سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

كتابات المرأة بين النمطية والاحتجاج

 آراس بيراني_

لقد سمحت حركة الطبع والنشر حضوراً ملفتاً لكتابات المرأة خلال السنوات القليلة الماضية، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت أدواراً مهمة في منح المرأة الكاتبة مساحات مفتوحة؛ للتعبير عن مشاعرها وأفكارها وأحلامها.
مجموع ذلك كان بمثابة صرخة في وجه الصمت الموروث الموبوء بعلاقات مجتمعية مزرية، وكانت نهوضا في تربة، واقعها مثقل بالأعراف وهيمنة الذكورية والسلطوية المدعومة من جانب آخر بآلة القمع العنيفة.
ورداً على النمطية المغلفة بالسكونية والعفونة البلاغية، التي اعتمدت لغة جافة، حيث الطغيان في فرض مشاعر قوموية، لجأت للتاريخ والجغرافية واختارت أقصر الدروب للوصول إلى المتلقي، فأنتجت أناشيد موجوعة تجهش بالبكاء، لوطن يهجس بالوجع.
أما المرحلة الآنية فيمكننا القول، إنها ورغم شكلها الحداثي وجرأتها في تناول قضايا المرأة بأنها رد فعل عنيف وخاصة إزاء تركيزها على تيمة البورنوية، التي أنتجت حالة هجينة، راوحت بين التنميط والاحتجاج، وأنتجت نصوصاً وليدة انبثقت من رحم الثورة والحرية، ووليدة طبول الحرب والمقاومة، وهي بشكل من الأشكال نصوص تخلصت من النكوصية والاهتراء، التي كانت تهدد كيان المرأة من الكتابات السائدة، وخاصة إن التخلف في تناول قضاياها العامة دأب على تفريغ روحها وإطفاء شعلة رغباتها في أن تعبر عن كل ما يجول في فكرها، وكانت بحاجة لأن تعلن عن أفكارها وأحلامها بصوت عال، صوت عارٍ يكشف عن تاريخ طويل، ومرهق من الاستعباد والانزياح والقبح، وتعبر عن طرح مختلف يلتزم الهم الإنساني من جهة، والبحث عن صيغ فنية جادة، ومحاولة إبداع مذهل للانتقال من النمطي إلى تناول جوهر معاناتها والكشف عن توقها وحاجاتها لكل مباهج الحياة من جهة أخرى.
فهل كانت محاولاتها حقيقية؟ وهل يصح أن نعبر ونحلل القضية بحالة جمعية، وهل كان الصوت الاحتجاجي جمعياً أم حالة فردانية، كما غيرها من الأفكار الثورية، التي نبتت وحيدة في التربة ذاتها، لتبدأ فراشات الأمل التحليق في فضاءات حقلها الفسيح؟
فنياً، وعلى المستوى الجمالي للكتابة الأدبية، ساهمت التعبيرات والرؤى الثورية أن تلزم كتابات المرأة بالعناصر الفنية الجمالية للقصة أو الرواية، وتحديدا في الشعر وأن تتخلص من ذاك الصراخ الفج المباشر، وأن تخرج عن مدارات الركاكة، في سياقه التاريخي لمعاينة الحالة، أو الواقع المزري، الذي عاشته المرأة في الوطن المختلف عن حالة وواقع بنات جنسها في المغتربات، حيث مناخات الحرية الفردية، وحيث لا رقابة عائلية أو مجتمعية، أو بمعنى آخر البعد عن الجهة العقابية، وهذا ربما كان سببا أساسياً في ظهور بنية الاحتجاج الجسدي والروحي عبر منولوجات سردية أو نصوص شعرية، مناهضة لسندات التابو المحرم.
والخطير في الأمر، هو نكل الجراح القديمة، ومحاربة كل ما كان في الوطن من عبثية العيش ورداءتها، وجعله فقط مهبطاً للحنين وللشوق، فذرف الدمع على سهوب وغبار الأماكن المنسية، والإغداق بكيل المديح لعشب الغربة، وهوائها الطافح بالحرية. إلى جانب أصوات تحررت من النمطية المعتادة ففرشت الكاتبات بكثير من التفاؤل بطولات ومقاومات جابهت الصعاب، وأصرت على زرع بذرة الصمود رغم الوجع وكل حالات التشظي، وأعلنت عن كوات للانتصار والسلام في زمن البوتوكس، والزيف رغم كل النزيف، فقد أرادت أن تجادل وتحاور وتطرحَ أقسى الأسئلة في كتاباتها التي مازالت تبشر بالمزيد.