يوسف كانلي
ترجمة باقي حمزة
كان إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بمثابة تطور تمت متابعته بعناية في تركيا. كما أدى خطاب ترامب غير المعتاد ونهجه العملي في السياسة الخارجية خلال فترة ولايته الأولى كرئيس إلى صعود وهبوط في العلاقات التركية الأمريكية. كان الرئيس أردوغان من أوائل القادة الذين هنأوا ترامب، ومن المثير للفضول كيف ستتشكل العلاقة مع تركيا في فترة ولاية ترامب الثانية وكيف سيتم معالجة القضايا ذات الأولوية والإشكاليات بين البلدين.
لقد كانت سوريا قضية معقدة في العلاقات التركية الأمريكية لسنوات، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، أدت تصريحات الانسحاب الأمريكي من سوريا إلى زيادة التوقعات في تركيا ومع ذلك، لم يتحقق هذا الانسحاب بالكامل وواصلت الولايات المتحدة دعم قوات سوريا الديمقراطية، وترى تركيا أن وجود قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا يُمثل تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي وتعتبر الدعم بالأسلحة الأمريكية لهذه المجموعة بمثابة مساعدة للإرهاب.
أهم توقعات تركيا في ولاية ترامب الثانية هي نهاية الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية وإنهاء الوجود الأمريكي في سوريا، إلا أن رغبة الولايات المتحدة في الحفاظ على نفوذها على الموارد النفطية في المنطقة تجعل من الصعب صدق هذا التوقع، ومن المرجح أن تتخذ واشنطن، التي لا تريد أن تفقد السيطرة على حقول النفط في شمال سوريا، خطوات للحفاظ على وجود دائم هناك بما يتماشى مع نهج ترامب “أمريكا أولاً”. وقد يؤدي هذا الوضع إلى زيادة تعميق التوتر بين البلدين من خلال زيادة المخاوف التركية.
خلق نظام الدفاع الجوي S-400 الذي اشترته تركيا من روسيا أزمة عميقة في العلاقات مع الولايات المتحدة. خلال فترة ولاية ترامب الأولى، تم تطبيق عقوبات CAATSA ضد تركيا تحت ضغط الكونجرس الأمريكي وتم استبعاد تركيا من برنامج F-35. فبينما تقول تركيا إن لها الحق في تلبية احتياجاتها الدفاعية باعتبارها عضوًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تعارض الولايات المتحدة هذا الوضع على أساس أنه يضر بالنظام الأمني للناتو.
فكيف سيتم حل هذه الأزمة خلال ولاية ترامب الثانية؟ الجواب على هذا السؤال لا يزال غير واضح. تحاول تركيا تطوير سياستها الدفاعية بشكل مستقل وزيادة استثماراتها في صناعة الدفاع المحلية. على سبيل المثال، تتخذ خطوات لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة من خلال التركيز على مشاريع مثل إنتاج طائراتها الحربية الخاصة، وسواءً كان ترامب سيرفع العقوبات لحل هذه الأزمة أو يقنع الكونجرس بهذه القضية فسيكون حاسماً بالنسبة لمستقبل التعاون العسكري بين البلدين.
ظل طلب تركيا تسليم فتح الله غولن من الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة توقع لم يتحقق خلال فترة ولاية ترامب الأولى. وبينما حمّلت تركيا غولن مسؤولية محاولة الانقلاب في 15 تموز، لم تستجب الولايات المتحدة بشكلٍ إيجابي لهذا الطلب، وكان هذا الوضع أحد العوامل التي هزت الثقة بين الولايات المتحدة وتركيا، وكان اعتقال القس أندرو برونسون مصدرًا رئيسيًا آخر للتوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة. أحدثت تصريحات ترامب القاسية بشأن قضية برانسون والتهديدات بفرض عقوبات على تركيا صدمة خطيرة في العلاقات الدبلوماسية.
وتظل هناك علامة استفهام حول ما إذا كان ترامب سيأخذ مطالب تركيا بشأن منظمة فتح الله غولن بعين الاعتبار وقد تسعى تركيا إلى اتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية إذا لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات بشأن هذه القضية، إذا لم يتم حل قضية فيتو، فإن النهج المزدوج /كما تراه تركيا/ الذي تتبعه الولايات المتحدة تجاه المنظمات الإرهابية قد يزيد من عدم ثقة الرأي العام التركي تجاه الولايات المتحدة وقد يستمر انقطاع العلاقات. وبالنسبة لشرق البحر الأبيض المتوسط أصبحت منطقة مهمة في سياسات الطاقة التركية في السنوات الأخيرة. إن العلاقات الوثيقة التي طورتها الولايات المتحدة مع اليونان وجنوب قبرص تهدد مصالح تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبينما تطالب تركيا بحقوقها في موارد الطاقة هنا، فإن الدعم الأمريكي لليونان والإدارة القبرصية اليونانية يُعمّق تضارب المصالح مع تركيا.
