تحتفل الكنائس المصرية في حزيران من كل عام بذكرى دخول العائلة المقدسة إلى مصر التي كانت ملجأً للعذراء مريم والمسيح خلال رحلة طويلة من فلسطين حتى وصولها إلى مصر التي باركت فيها أماكن عٍدة من سيناء شرقاً مروراً بالقاهرة ودلتا النيل وحتى منطقة الصعيد، لتترك العائلة مجموعة من الآثار الباقية حتى اليوم.
وخلال الرحلة مكثت العائلة المقدسة في مغارة تقع قرب منطقة “حصن بابليون” في حي “مصر القديمة” (وسط القاهرة) حالياً قبل استكمال الرحلة وصولاً إلى الصعيد لتقام على هذا المكان بعد ذلك كنيسة عُرفت باسم “كنيسة أبو سرجة” وتصبح من أشهر الأماكن التي ترتبط برحلة العائلة المقدسة، وتتحوّل إلى واحد من أهم مقاصد السياحة الدينية والثقافية التي يحرص على زيارتها المصريون والسائحون الأجانب على السواء.
ومنذ إنشاء الكنيسة تعد المغارة الموجودة أسفلها محط الاهتمام الأكبر، لأنها الموضع الذي أقامت فيه العذراء والمسيح، حتى أن البعض كان يطلق عليها أحياناً “كنيسة المغارة”. ويميز هذه الكنيسة أيضاً وجود بئر ماء قديمة شرب منها المسيح، على فتحتها حالياً بابٌ زجاجي يمكن للزوار النظر من خلاله إلى البئر. وتنقسم المغارة إلى ثلاثة فراغات تفصل بينها أعمدة حجرية ويبلغ طولها 6 أمتار وعرضها 4.5 متر، كما تنخفض المغارة عن سطح الكنيسة بما لا يقل عن 6 أمتار.
وبالتزامن مع الاحتفال السنوي بذكرى دخول العائلة المقدسة إلى مصر، وتدعيماً لفكرة البقاء في المنازل، أطلقت وزارة السياحة والآثار المصرية عبر موقعها الإلكتروني زيارة افتراضية لكنيسة “أبو سرجة”، لإتاحة الفرصة للتعرف إليها وعلى تصميمها وطرازها المعماري الفريد وتاريخها وقيمتها الكبيرة كواحدة من أهم الكنائس والآثار المسيحية في البلاد.
“مغارة جبل درنكة” في مصر… من هنا مرت العائلة المقدسة
وللتعرف أكثر إلى هذه الكنيسة وقيمتها التاريخية والأثرية، يقول عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي في مناطق آثار جنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار “مرت العائلة المقدسة على 17 موقعاً في القاهرة منها (عين شمس) التي أصبحت مقراً لأسقفية قبطية، ومنطقة شجرة مريم في المطرية وكنيسة العذراء في الزيتون، وكنيسة العذراء في حارة زويلة، كما مرت الرحلة في مسارها بديرين للراهبات، وكذلك بكنائس مصر القديمة التي تضم الكنيسة المعلقة، والقديسة بربارة، ومارجرجس، وقصرية الريحان، وكنيسة أباكير ويوحنا، ومارجرجس للروم، والشهيد أبو سيفين، والأنبا شنودة، وكذا دير مارمينا العجايبي في منطقة فم الخليج وكنيسة العذراء في المعادي”.
ومن أهم المواقع التي مرت بها العائلة المقدسة كنيسة أبو سرجة أو “القديسين سرجيوس وباخوس” وقد قتلا جهة الرصافة في العراق بسبب اعتناقهما الديانة المسيحية في فترة الإمبراطور الروماني مكسيمانوس. وأنشئت الكنيسة فوق أطلال قلعة رومانية قديمة، ويعتقد بعض العلماء أنها تعود إلى أواخر القرن الرابع أو أوائل القرن الخامس الميلادي، بينما يرى آخرون أنها تعود إلى القرن السابع الميلادي، وتحظى هذه الكنيسة بمكانة خاصة لأنها مرتبطة برحلة العائلة المقدسة في مصر، إذ مكثت فيها مرتين أثناء رحلتها إلى مصر قدوماً ورجوعاً”.
قطع أثريّة فريدة
وتتميز هذه الكنيسة بقطع فنية قبطية ذات قيمة تاريخية كبيرة، مثل الأيقونات القبطية الشهيرة التي تزين جدران الكنائس عادة وتحمل صوراً للمسيح والعذراء والقديسين، تتميز الكنيسة بوجود ثلاثة هياكل ومذبح خشبي قديم من خشب الجوز وهو معروض الآن في المتحف القبطي بمصر القديمة، ويضم حجاب الهيكل الأوسط الخشبي أيقونات يرجع تاريخها إلى القرن الثالث عشر الميلادي بها صور القديسين وقصص من الإنجيل المقدس والحجابين الجانبيين ويرجع تاريخهما إلى عام 1738، ومعظم الأيقونات ترجع إلى القرن الثامن عشر، وأهمها أيقونة أثرية تمثل وصول العائلة المقدسة إلى أرض مصر ويرجع تاريخها إلى القرن التاسع الميلادي.