روناهي / قامشلو ـ الوصول للنجاح وتحقيق حلم معين في الحياة ليس بالأمر السهل، وكيف لو كان الحلم تسلق أعلى القمم في العالم، رياضة تسلق الجبال والقمم هي هواية الكثيرين، ولكن كمرأة تجهد لتحقيق حلمها والوصول إليه أمر يستحق الحديث عنه، في مجتمعات علينا الاعتراف بحقيقة بأنه هناك “كسر” للآخر أكثر من تشجيعه للتوجه للنجاح وتحقيق حلمه.
امرأة لبنانية هي الأولى من النساء العربيات اللواتي نجحن في الوصول لتسلق سبعة وعشرين قمة، وقد تكون لحظات الوصول لقمة إيفرست هي الأجمل في حياتها.
متسلقة الجبال اللبنانية جويس عزام، التي نجحت في تسلق 27 قمة ومنها الوصول إلى قمة أفرست، الأعلى في العالم، لتصبح أول امرأة لبنانية تتسلق أعلى سبع قمم في العالم.
عند الوصول للنجاح بمجرد متابعة برنامج بربع ساعة أو مقطع فيديو يعتبر نجاح المرء إنجازاً ولكن قد لا تعرف هل كان الوصول لهذا الإنجاز كان سهلاً؟! وهل كل شخص قادر لتخطي الخطوط الحمر في المجتمعات التي تسمى بالشرقية منها.
من هي جويس عزام؟
جويس عزام هي من مواليد 1984 من منطقة الدكوانة بضواحي بيروت في لبنان، ترعرعت في ظل عائلة متواضعة الأحوال مادياً، وجوبه حلمها وطموحها بالرفض، وخاصةً من والداتها التي كانت ترى بأنها متوجهة للخطر، وبدأت بمشروعها بتسلق القمم في العالم عام 2012، في ظل افتقار العالم العربي لنساء يحاولن خوض هذه التجربة والمشروع.
ولدت في زمن الحرب الأهلية بلبنان والتي استمرت من عام 1975 إلى عام 1990، وقضت ست سنوات من طفولتها متنقلة من منزل إلى آخر والمكوث في الملاجئ بسبب هذه الحرب، العيش على ضوء الشموع وتحت وطئة القصف وصوت القذائف، وهذ الأمور ليست سهلة بأن تعاش طفولة على هذه الشاكلة، كما طفولة الكثيرين لدينا الآن الذين عايشوا القصف من قبل الاحتلال التركي لمعظم المدن في روج آفا.
رغم أنها كبرت ولكنها مازالت تخاف من سماع أي صوت قوي، طفولة محمولة بالألم والحرب ليس من السهل تخطي هذه المرحلة بسهولة، ولكن الأجمل هو الانتقال من العيش في ملاجئ تحت الأرض والوصول فيما بعد إلى أعلى القمم في العالم، شيء فريد يحصل في حياة هذه الإنسانة.
الطفولة تؤثر على الإنسان بشكلٍ أكيد، رؤية الموت أمام عينيك وأنت صغير ليس بالأمر الهين، جويس عاشت كل ذلك عبر طفولة غير عادية كانت محملة بالمآسي والحزن في وطن أنهكته الحروب وقتها.
ينظر إلى لبنان بأنه بلد الديمقراطيات، ولكن بالنسبة إلى العوائق التي واجهتها، تشير جويس عزّام في تصريحات صحفية: إلى أنّها انقسمت بين ما يتعلق بالتدريب الجسدي من حيث أنواع التمارين الرياضية وساعات التمرين، ومن ثمّ الاستعداد الذهني لما ينتظر الفرد خلال طريقه في تسلق الجبال “إنه أمر ليس بالسهل”، وصولاً إلى صعوبة رفض المجتمع لتقبل فكرة ممارسة امرأة هذا النوع من الرياضة، هذه الأمور ولدت بداخلها حب الحياة ومقاومة الظروف الصعبة مهما كان حجمها.