إن دعم ترامب المستمر لليونان وجنوب قبرص في ولايته الثانية قد يدفع تركيا إلى اتباع استراتيجية أكثر استقلالية في المنطقة. على سبيل المثال، قد تسعى تركيا إلى تعزيز استراتيجيتها الخاصة مع حلفاء جُدد بدلاً من تقليل التوترات مع الولايات المتحدة.
وكان دعم ترامب لإسرائيل غير التوازن في الشرق الأوسط وأظهر موقفاً مُتحيزاً تجاه القضية الفلسطينية باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. في المقابل، تنتهج تركيا سياسة الدفاع عن حقوق فلسطين وتدعم حل الدولتين. قد تؤدي سياسات ترامب المؤيدة لإسرائيل إلى توترات جديدة في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة.
وقد يتسبب استمرار دعم ترامب لإسرائيل في ولايته الثانية في مزيد من التضارب بين مصالح تركيا والولايات المتحدة بشأن بعض القضايا في الشرق الأوسط. حقيقة أن تركيا والولايات المتحدة لديهما وجهات نظر مختلفة، خاصةً فيما يتعلق بقضايا مثل إيران وفلسطين، قد تجعل العلاقات بين هذين البلدين أكثر تعقيدًا. سيكون على تركيا أن تدافع عن مصالحها الخاصة ضد سياسات التوسّع الإسرائيلية في المنطقة، وفي هذه العملية، فإن الموقف المؤيد لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة قد يخلق مجالات جديدة للصراع بين البلدين.
كان لخطاب ترامب المثير للانقسام في السياسة الداخلية آثار سلبية، خاصةً على المهاجرين المسلمين والأقليات العرقية. إن القيود المفروضة على التأشيرات على الدول الإسلامية والخطاب الذي يغذي كراهية الإسلام تتم مراقبته بقلق في دول مثل تركيا، التي تضم سكاناً مسلمين. وبينما تشعر تركيا بالانزعاج من هذه السياسة التمييزية التي تواجهها الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن استمرار ترامب في هذه السياسة خلال رئاسته الثانية قد يخلق توتراً اجتماعياً في العلاقات التركية الأمريكية.
وتتوقع تركيا خطوات بنّاءة خلال فترة ولاية ترامب الثانية بشأن قضايا مثل الانسحاب من سوريا وإنهاء الدعم لوحدات حماية الشعب ورفع العقوبات. ومع ذلك، فإن نهج ترامب الموجه نحو المصلحة الوطنية “أمريكا أولاً” قد يكون محدوداً في تلبية هذه التوقعات، وعلى الرغم من أن تركيا تأمل في أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات وتغيّر سياستها تجاه سوريا، إلا أن نهج ترامب العملي قد يواجه صعوبة في تلبية هذه التوقعات.
ومن المهم أن تحافظ تركيا على توازن المصالح في علاقاتها مع الولايات المتحدة حتى تسير هذه العلاقات على أُسس صحية، وقد يؤدي فشل ترامب في اتخاذ خطوات نحو تحقيق توقعات تركيا الأمنية والاقتصادية إلى ظهور توترات جديدة في العلاقات بين البلدين. وبينما تطالب تركيا بشكلٍ خاص برفع العقوبات وتخفيف العقبات في مجال صناعة الدفاع، فإن افتقار ترامب للمرونة بشأن هذه القضية قد يدفع تركيا إلى اتخاذ خطوات أكثر استقلالية في مجالي الدفاع والسياسة الخارجية. وهذا يعني أن تركيا ستلجأ إلى شراكات استراتيجية مختلفة لحماية أمنها ومصالحها.
إن إعادة انتخاب ترامب تخلق فرصاً ومخاطر في العلاقات التركية الأميركية، وعلى الرغم من أن تركيا تتوقع إقامة علاقة بنّاءة أكثر مع الولايات المتحدة بشأن قضايا مثل سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط والتعاون الدفاعي والأمن الإقليمي، فإن نهج ترامب العملي، الذي يعطي الأولوية للمصالح الوطنية، قد يكون محدودًا في تلبية هذه التوقعات، وقد يتطلب هذا الوضع من تركيا إعادة تقييم أهداف سياستها الخارجية ووضع علاقاتها مع الولايات المتحدة على أساس جديد.
وذلك اعتماداً على تحديد السياسة التي سيتبعها ترامب في ولايته الثانية، وهل هناك قدرة من الدولتين على إيجاد الثقة المتبادلة وإيجاد التوازن في الشراكة الاستراتيجية والدبلوماسية.
إن إيجاد أرضية مشتركة في العلاقات الثنائية له أهمية كبيرة لضمان الأمن والاستقرار الإقليميين، وبقدر ما تتمكن تركيا والولايات المتحدة من تطوير علاقة صحية ومستدامة من خلال مراعاة مصالحهما المشتركة، فإن فرص كِلا البلدين في حماية مصالحهما الوطنية ستزداد.