روناهي/ منبج ـ اشتكى مربو الدواجن في مدينة منبج وريفها من تحول مداجنهم من مصادر للرزق إلى مصادر تؤرق أحوالهم وتثقل كاهل أموالهم حتى باتوا مهددين بفقدان هذه المداجن؛ بسبب لفيف من العوامل المحيطة بهم؛ وأدت إلى رغبة البعض منهم بترك تربية الدواجن جراء الخسائر المتتالية.
وتمر تربية الدواجن في الفترة الحالية بحالة من الخطر الشديد وتنذر بكارثة اقتصادية وشيكة؛ نتيجة تضاؤل عدد المربين تدريجياً أمام نقص بالدعم المقدم لهم إزاء ما يعانونه من حجم كبير للمشكلات تتعلق بتربية الدواجن؛ باعتبار أن لحوم الفروج تشكل أحد الأغذية الهامة التي يعتمد عليها السكان إلى جانب اللحوم الحمراء، إضافة إلى أن البيض لا يفارق موائدهم بشكل عام. وتبدو كارثة تربية المداجن بوجهها الحقيقي عبر تهديدها لأحد أعمدة الاقتصاد التي يعمل بها الكثير من العائلات وتشكل مورداً لدخلهم الرئيس. ولكن؛ مع تدني إنتاج المداجن باستمرار، أبدى بعض المربين رغبتهم بتركها؛ وذلك بسبب الخسارات المتوالية في حين أن المربي لا حول له أو قوة أمام شراء العلف بالدولار، كما أن منتجاته من الفروج أو البيض تباع بالليرة السورية. فمثلاً إذا كان سعر المنتج بـ 1800 ليرة سورية، يتفاجأ المربي أن سعر الصرف تبدل صعوداً أو نزولاً مؤثراً على عدم استقرار عمليات البيع وطريقة معاملتهم مع المواطنين الذين بدورهم يفاجئون بهذا التغير المفاجئ ويفقدون جراء ذلك مصداقيتهم؛ نتيجة عدم الاستقرار في سعر الصرف.
تشكيل اتحاد الدواجن في منبج وريفها
كان اتحاد الدواجن من أوائل الاتحادات التي تشكلت إثر تحرير مدينة منبج وريفها في العام 2016-2017م وكان يتبع في ذلك الوقت إلى لجنة الاتحادات التي كانت تضم العديد من الاتحادات المشكلة حديثاً. قبل أن تنضم الاتحادات جميعها مجدداً في العام 2019م إلى منظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الدواجن.
وتبرز أهمية اتحاد الدواجن بعمله على تنظيم مربي الدواجن وفق سجلات نظامية فضلاً على منحهم رخصاً يتمكنون بها من مزاولة عملهم بفتح المداجن وتربيتها وتجارتها. ويمنح المربون المنتسبون في اتحاد الدواجن بطاقة عضوية، وهي عبارة عن توضيح أن كل شخص يمتلكها لديه الحق في المطالبة بحقوقه وطرح مشاكله المختلفة. كما يبرز مهمة اتحاد الدواجن أيضاً؛ بإيصال مشاكل مربي الدواجن إلى الجهات المعنية؛ كمنظمات المجتمع المدني أو لجنة الاقتصاد وغيرها مثلاً. ويقوم اتحاد الدواجن بدعم المربيين بالمحروقات عبر تنظيم وصل تسليم كل أسبوع، ومنها إلى غرفة التجارة، ومنها إلى سادكوب. ويعتبر تقديم المحروقات من قبل منظمات المجتمع المدني، هي المساعدة الوحيدة التي تقدم لمربي المداجن بينما من جهة حمايتهم من تقلبات ارتفاع أسعار العلف غير متوفر؛ نتيجة عدم وجود جهات داعمة لهذا القطاع الحيوي.
ويقتصر الدعم المقدم لاتحاد الدواجن على مساعدات خجولة كالتي قامت بها لجنة الاقتصاد برفعها للضريبة المفروضة على الفروج المستورد من خمس ليرات إلى 45 ليرة سورية؛ بهدف حماية سعر الفروج المحلي على الرغم أن مسألة العرض والطلب بالبيع والشراء ينبغي أن تأخذ الشراء بالحسبان.
وتبلغ عدد الرخص الممنوحة من قبل اتحاد الدواجن لمربي الدواجن 207 رخصة انتساب بينما يصل عدد المداجن إلى أكثر من ألف مدجنة، تتوزع على مناطق ريف منبج الشاسع، ويدفع المربي لقاء انتسابه رسوم ترخيص إلى غرفة التجارة والاقتصاد سنوياً بينما يدفع المربي لاتحاد الدواجن رسم ترخيص شهري تعود عائداته لصندوق الاتحاد الذي يقوم بتمويل ودعم بعض الأمور المتعلقة بمربي الدواجن.