الرياضة ومنحها الثقة بالنفس والقوة
الرياضة لعبت دوراً كبيراً في حياة جويس ومنحتها الثقة الكبيرة بنفسها والقوة فبدأت بممارستها من عمر الثامنة إلى عمر الثامنة عشر عبر مختلف الألعاب الرياضية منها الركض وكرة السلة، ولكن كيف انتقلت لحب رياضة تسلق الجبال؟
البداية كانت بحب جبال وطنها لبنان ومن هنا بدأت الحكاية في عام2006 عندما وجدت الفراغ أثناء دراستها وعدم الاهتمام في الجامعة بالرياضة، توجهت مع مجموعة من أصدقائها إلى ممارسة رياضة المشي عبر الطبيعة ووجدت صعوبة كبيرة وقتها وقد مشت حوالي من خمسة إلى عشرة كيلو مترات، ويأتي ذلك بسبب افتقارها للتوازن المفصلي، وساعدها شقيقها وقتها، ولكن كانت تمتلك في داخلها التغلب على أي صعوبة تلاقيها والوصول للهدف.
ومارست المشي حوالي السنة ومن ثم انتقلت لتسلق أعلى قمة في لبنان وهي “القرنة السوداء” ويبلغ علوها 3088 متراً، والتجربة كانت في فصل الشتاء في ظل تواجد الثلوج وهذا الأمر يصعب المهمة أكثر، ولكنها نجحت في الوصول لهذه القمة في أيار من عام 2006، وحققت هدفها الأول وقتها رياضياً، ولكنها لم تتوقف في التفكير بتوسيع هذا الحلم لتصل إلى القمم السبع في العالم.
درست في الجامعة اللبنانية الهندسة المعمارية وكان حلمها الدراسة في أوروبا وخاصة الهدف كان إيطاليا وحصلت على منحة دراسية لدارسة الماستر في التسويق، إدارة المشاريع العامة البلدية والوزارية عام 2008 بأوروبا، وكانت في روما بإيطاليا ودرست ماستر ثاني في كيفية الحفاظ على المدن، فهي عايشت ظروف حرب قاسية ومدن مدمرة. وحتى في النهاية وصلت لدرجة الدكتورة.
أثناء تواجدها في إيطاليا كانت جبال الألب وقمة مون بلا 4810 أمتار في حساباتها، جويس فكرت بالوصول لهذه القمة وقررت الانضمام لفريق تسلق بروما، وتعلمت تقنيات جديدة في التسلق منها كيفية استعمال الفأس، وتعرفت على عالم جديد في مجال ورياضة التسلق، وبدأت بالحلم الكبير ولتكون فيما بعد أول امرأة لبنانية وصلت لأعلى سبع قمم في العالم.
تسلق الجبال أمر يتطلب مجهوداً كبيراً وسط حالة تصيبك بالإحباط ببعض الأحيان مثل نوعية السفر والتكاليف والمشاركة مع أي شركة تتطلب مصاريف كبيرة، ولكن جويس كانت تقاوم للحصول على التمويل لتحقيق هدفها. بالإضافة للأجواء غير المساعدة من عواصف وثلوج ولدرجة حرارة وصلت إلى ستين تحت الصفر.
ووسط كل إحباط كان هناك دعم معنوي ودائماً كان يأتيها من شقيقها جورج، وسط معارضة الوالدة وطلبها بالتوقف عن إكمال هذا المشروع بشكلٍ دائم بسبب خوفها عليها، وفي عام 2014 اقتربت من ترك حلمها وكادت الوالدة تنجح في إقناعها بهذا الخصوص بأنها ستبقى بدون زواج وستنهار دراستها، وفي تلك الأوقات أحست بأنها بدون روح ولكنها توقفت حتى حصلت على شهادة الدكتوراه، لتبدأ من جديد في عام 2016 بعدما شاهدت عبر شبكات التواصل الاجتماعي بقرب نجاح امرأة سعودية وهي “رها محرق” بالوصول لأعلى سبعة قمم في العالم لتشتعل روح المنافسة لديها، وكانت دائماً تقول لماذا لا تكون هي أول امرأة لبنانية تصل لأعلى سبعة قمم بحيث أول مرأة عربية وصلت للقمم السبع هي فلسطينية واسمها “سوزان الهوبي”.
“لا تخوني حلمك وكوني وفية له”.
