها بمفردها.
تبيّن أن العمل في معمل الفرات النسوي لتعبئة مياه الشرب “السبيل الأمثل لتحقيق اكتفائي الذاتي، وتأمين قوت عائلتي، وبالتالي لن احتاج طلب المساعدة من أحد وسأعيش مع أطفالي بكرامة وحرية”.
توفير فرص العمل للنساء
مشيرةً إلى أنه في الآونة الأخيرة نشأت العديد من المعامل في المنطقة التي ساهمت في توفير فرص عمل مختلفة للنساء، “دعم هذه المشاريع وتمكينها ونجاحها سيشجع قيام المزيد من المعامل، وبالتالي ستتوفر فرص عمل أكثر خاصةً للنساء فالعمل سيُمكنهن من إبراز دورهن”.
وعن طبيعة عملها تقول العاملة أسماء محمد “أقوم بالإشراف على المرحلة الأخيرة من عملية تعبئة مياه الشرب حيث أقوم بنقل علب المياه من على السير الآلي بعد أن يتم تعبئتها وإغلاقها فتكون العلب جاهزة لدخولها إلى فرن التغليف ووضعها في طرود خاصة، هنالك طلبات بشكلٍ كبير ومتزايد نتيجة تميز العمل وجودة الإنتاج”.
وزادت “كونه لا يوجد مُعيل يؤمّن دخل الأسرة، يتوجب علينا أنا وأختي أن نقوم بتقديم المساعدة لوالدي المسنين، وتأمين احتياجاتهم ومستلزماتهم الصحيّة والدوائية”.
وكان النصيب الأكبر من انتهاكات مرتزقة داعش إبّان سيطرته على مدينة الرقة للمرأة التي ذاقت الأمرّين “سعى داعش جاهداً لسلب المرأة حقوقها وتهميش دورها وفرض عليها أحكام كبلتها لتكون سجينة المنزل ويقتصر دورها على إنجاب الأطفال فقط، حارماً إيّاها جميع حقوقها وحرياتها، لكن المرأة تحدت كل المفاهيم والعادات والتقاليد البالية وخرجت من تحت سيطرة المرتزقة بانضمامها إلى كافة المجالات والمشاركة في اتخاذ القرار”.
وأشارت إلى أنه لطالما تميّزت المرأة بكدحها واندفاعها ونشاطها “نبذل مجهود أكبر من طاقتنا في سبيل نجاح العمل وتميزه، فعملنا يحتاج إلى دقة عالية وحذر في استخدام الآلات فأي خطأ أو عدم انتباه قد يتسبب بأضرارٍ فادحة”.
المساهمة في تحسين الإنتاج
مضيفةً “العاملة هنا استطاعت المساهمة في تحسين جودة الإنتاج، حتى أن الأعمال التي باتت المرأة تمتهنها تحوّلت إلى هواية إلى جانب كونها مصدر دخل لها ولعائلتها، إنني أحب عملي جداً فهو يمثلني ويمثل جزء كبير من حياتي، والعمل الناجح لا يكتمل إلا بوجود ومشاركة المرأة”.
وحول التحديات التي واجهتها تقول “الظروف الصعبة هي التي تخلق العزيمة والإرادة للاستمرار، لم آبه لآراء الآخرين والمجتمع الذي يعتقد أن حياة ومستقبل المرأة لا يتخطيان جدران المطبخ والمنزل، لكنني استطعت مواجهة ذلك بالإرادة القوية والعزيمة، فالمرأة يجب أن تحارب لتنتصر وألا تستسلم لواقعها وتسعى لتحقيق طموحاتها وتمارس حقها الطبيعي في العمل، لقد زادت ثقتي بنفسي وأصبحت أكثر قوة وانخراط في المجتمع وكان العمل هو السبب الرئيسي في ذلك، فعملي ساهم برفع قدراتي العملية”.
بدورها قالت العاملة خديجة أحمد: “كانت حياة المرأة سابقاً تقتصر على العمل في الأراضي الزراعية فقط أو قيامها بالأعمال المنزلية، أي أن عملها كان محصور في نطاق ضيّق نظراً لعدم وجود محفزات ودوافع لتطوير عملها وتقدمه، أما في الوقت الحاضر فقد استطاعت المرأة تطوير ذاتها ووسعت من نطاق عملها في جوانب ومجالات عدة في الحياة بدءاً من المؤسسات المدنية وصولاً إلى أصغر خلية في العمل وهي المشاريع والمعامل الصناعية الصغيرة كما تقلّدت العديد من مراكز صنع القرار”.
وأوضحت أكثر عن عملها: “مهتمي هنا هي إغلاق العلب بعد تعبئتها بالمياه المفلترة بالأجهزة الخاصة بالتصفية، أقوم بإغلاق العلب بإحكام والتأكد من ذلك تفادياً لتلوثها أثناء تخزينها، ثم أضعها على السير الكهربائي ليتم نقلها إلى المرحلة التالية”.
أما الشابة “روان عبد الله” النازحة من مدينة مسكنة التابعة لريف حلب قالت: “أعمل هنا لأساعد والديّ في توفير احتياجات أسرتي، حيث يعمل كبار السن في العائلة لتأمين مستلزمات المنزل ومتطلبات أخوتي الصغار وتسديد أجار المنزل الذي نسكنه”.
مشيرةً إلى أنه بسبب ما مرّت به سوريا من حرب تحولت إلى أزمة لا تزال مستمرة والنزوح لم تستطع إتمام تعليمها، متمنيةً العودة إلى مدينتها ومدرستها لاستكمال تعليمها.
أما عمل “أسماء عبد” النازحة من مدينة دير الزور منذ ستة أعوام، وهي أم لستة أبناء وابنتان، فيرتكز على التغليف: “مهمتي هي تغليف علب المياه بغلاف يحتوي على اسم المعمل وتاريخ الإنتاج وانتهاء صلاحيته، نواجه صعوبة في الوقوف لساعات طويلة على أقدامنا، وهو ما يؤثر على صحتي كوني تقدمت في العمر، لذا في بعض الأحيان أقوم بمهامي وأنا جالسة”.
منوهةً إلى “أن المعمل تمكّن من استقطاب عدد كبير من النساء معظمهن من المعيلات”.