أسباب عديدة وحل واحد
تعرض مداجن المربين محمد الإبراهيم وصالح الحميدي وشايش الهارون وحسين كلزي وآخرون لمرض الطاعون الذي أتى على مداجنهم مسبباً في نفوق الآلاف من الدجاج الذي يعتمد عليه هؤلاء في مصدر رزقهم أما من نجى من الدجاج من مرض الطاعون فهو على وشك الوقوع ضحية أزمة جديدة تلوح آثارها في الأفق وهي الجوع الذي لم يعد يستطيع المربي تحمل شراء مادة العلف لإطعام الدجاج. وبدت هذه الأزمة بالظهور منذ الأشهر الثلاثة الماضية وتجلت آثارها بحدوث تقلبات في إنتاج اللحوم والبيض على حد سواء أثر على نحو في عدم استقرار أسعارهما بشكل عام.
ويشتكي هؤلاء المربين أن ارتفاع أسعار الأعلاف في الوقت الحالي يختلف عما كان عليه منذ فترة وجيزة حين كانت الأسعار مقبولة نوعاً ما وكان باستطاعتهم السيطرة على السوق والتحكم بعمليات البيع والشراء نتيجة وفرة المنتجات لا سيما مادة العلف اللازمة لإطعام الدجاج. كما كانت المنافسة الخارجية عاملاً لعدم حماية المنتج المحلي، حيث يعتقد التجار أن استيراد الفروج من شأنه خلق توازن بالأسعار. لكن؛ كانت النتائج على العكس من ذلك؛ فأدت دوراً في تدني السعر محلياً لكن على حساب المربين.
ويضيف هؤلاء المربين أن لإغلاق المعابر على خلفية مخاطر انتشار جائحة كورونا سبباً مهماً في غلاء العلف. لقد كان علف الصويا بـ 430 دولار في الفترة التي كانت قبل الحظر بينما ارتفع حالياً إلى نحو 650 دولار للطن الواحد، فانعكس بشكل سلبي على تأمين الغذاء للدجاج. ويمكن قياس المسألة أن ارتفاع سعر صرف الدولار الذي كان قبل فترة الحظر يساوي 500 ليرة سورية بينما وصل الآن إلى 2500 ليرة سورية، وهذا يعني ارتفاع كلفة الإنتاج أكثر وغلاء شديد في سعر المبيع ولاعتبارات تتعلق بسعر العلف وإنتاج الصوص أيضاً وبالتالي يصبح إنتاج الفروج مرتفعاً على المستهلك. وبأي حال لا يمكن ضبط مسألة الأسعار؛ لأنها تخضع دائماً للعرض والطلب، فإذا كان الطلب كثيراً والعرض أقل ما يؤدي إلى ارتفاع في الأسعار.
خسائر لا يطيقها مربو الدواجن
ويطالب هؤلاء المربين الجهات المعنية لإنقاذهم مما هم فيه بعد الخسائر المتتالية التي أصابت قطاع الدواجن في انهيار شبه تام وواقع اقتصادي خطير ينذر بارتفاع جنوني لمادة الفروج في الأسواق قريباً إن لم تتدخل تلك الجهات بحل مسألة تأمين العلف بأسعار مقبولة. وأكدوا: “لقد وصل سعر الذرة الصفراء البلدية بين 80 – 100 ليرة سورية سابقاً. ولكن؛ مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية ارتفع إلى نحو 500 ليرة سورية، ويباع الطن الواحد بـ 250 دولار. كما أن المكتب “التجار” الذي يمول قرابة 15 مربياً من بيننا لم يعد يطيق هو الآخر تحمل خسائر المربين بسبب الديون المستحقة تجاه المكتب الذي وصل قرابة 15 ألف دولار فضلاً على عدم إدخال أي صوص من الخارج منذ زهاء الشهر، وهذا بالطبع سيؤدي إلى فراغ كبير في تغطية احتياجات السكان من مادة الفروج أو البيض على الرغم أننا عادة نطلب حوالي من 200 – 300 ألف سنوياً”.