في عام 2016 بعد الانتهاء من كل ما يتعلق بالدارسة بدأت لتجهيز مشروعها وسط عوائق أكبرها العائق المادي، ناهيك عن قول المجتمع أنت مرأة ودكتورة ما شأنك في تسلق الجبال، ولكنها كانت تمتلك الشجاعة وتنظر لنفسها بأنها إنسانة ولا حدود لها ولا يجب أن تحد من نفسها ضمن هذا المجتمع.
قررت جويس السعي وراء أحلامها من دون النظر إلى الخلف، وبذلك نجحت مرة جديدة في تغيير وجهة نظر جزء من المجتمع إليها. نتحدث عن نظرة نمطية تربط هذا النوع من الرياضات بالرجال فقط.
المجتمع والأهل حاربوا حلمها وكانوا يقولون لها بأنه تضيع للوقت، ولكنها كافحت لأن الحلم يخصها وأحد أهدافها كان رفع اسم وعلم وطنها عالياً، جميل جداً أن يضع المرء أحد أهدافه خدمة الوطن ورفع اسمه.
جويس لم تستسلم وخلال مسيرتها تسلقت 27 جبلاً في جميع أنحاء العالم لحين أن وصلت إلى قمة جبل إيفرست في عام 2019 وبهذا اجتازت جويس عزام بنجاح تحدي القمم السبع – أي تسلق أعلى جبال في جميع قارات العالم، وأصبحت أول امرأة لبنانية تحقق هذا الإنجاز – ولدى وصولها إلى قمة جبل إيفرست التي تقع على ارتفاع 8848 م، رفعت جويس بكل فخر علم بلدها على “سطح العالم”.
ويضم تحدي القمم السبع أعلى الأماكن في القارات السبع، وهي: أفريست أعلى جبال الهملايا وارتفاعها 8848 متراً فوق سطح البحر، وأكونكاغوا أعلى جبال الأنديز وارتفاعها 6962 متراً، ودينالي أعلى جبال ألاسكا وارتفاعها 6194 متراً، وألبروز أعلى جبال القفقاس وارتفاعها 5642 متراً، وقمة كيبو أعلى جبال كليمانغاروا وارتفاعها 5895 متراً، وفيسنون ماسيف أعلى جبال إلزورث وارتفاعها 4892 متراً، وبونكاك جايا أعلى جبال ماوكي وارتفاعها 4884 متراً.
يلعب دعم الحكومات والإدارات والشعوب دوراً بارزاً في تنمية طموحات الفرد، فعندما وصلت جويس لقمة أفرست كانت الاتصالات تصلها من الرئيس وصولاً للشعب وعبر شبكات تواصل الاجتماعي أيضاً، وباستمرارها وسعيها وراء حلمها استطاعت جلب الأنظار لها وأجبر الجميع لاحترامها واحترام رغبتها في تحقيق أحلامها.
الدافع المعنوي هام جداً للطامح للأفضل فهو يمنحه الثقة أكثر، وهدفها الحالي يتركز على بلوغ القطبين الشمالي والجنوبي في العالم ووضعت أمام نفسها عاماً كاملاً لتنجز هذا الحلم، وستكون أول امرأة عربية تصل لهذا الإنجاز، والثالثة عالمياً. بعد إنكليزية ونرويجية بلغتا القطبين الشمالي والجنوبي سابقاً. وصرحت لقناة فضائية عالمية بأن رسالتها دائماً موجهة للمرأة “لا تخوني حلمك وكوني وفية له”.
بالفعل مقاومة عقول وذهنية مجتمع ذكوري، متشبث بعادات وتقاليد بالية وخصوصاً في المجال الرياضي، ليس بالأمر السهل بحيث ينظر للمرأة بأنها غير قادرة أو “معيب” ممارستها للكثير من الأنواع للرياضات، ولكن جويس عزام مثال بسيط لمرأة مقاومة قد ينظر لها من قبل الكثيرين بأنها لم تعاني وعاشت ظروفاً جيدة ومساعدة، ولكن لا أتوقع وصلوها للقمم السبع كان بالأمر السهل، فهي قاومت واستبسلت حتى وصلت لأحلامها.