لا يزال عدد كبير من سكان البادية السورية يعتمدون على الحياة البدوية والترحال وتربية الماشية كمصدر لتأمين الدخل، ليبقوا على صلة وطيدة مع التاريخ والحياة مع الطبيعة، لكن التحضر يهدد هذا الشكل من الحياة.
بسيطة هي حياة البدو، فعلى الرغم من التغير الذي طرأ على نمط الحياة البشرية، إلا أن البدو ما يزالون كما هم، مندمجون مع الطبيعة ويعتمدون عليها في حياتهم.
لا يتوقف البدو عن التنقل من منطقة إلى أخرى، بحثاً عن مراعي لماشيتهم التي يعتمدون عليها في تأمين دخلهم.
يُطلق اسم البدو على الأسر التي تنتقل من منطقة إلى أخرى بحثاً عن المرعى للماشية أو الجمال التي يربونها وتعدّ مصدر دخلهم.
تعدّ البادية السورية، وخاصة مدينة تدمر وريفها، موطن البدو الذين ينتشرون في المناطق السورية الأخرى أيضاً بحثاً عن المرعى.
نمط حياة بسيط
ولدى البدو نمط حياة بسيط، يستمدون اسمهم وطباعهم من وضوح البادية وقسوة ظروفها، فلا زوايا خفية في حياتهم، ولا عوائق تحدّ بينهم وبين الطبيعة، يعيشون أحراراً من أغلال التحضر المعقدة وضجيج التطور التقني, يسكنون في المناطق التي توفر لأغنامهم المرعى، ويعتمدون على الماشية ويرتحلون من منطقة لأخرى.
يقول علي الحسين الضاهر (75 عاماً)، متزوج ولديه أربعة شبان وخمس شابات، لوكالة “أنباء هاوار” بأنهم كانوا يملكون فيما مضى 400 رأس من الغنم، و10 جمال، بينما الآن لا يملكون سوى 50 رأساً من الغنم.
تعود أصول علي إلى بادية محافظة حماه السورية، وهو من عشيرة “بني الحديدي” إحدى العشائر المعروفة في البادية.
يمكث مع أفراد أسرته، حالياً، في قرية رسم المسطاحة (33 كيلو متر) جنوب شرق مدينة منبج، حيث الأراضي الزراعية التي ترعى فيها الماشية.
مهنتهم الوحيدة تربية الأغنام
تربية الأغنام هي المهنة الوحيدة التي يجيدونها ولا يستطيعون تركها مهما جار عليهم الزمان، حتى لو بقيت لديهم نعاج قليلة.
يقول علي الحسين بأنه رعى الأغنام والجمال مع والديه منذ أن كان صغيراً، ومنذ ذلك الحين ينتقلون من منطقة إلى أخرى بحثاً عن المرعى.
أما النساء، فيحلبن الأغنام، ويقمنَ بإعداد المونة الشتوية إلى جانب خياطة البيوت “الخيم” يدوياً.
يعتمد البدو في مصدر رزقهم على منتجات الأغنام من حليب وجبن ولبن والزبدة المعروفة بـ “السمن العربي”، كما أن بيع صغار الأغنام والجمال يعتبر مصدراً رئيسياً للدخل أيضاً لديهم.
نسبة من البدو يعتمدون في الوقت الحاضر على بيع الحليب فقط، والاكتفاء بجزء قليل منه لسد حاجة الأسرة، بالإضافة إلى إعداد المونة الشتوية منه, كما يستفيدون من صوف الأغنام الذي يباع بعد أن يتم جزه في الربيع.
قبل اندلاع الأزمة السورية، كانت البادية السورية مسرحاً للبدو، وكان رعاة الماشية يقطعون المسافات الطويلة دون خوف، لكن انتشار المجاميع المسلحة والاقتتال، جعل حركة البدو محدودة وخطرة.
وكانت مناطق “القلمون، ريف حمص الشرقي، شرقي معرة النعمان وريف حماة الشرقي وريف الرقة”، من أبرز المناطق التي كان البدو يقصدونها وينتشرون فيها، لكن وصول المعارك إليها أبعدهم عنها لفترات طويلة.
ويؤكد الضاهر أن الأزمة الدائرة في البلاد منذ عشرة أعوام أثرت تأثيراً بالغاً في حياة البدو.
ويضيف: “كنا سابقاً نرتحل ونتنقل على الدوام بين منطقة وأخرى، أما الآن فنحن مجبرون على الثبات في مناطق محددة، وذلك لعدم وجود الأمان في البادية ولخشيتنا من المجموعات التي تقوم بالسرقة”.
فقدانهم القدرة على الترحال
ولعل أبرز الخسائر التي تلقّاها بدو سوريا، هي فقدانهم القدرة على الترحال، ما أثّر في مصدر رزقهم الأساسي، كونه كان يوفر لهم استمرار توفر المراعي، إضافةً إلى اضطرار الكثير منهم إلى النزوح داخل سوريا أو اللجوء إلى دول الجوار وتحديداً إلى الأردن، حيث تتوفّر هناك بوادٍ تتلاءم مع ظروف معيشتهم.
ومنذ أن التجأ الضاهر إلى منبج مع بدء الأزمة السورية قادماً من ريف محافظة حماة، لم يخرج منها إلى مكان آخر، وكان يتنقل بين قراها بحثاً عن المرعى لماشيته التي قل عددها بسبب تدهور أوضاعه المعيشية.
كما أن الأزمة السورية قد أجبرت عدداً كبيراً من البدو الذين كانوا يعتمدون على تربية الماشية والترحال في تأمين دخلهم، على التخلي عن هذه الحياة والبحث عن سبل أخرى للعيش.
يؤثر التحضر في حياة البدو الذين ترك عدد كبير منهم حياة الترحال، وانتقل إلى العمل والاستقرار في مهن أخرى، وعن هذا، يقول علي الحسين الضاهر بأن “الحياة تطورت وباتت حياة البدو تتلاشى شيئا فشياً، وتتحول إلى التحضر، وذلك لتوفر فرص عمل أخرى أكثر نفعاً من حياة البدو، لأن حياة البدو شاقة ورحلاتهم طويلة عند البحث عن المرعى، ومع توفر وسائل أكثر راحة لتأمين الدخل، باتت حياة البدو تتلاشى”.