مطالبات بدعم منظمات المجتمع المدني لا دعم التجار أنفسهم
هذه الشكاوى وغيرها من مربي الدواجن، قامت صحيفتنا “روناهي” بإيصالها إلى الجهات المختصة، والتقت بالإداري في اتحاد الدواجن بمدينة منبج وريفها؛ الدكتور نزار عبد الدائم الذي حدثنا عن هذه المشاكل وأفضل الحلول المناسبة بالقول: “بالطبع، لقد تأسس اتحاد الدواجن من أجل خدمة مربي الدواجن وتنظيمهم به إضافة إلى حل قدر الإمكان من مشاكلهم وإبلاغها إلينا لعلنا نجد حلولاً مناسبة لها وبناءة. ولعل أفضل الحلول لتجاوز هذه المشاكل قاطبة تأمين العلف بأسعار مناسبة حتى يتمكن اتحاد الدواجن من مساعدة المربين لتخطي خسائرهم المتراكمة غير أن منظمات المجتمع المدني لا تملك خيارات واسعة حتى الآن لمعالجة الوضع بتاتاً. لا شك أن خيار استيراد المواد العلفية لتربية الدواجن تضع اتحاد الدواجن أمام خيار التعامل مع التجار الموردين للأعلاف الذين يقومون بفرض رسوماً تتجاوز نسبتها 30% من سعر المادة. وهذا يعني في المحصلة أن علف الفروج يكلف ما بين 300 – 320 دولار للطن الواحد بينما أحياناً يصل سعر الطن إلى 500 دولار وهنالك علف من إنتاج محلي بـ 420 دولار كما ويوجد علف من إنتاج تركي يصل إلى 400 دولار. كما ونطلب من الجهات المعنية النظر إلى دعم المربيين بالصيصان وذلك لعدم تربية “أميات الدجاج” بسبب تجفيف منابع دخولها لمدينة منبج وريفها إضافة إلى ارتفاع رسومها الضريبية، ويمكن تخفيف الكلفة حتى ينزل سعر المبيع ويتوازن مع سعر المنتج”.
المربي الذي وقع تحت سنديان الحظر ومطرقة عدم البيع
وأضاف: “إن أزمة الدواجن بدأت بالتفشي منذ بداية حظر جائحة كورونا، أي منذ إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدء سريان حظر التجول بين الإدارات الذاتية في 23/3/2020م، حيث ازدادت الأضرار المترتبة على كاهل المربي الذي وقع تحت سنديان الحظر ومطرقة عدم البيع؛ الأمر الذي دفع المربين إلى حساب كلفة سعر الصويا من سعر المبيع التي يبلغ سعرها 450 دولار. وفي فترة الحظر وصل سعر علف الصويا في مناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية بـ 800 ليرة سورية حين كان سعر صرف الدولار بين 1100 – 1200 ليرة سورية الأمر الذي أدى إلى غلاء واضح”.
وأوضح عبد الدائم أن لجنة الصحة لعبت دوراً في منع خروج الفروج من منبج وريفها ونقله بين مناطق الإدارات الذاتية في شمال وشرق سوريا الأمر الذي تسبب بموت الدجاج لأنه يحتاج إلى علف بشكل متزايد في حين أن المربي لا يستطيع تحمل إبقائه على هذا الشكل دون غذاء، ونتيجة الضغوط المتواصلة؛ تجاه لجنة الصحة لأجل فتح الطرق، استجابت بعد أن أضرت بالمربين مسببة بتخفيض سعر الفروج من 1500 ليرة سورية إلى 850 ليرة سورية. فإذا كانت كلفة الدجاجة الواحدة من 1200 ليرة سورية اضطر مع إجراء لجنة الصحة بحظرها لتنقل الدجاج بين الإدارات الذاتية إلى إطعام الفروج من مادة العلف المرتفعة أصلاً الأمر الذي جعله يخسر في كلتا الحالتين.
التهديد بالنفوق، يصل أوجه إلى الدجاج البياض
الإداري في اتحاد الدواجن في مدينة منبج وريفها؛ د. نزار عبد الدائم اختتم حديثه بالقول: “كان إنتاج الفروج قبل أزمة كورونا يغطي نسبة 50% من احتياجات سكان مدينة منبج وريفها. ولكن؛ مع استفحال إجراءات حظر جائحة كورونا تسبب بانخفاض الإنتاج إلى ما بعد الأزمة إلى نحو 10% بينما نسبة 40% هي تلك الخسارة التي تحملها مربو الدواجن. وتستهلك مدينة منبج وريفها ما قدره 500 – 600 ألف فرخ بيض بينما هذا العام لم نطلب حتى الآن أي فراخ مع العلم أن مداجن البيض أصبحت مهددة بالخطر، فلجأت إلى ذبح الفراخ البياضة التي عمرها سنة أو سنة ونصف وذلك في ذروة إنتاجها للبيض للمشكلة ذاتها التي ذكرناها آنفاً، وهي غلاء الأعلاف المستوردة من الخارج وشراءها بالدولار وبيع المنتج بالليرة السورية”.