كتاب تحت عنوان ـ الإنسان المهدور دراسة تحليليّة نفسيّة واجتماعيّة لمؤلفه المفكر اللبنانيّ الدكتور مصطفى حجازيّ، يقع الكتاب في /350/صفحة من القطع الكبير ضم بين دفتيه مقدمة وتسعة فصول. وقد صدر الكتاب عن المركز الثقافيّ العربيّ بالدار البيضاء (المغرب).
في المقدمة يلقي الكاتب نظرة عامة لموضوعات فصول الكتاب والتي يُمكن التعرّف عليها كما يلي:
بناء الشخصية الإنسانيّة وحماية الإنسان
الفصل الأول: يدعو الكاتب إلى بناء الشخصية الإنسانيّة وحماية الإنسان من الخوف والقلق واليأس والهوان والحاجة، ليشعر بالدفء والمودة وممارسة حياته الطبيعيّة سعيداً مطمئناً متوازناً ويحس بكيانه وحقوقه ووجوده أيّ لابد من الاعتراف بإنسانيّة الإنسان. الذي يشكّل أساس أي إنتاج أو تقدم، و إن كل ما عدا ذلك مهدور ولا عبور إلى الحرية والديمقراطيّة في ظل انعدام الاعتراف بإنسانيّة الإنسان، ويتوقف الكاتب عند مستويات هذا الهدر (هدر عام، هدر خاص أو نوعي).
معنى العصبيّة
الفصل الثاني: يتناول المؤلف العصبيات والهدر، يبدأ بطرح معنى العصبيّة والتي تقوم في الأساس على معايير (حسب ونسب وغلب ) مع القوة ويتناولها بالتحليل والتعليل، وينتهي إلى أنّ العصبيات تحمل بذور هدر الداخل، ويرفض النقد والحوار، وليس من حق أيّ إنسان أن يُبدي اعتراضه إنّما عليه أن يلتهم لسانه ويصمت، والقبول بالواقع البائس، وترسيخ ثقافة الولاء بدلا من ثقافة الإنجاز والإبداع، ويمتد هذا الهدر الداخلي إلى الخارج حيث هدر الوطن والمؤسسات والمال العام والطاقات المنتجة وحروب الهويات … فهذه البنية العدوانية تؤسس لظهور الاستبداد والذي يبلغ حد الطغيان.
الطغيان
الفصل الثالث: الذي يعتبر من أهم فصول الكتاب يقدم المؤلف رؤية شاملة وأفكار متكاملة عن الاستبداد والطغيان وهدر الإنسان بعيداً عن الأفكار والتعابير الروتينية، التي تطرح على مستوى العموميات والتعميمات، فيبدأ بتعريف الاستبداد كما ورد في العديد من قواميس اللغة، وعند المفكرين. ويستخلص الكاتب رؤيته فيقول: «إنّ الطغيان يشكل أعلى درجات الاستبداد وأشدها بطشاً وفجاجة إلى درجة الكفر». أما الطغيان هو نقيض هذه اللعبة حيث يفترس المجتمع بما فيه من مؤسسات وهيئات وناس يلتهم الجميع. ومن ثم يحلل الكاتب سيكولوجية الاستبداد والطغيان على ضوء التحليل النفسي والتي تمثل في نزوة السلطة والنرجسية والأنا المثالي. وآليات السيطرة والتحكم في أنظمة الاستبداد والطغيان والتي تهدف إلى ترويض الجماهير وصولا إلى إخضاعها وكسر إرادتها.
ألوان الهدر الكيانيّ
الفصل الرابع: وفيه يبين مختلف ألوان الهدر الكياني الذي يصيب المعتقل خلال التعذيب وبعده وفي القضايا السياسية مطلوب تحويله إلى عميل في خدمة نظام الاستبداد أو تدمير كيانه النفسي وتحويله إلى ما يشبه الأنقاض الوجودية.
الفصل الخامس: يعرض المؤلف فيه هدر الفكر حيث تحالف المثلث المرعب (الاستبداد ـ العصبية ـ الأصوليات) فيما بينها لممارسة ألوانا من الهدر على الفكر والثقافة ومؤسسات البحث العلمي وتقديم مقاييس الولاء على الكفاءة والأداء ووضع اليد على الثروات الوطنية والموارد الطبيعية واحتكار وكالات الاستيراد.
هدر الوعي والطاقات وألوانه وأمراضه وعلاجه
الفصل السادس: يتحدث المؤلف عن هدر الوعي والطاقات مركزاً على حالة الشباب الشريحة الأكثر حساسية على المستوى الاجتماعي، تستبعد الكفاءات كي تقرب الرداءة بدلاً منها ويسد أمام الشباب فرص العمل والزواج والإبداع وإغراق الفضائيات بالإثارات الجنسية والغربة في الوطن أو القرية أو خارجه والأخطر من كل هذا وذاك التحييد عن المشاركة الوطنية والمصيريّة.
الفصل السابع: يتناول الكاتب بالبحث ألوان الهدر الخاص في الحياة اليومية كالهجرة والاقتلاع والنزف البشري الذي يتدفق على أبواب السفارات جرياً وراء حلم الخلاص من المنفى نعم هناك تحالفا جهنميا بين الاستبداد والقمع الاجتماعي.
الفصل الثامن: يطرح الكاتب الأمراض الناتجة عن الهدر الإنساني وآليات الدفاع عن الهدر، ويستخلص الكاتب الاستنتاج بأن الهدر واحد من أبرز أمراض الوجود، وبالتالي تعين إضافته إلى سجل الأمراض النفسية حيث يتلازم في الهدر كل من الاكتئاب والحزن والغضب والانشطار النفسي، ولا يستطيع الإنسان تحمل هدره لذلك ينشطر ذاتيا ويتحول من موقع القدرة على العطاء والإبداع إلى موقع الأداة، أما آليات الدفاع عن الهدر فهي التمويه والثرثرة والإفراط في الكلام الفارغ إلى درجة يبهر من يستمع إليه وكذلك الاحتماء بالمقدس والتصوف والتقرب من الوجهاء وغيرها وغيرها.
الفصل التاسع والأخير فيطرح الكاتب طائفة واسعة من الأفكار التفاصيل القيمة في مواجهة الهدر وتجاوزه، والتي تتمثل بتنمية الاقتدار الذاتي والوعي والإسناد إلى طروحات ومعطيات علم النفس الإيجابي على مبدأ قول باولو فريري (انك تصنع طريقك من خلال سيرك ) وتنمية الذكاء وتعزيز العواطف الإيجابية، وعدم الإفراط في الأوهام واستبدالها بنظرة عقلانية للذات والحياة.
وفي الختام يمكننا القول: إن الكاتب قدم تحليلاً عاماً وافياً مشحوناً بشواهد وتفاصيل مقنعة عن الاستبداد والطغيان والعصبيات، ورسم لنا خارطة الإنسان المهدور بكامل أبعادها وتفاصيلها واستبسل في الدفاع عن الإنسان المهدور وهذه الدراسة العميقة الجادة جديرة بالقراءة والتأمل …