“كوباني”، الاسم الذي يلوح في الآفاق العالمية والإقليمية بمقاومتها ونضالها التاريخي، فقد حققت كوباني رمزية مرموقة في العالم، فمهدت لانطلاقة ثورة 19 تموز عام 2012، والتي أخذت على عاتقها تحرير الإنسانية والمجتمعِ، وتبلور بعدها مسار الحل الديمقراطيّ للأزمة السورية، فتم إعلان الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة، وأصبحت مثالاً لحل الأزمة السورية، والقضايا العالقة في الشرق الأوسط كافة.
كان عام 2012، عاماً هاماً للشعب الكردي وشعوب شمال وشرق سوريا، فقد كان عام إثبات وجود ونصر الشعب الكردي، وكان أكثر الأعوام، التي شارك فيها الشعب الكردي بفئاته وأطيافه في المقاومة والنضال الثوري من خلال ثورة التاسع عشر من تموز في شمال وشرق سوريا.
وانطلقت ثورة روج آفا من تحرير كوباني إلى تحرير مناطق شمال وشرق سوريا كافة، وأيضاً من خلالها استطاعت المرأة السير نحو تحرير فكرها من الذهنية السلطوية التي أحاطت بها خلال الآلاف من الأعوام التي مضت، وأثبتت أنَّ المرأة الحرة باستطاعتها قيادة المجتمعات والثورات.
ثورة 19 تموز .. ميراث نضال زمن طويل
فمنذ مئات الأعوام والشعب الكردي يناضل من أجل الحفاظ على جذوره وثقافته ولغته، وجاهد للتخلص من الذهنية الدكتاتورية البعثية، والمئات من شباب الكرد اعتُقلوا، وكان الشعب الكردي يعاني الكثير من الخناق ومن السلطة الدكتاتورية، التي همها الوحيد إنهاء الكرد من الوجود، فلم يكن الشعب الكردي صامتاً أمام هذه الاعتداءات التي كانوا يقومون بها بشتى الوسائل.
ومع انطلاق شرارة ثورة 19 تموز من كوباني، وقد وصلت إلى سائر مناطق شمال وشرق سوريا؛ فتمكّنوا من إنهاء سيطرة جيش حكومة دمشق في تلك المناطق، وأثبت الشعب الكردي للعالم قوة الشعب الكردي، وتمكن بنضاله ومقاومته متسلحاً بفكر وفلسفة القائد الأممي “عبد الله أوجلان”، أن يبرز للعالم أنه قوة لا تقهر في شمال وشرق سوريا، حيث تمكن الشعب في شمال وشرق سوريا من تنظيم وإدارة نفسه بنفسه، من خلال تأسيس الكومينات والمجالس في القرى والمدن في ظل مشروع الأمة الديمقراطية وتأسيس قوة عسكرية تحميهم من الهجمات الخارجية.
وتستمر الهجمات على أراضي شمال وشرق سوريا وكان أشرسها مرتزقة “داعش”، فهاجت المرتزقة كوباني في 15 أيلول عام 2014م، ولكن المقاومة، التي أبداها مقاتلو وحدات حماية الشعب والمرأة في مقاومة كوباني، في وجه مرتزقة داعش، والتي لم تتمكن معظم دول العالم من التصدي لهم، فكانت انتصاراتهم مشرفة، وكسروا شوكة داعش في كوباني بنضال الفدائيين والفدائيات أمثال آرين ميركان، والمئات من رفاقها الفدائيين، فبدأت بعدها دولة الاحتلال التركي تدخلها بتنفيذ أحلامها العثمانية، التي عجزت مرتزقتها عن تنفيذها في مناطق شمال وشرق سوريا، وبها احتلت عفرين وكري سبي، وسري كانيه، مستمرة في تهديداتها باحتلال المزيد من المناطق السورية وضمها إلى أراضيها، وعلى رأسها مدينة كوباني، التي تراها تركيا شوكة أمام مخططاتها الاحتلالية والإرهابية.
الذكرى الثانية عشرة لثورة روج آفا
وتزامناً مع الذكرى الثانية عشرة لثورة روج آفا، التقت صحيفتنا “روناهي”، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الفرات، وأحد المشاركين بفعالية ثورة 19 تموز “فرحان حاج عيسى“، والذي استهل حديثه بالإشارة إلى الأسباب، التي بدأت فيها الثورة والتي كانت أولى خطواتها التاريخية في قلعة المقاومة “كوباني”: “في الوقت الذي كان الشعب الكردي في روج آفا يعاني القمع من السلطات التعسفية والدكتاتورية، كان الشعب الكردي بحاجة ماسة إلى خطوة تاريخية لإنقاذ الشعب من الخطط السياسية، فثورة 19 تموز كانت وسيلة لتحرير الشعوب الموجودة في شمال وشرق سوريا من القيود الدكتاتورية والسلطوية، التي أحكمت سيطرتها أعواما طويلة”.
