اكتشف علماء الآثار مؤخرًا واحدًا من المواقع الأثرية العملاقة في العالم، يقع في باكور كردستان في مقاطعة “ديرنكويو”، وهي مدينة أثرية عملاقة تقع بالكامل تحت سطح الأرض، ما عدا بعض الأجزاء الظاهرة يطلق عليها مدينة ديرينكويو Derinkuyu Underground City، تم اكتشافها والعثور عليها بالصدفة عام 1963 م، أثناء القيام ببعض أعمال التجديد والإحلال في هذه المنطقة.
والتصميم الداخلي للمدينة مدهش، حيث تستوعب أكثر من ثلاثين ألف شخص، وتحتوي على ممرات سرية بثلاث فتحات رئيسية، يمكن غلقها عن طريق وضع الصخور على الأبواب.
وقد كانت المدينة تحتوي على أنفاق يبلغ طولها ثماني كيلومترات، والتي تقود إلى مدينة أخرى تحت الأرض تدعى مدينة “كابادوسيا”. فهي بلا شك من عجائب الدنيا، وواحدة من أعظم المواقع الأثرية في العالم، كيف لا وهي التي شبهها العديد من علماء الآثار بأنها مدينة غاية في التعقيد، يضاهي تعقيدها وإتقانها تعقيد وإتقان الأهرامات الفرعونية.
تتكون جغرافية منطقة “ديرينكويو” من صخور بركانية لينة ذات صلابة متوسطة، لعل هذا من أهم الأسباب التي شجعت من بنى هذه المدينة الغريبة تحت الأرض على اختيار هذا المكان بالتحديد للحفر وبناء هذه المدينة.
وقد شكلت عوامل التعرية “الرياح والمياه” أشكالاً غريبة في صخورها ومعالمها التضاريسية على السطح، تتكون هذه المدينة الأثرية العملاقة من أحد عشر طابقاً تحت الأرض، وعمقه يصل إلى خمسة وثمانون متراً، وهي كبيرة جداً لدرجة أنها تتسع لما بين خمسة وثلاثون إلى خمسين ألف شخص، ليس هذا فقط، فهذه المدينة العجيبة تحتوي على كل ما يلزم من وسائل الراحة من معاصر للزيتون والنبيذ وإسطبلات وأقبية وغرف للتخزين وحجرات للطعام ومصليات، والمميز هنا هو وجود معبد واسع المساحة في الدور الثاني من المدينة الأرضية، ولتأمين التهوية اللازمة للحياة يمتد عمود تهوية يبلغ طوله ما يقارب الـ الخمس وخمسون متراً، والذي يستخدم أيضاً كبئر للماء، لتزويد كل من القرية الواقعة على سطح الأرض، وأيضاً المدينة الواقعة تحت سطح الأرض بالمياه، بالإضافة إلى ما يزيد عن خمسة عشر ألف فتحة تهوية صغيرة موزعة في أنحاء المدينة، فتحت مدينة “ديرينكويو” تحت الأرض للسياح في عام 1969م، أي بعد ستة سنوات من اكتشافها.
ويتمُّ الدخول إلى هذه المدينة المعقدة عبر عدة بوابات حجرية ثقيلة (تبلغ أطوالها من 1 إلى 1.5 متر، وعرض كل منها من ثلاثين إلى خمسين سم، وأوزانها من مئتين إلى خمسمئة كلغ)، وكل هذه البوابات تغلق من الداخل فقط وليس من الخارج في طريقة ميكانيكية مبتكرة تجعل من فتحها وإقفالها مهمة سهلة وممكنه لشخص واحد فقط، وهي بواسطة داعمة خشبية في الثقب المتوضع على وسط البوابة.
هذه المدينة الغريبة منذ متى بُنيت؟ ومن بناها؟ تشير كل من تكهنات المؤرخين والدراسات التاريخية التي أجريت على المكان على أن هذه المدينة تحت الأرض بنيت على مراحل، واُختير هذا المكان بالذات بسبب طبيعة الصخور البركانية اللينة، التي تتكون منها الطبقات الأرضية من ما يجعل من مهمة الحفر مهمة أقل صعوبة من أماكن أخرى.
وكانت تستخدم المدينة كمستوطنة للاجئين، حيث أن هناك إشارة وذكر في المراجع الزراداشتية في الجزء الثاني من كتاب (الأفيستا Vendidad) (وهو أحد أهم المراجع للزراداشتية) لمستوطنة لاجئين تحت الأرض بنيت في عهد الإمبراطور جمشيد.
لذا يعتقد الكثير من المؤرخين أن هذه المدينة توسعت وتضخمت في أثناء حكم الكرد للمنطقة، حيث أن بعض القطع الأثرية المكتشفة في المكان تعود إلى الفترة البيزنطية المتوسطة والتي يعود تاريخها الى ما بين القرنين الخامس والعاشر قبل الميلاد. حيث قد يجمع العلماء أن هذه المستوطنة كانت ملجأ لإيواء الهاربين.