تعد الصناعة العراقية من أفضل الصناعات في منطقة الشرق الأوسط لكنها ميتة سريريًا بسبب الاستيراد المفتوح من تركيا وإيران، الذي ساهم بموت المصانع الحكومية والخاصة والمختلطة منذ عام 2003 ولغاية الوقت الحالي.
وتعدُّ الصناعة في العراق من الصناعات التقليدية، والتي كانت وما زالت ترتبط بصناعة البترول؛ حيث إنّ تكرير البترول وصناعة الأسمدة والصناعات الكيماويّة، هي الصناعات الرئيسية في البلاد. وأن الصناعات في العراق تنقسم إلى قسمين رئيسيين: هما صناعات استخراجية، ويُقصد بها أي صناعات تعتمد على استخراج البترول والغاز الطبيعي، بالإضافة للمعادن مثل: معدن الكبريت الموجود في منطقتي الكيارة والمشراق، وكذلك الفوسفات المستخرج من غرب الأنبار من منطقة عكاشات.
وصناعات تحويلية، ويمكن تقسيمها إلى غذائية، ومنها صناعة الألبان حيث يوجد مصنع لإنتاج مختلف أنواع الألبان، ومشتقاتها في منطقة أبي غريب في الجهة الغربية من بغداد، وكذلك توجد مَصانع أخرى في مناطق عدة مثل نينوى، ومعمل في البصرة وبابل، ولكنّ المشكلة أنّ إنتاج هذه المصانع لا يكفي سوى 15% من حاجات الدولة، ومن الصّناعات الغذائية أيضاً صناعة الزيوت الغذائية حيث تقوم الشركة العامة للصناعات الزيتية بهذه الصناعة، وتوجد لها أربعة معامل ثلاثة منها في بغداد، ومعمل في منطقة العمارة؛ حيث تنتج هذه المعامل زيوت الطعام بمختلف أنواعها، والتي تصنع من حبوب عباد الشمس، ولكن مستوى الإنتاج فيها متدن، وضعيف بالمقارنة مع الزيوت المستوردة من تركيا وايران، ومن الصناعات الغذائية أيضاً صناعة السكر حيث يتميّز السكر المصنوع في العراق، بأنّه من أجود وأنقى أنواع السكر، ويوجد مَصنعه في منطقة الموصل، بالإضافة لصناعة المُعلّبات، وصناعة المشروبات ومصانع تصفية الماء.
أما الصناعات الجلدية والنسيجية، ومن هذه الصناعات صناعة النسيج القطني والغزل، والنسيج الصوفي، والنسيج الحريري، وصناعة الجلود والسجاد والبساط والألبسة الجاهزة وغيرها. صناعات مواد البناء: ومنها صناعة الإسمنت، والذي يُعدُّ أقوى وأقدم الصناعات الموجودة في العراق، والتي بدأت في بداية الخمسينات، وتوجد العديد من المصانع الإسمنتية، التي تنتشر في محافظة الأنبار، ومحافظة نينوى والسليمانية، وبادوش، ومحافظة كربلاء ومحافظة المثنى والبصرة، وكذلك صناعة الطابوق ومواد البناء الأخرى.
وهناك أيضاً صناعات كيماوية ومنها البتروكيماويات كصناعة الغاز المسال، وصناعة التكرير، وكذلك صناعة الأسمدة الكيماوية، وهي من الصناعات متوسطة الأهمية؛ حيث يوجد معملان فقط في العراق لهذه الصناعات، ويوجد أيضاً تصنيع مواد التنظيف، وصناعة الزجاج، وصناعة الورق وصناعة الأدوية، والبطاريات.
بحسب أرقام رسمية من وزارة الصناعة والمعادن العراقية أطلعت عليها “روج نيوز” عن عدد المصانع في العراق العاملة منها والعاطلة، إذ يبلغ العدد الكلي للمصانع التابعة لشركات القطاع العام في العراق نحو 227، في حين يبلغ العدد العامل منها 144 فقط، ووفقا لتلك البيانات فإن نحو 18 ألفا و167 مشروعا صناعيا متوقفة عن العمل لأسباب مختلفة.
في حين، وضعت الوزارة خطة لتأهيل وتشغيل المصانع الـ 83 المتوقفة، منها 17 بخطة قصيرة الأمد تستغرق عاما واحدا، و24 بخطة متوسطة الأمد (ثلاث سنوات)، و42 معملا بخطة طويلة الأمد (خمس سنوات).
من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي مقدام الشيباني أن “معظم مصانع وزارة الصناعة والمعادن خاسرة، ولا توجد جدوى اقتصادية من استمرارها بهذه الحالة”.
وقال الشيباني في تصريح لوكالة “روج نيوز”: إن “الحل لإنقاذ القطاع الصناعي هو التوجه بعرض المصانع الحكومية للاستثمار أو المشاركة بين القطاعين العام والخاص من خلال قانون الشراكة بينهما المطروح أمام البرلمان حاليا”.
في هذه الأثناء، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي حيدر الربيعي أن “إهمال قطاعات الإنتاج واعتماد البلد على واردات بيع النفط العراقي والاتجاه نحو تعزيز الموازنات التشغيلية، قيدت الاقتصاد العراقي وجعلته اقتصاداً يعتمد بشكل كامل على النفط بعدما كان القطاع الصناعي يشكل نسبة مهمة من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام 2003”.
وأضاف الربيعي: أن “أغلب الشركات الصناعية المملوكة للدولة شركات خاسرة، وتعتمد على موازنة الدولة في توفير التمويل ورواتب العاملين، بسبب استمرار بعضها على الطرق القديمة في الإنتاج، التي تعدُّ مكلفة مقارنةً بالوسائل الحديثة التي تعتمد التكنولوجيا الصناعية فيها”.
وكشف الربيعي عن “وجود أعداد كبيرة من العاملين تفوق حاجة الشركات الصناعية بنسب عالية جداً والتي تمثل أحد أوجه البطالة المقنعة في العراق، وشرح أن 80 في المائة من المخصصات السنوية للموازنة التشغيلية تُنفق على الرواتب ومستحقات العاملين، فيما كان من المفترض أن تتجه هذه المبالغ للاستثمار في إعادة تأهيل المصانع وتحديثها.
وبالعودة للشيباني فيتحدث عن أسباب قتل الصناعة العراقية حيث يعزوها إلى الاستيراد المفتوح من قبل تركيا وإيران نحو العراق إذ تغزو هاتان الدولتان السوق المحلية من جميع البضائع والمنتوجات أدت لقتل المصانع العراقية”.
وحسب الشيباني “فقد بلغ حجم ما استورده العراق من تركيا العام الماضي 2022 نحو 10.5 مليارات دولار، ومن إيران نحو 9.7 مليار دولار، حيث يؤكد الباحث أنها تلك المليارات هي من قتلت الصناعة في العراق”.
ويضيف الشيباني أيضا: أن “القطاع الصناعي العراقي تم تعطيله بطريقتين الأولى بعدم السماح بإنشاء معامل ومصانع للإنتاج المحلي، والثانية، هي استيراد السلع والبضائع من تركيا وإيران لبقاء العراق مستهلكا غير منتج”.
واختتم حديثه قائلاً: “لا وسيلة للنهوض بالاقتصاد العراقي إلا من خلال تفعيل القطاع الصناعي الذي يسهم في تشغيل أكبر عدد من العمالة، ورفد السوق المحلية بمختلف المنتجات”.