وأوضح، بأن ثورة 19 تموز كانت تمهيداً لنضال الشعب الكردي على مر مئات الأعوام: “فثورة روج آفا ميراث تاريخي استمدت روحها ومقاومتها من ملاحم الشعب الكردي التاريخية، كـ “ملحمة دم دمى، ثورة شيخ سعيد، القاضي رضا، وقفزة 15 آب”، والعديد من الثورات الكردية الأخرى”.
لماذا كوباني؟
وعن سؤالنا لماذا كوباني، على أنها بداية الخطوات في المنطقة دوماً، أجاب حاج عيسى: “لأن أبناء كوباني أصحاب إرادة وعزيمة وإصرار قيمة في المنطقة، فمنذ الأزل وأبناء كوباني يناضلون بوجه السياسات الدكتاتورية لحماية قيمهم ومبادئهم من الإبادة، فحفاظهم على عاداتهم وتقاليدهم العشائرية، كان لها دور كبير في المحافظة على أنفسهم من الزوال، فمن هنا مهدت كوباني نفسها لتكون الأولى في كتابة تاريخ وطنها”.
وتابع: “بالفعل تمكن أبناء هذه الرقعة المقدسة، أن يكونوا لائقين لهذه الخطوات التاريخية، فتلك الشرارة التي بدأت من كوباني وصلت إلى مناطق شمال وشرق سوريا، وقدموا بنضالهم مشروعا يقدم حلول الصرعات في سوريا والقضايا العالقة في الشرق الأوسط، ففي هذه المدينة الباسلة بدأت شرارة 19 تموز الخطوة الأولى لثورة روج آفا”.
وأشار حاج عيسى: “فعندما هاجمت المرتزقة عام 2014 مدينة كوباني بعتادها العسكري، والمدعومة من دولة الاحتلال التركي، كان ظنهم أن كوباني ستستسلم، لكن كوباني استطاعت بفضل أبنائها الصمود في وجه إرهاب تلك المرتزقة، وأفشلت مخططاتهم”.
مضيفاً: “وهذه المقاومة التي لقنت داعش وأعوانه دروسا في المقاومة والنضال، كانت نواة لتأسيس قوات سوريا الديمقراطية، التي تمكنت من القضاء على مرتزقة داعش في آخر معقل لها في شمال وشرق سوريا”. ولفت: “فكما قال الشاعر المتنبي (على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم)، وهكذا كان أهل كوباني، على قدر المسؤولية، وأن يخطو خطوات نحو الحرية والنضال، وبالفعل تمكنت كوباني من الصمود وأن تصبح نقطة تحول سياسية في سوريا، لقد غيرت بنضالها المسارات السياسية لشعوب المنطقة، وكانت كفلية بحماية العالم أجمع من أشرس ارتزاق في العالم، إلى جانب كل ذلك، أوجدت بمقاومتها مشروعاً حرا يحمل بداخله الحلول للصراع الدائر في سوريا”.
كوباني لا تزال هدف المحتل التركي
وأردف حج عيسى: “ولاتزال كوباني هدفاً لمخططات الفاشية التركية، فمنذ بدء ثورة التاسع عشر من تموز ودولة الاحتلال التركي تتربص بشعوب المنطقة، حيث تعد تركيا مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا خطراً على سياستها الاحتلاليّة والدكتاتورية، إضافةً، لمخطط الاحتلال تحت عناوين مختلفة أحدها الميثاق المليّ، والذي يعدُّ الشمال السوري تابعاً للأراضي التركية”.
واختتم الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية الديمقراطية في مقاطعة الفرات “فرحان حاج عيسى” حديثه: “إن شعبنا منظم ومحرر، وهذا يشكل خطراً كبيراً على هذه القوى الدكتاتورية، لذلك يعد هدف المحتل التركي الوحيد، وهو النيل من مشروع الأمة الديمقراطية وإنهاء وجوده، فيجب على شعبنا أن يقف في وجه هذه المخططات بإرادة حرة وقوية”.