سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قفزة 15 آب النوعية والتاريخية

دجوار أحمد آغا –

عانت كردستان موطن الأمة الكردية منذ فجر التاريخ الكثير من الغزوات والاحتلالات, ولم يسلم أهلها من الظلم والاضطهاد إلا لفترات محدودة لا تتجاوز عشرات السنين, وكما هو معلوم عشرات السنين في حياة الأمم والشعوب ليست بالشيء الكثير, فرغم أنها بنت إمبراطوريات وممالك وقادت شعوباً عديدة إلى التحرر والانعتاق من نير الاحتلال وكانت السباقة في أن تكون طليعة القوى الثورية للشعوب المناضلة من أجل الحرية – مثلما هو الأمر الآن –  ورغم كل الاستعمار والاحتلالات البغيضة, إلا أنها لم تهدأ أو تستكين للظلم والاحتلال, بل قامت بالكثير من الثورات والانتفاضات وخاضت العديد من المقاومات البطولية ضد الغزاة الطامعين لوطنها كردستان.
هذه الثورات والانتفاضات التي قادها أبناء كردستان الغيارى, ورغم تقديمهم للتضحيات الجسام وعشرات الآلاف من الشهداء والقادة العظام, إلا أنها كانت تباء بالفشل والأسباب كانت كثيرة, ربما الأهم كان الخيانة بالإضافة إلى عدم وجود التنظيم الحقيقي السياسي للشعب وكذلك عدم التكافؤ بين طرفي الصراع , فالثوار [سلحتهم كانت فردية ومتوسطة بينما الأعداء كانوا يمتلكون الأسلحة الثقيلة والطائرات وغيرها.
بعد عشرات السنين من القضاء على آخر ثورة في باكوري كردستان, قامت ثورة تختلف عن بقية الثورات في عموم كردستان ولم تختص بجزء من الأجزاء, كما أن قيادتها تختلف عن بقية القيادات التي قامت, فهي قيادة من صلب الطبقة الكادحة المكافحة الأساسية في ثورات الشعوب, قيادة استطاعت أن تجمع كل الأفكار  الحضارات التي مرت على البشرية وتستخلص منها فلسفة وفكر جديد ونظرية تعتمد على المجتمع ومفهوم جديد للحياة والعيش الحر  الكثير من المسائل الحيوية في حياة الشعوب والأمم, إلى جانب تأسيسها لحزب سياسي قادر على تنظيم وتوعية المجتمع والسير به إلى بر الأمان ألا وهو حزب العمال الكردستاني PKK  والذي تأسس في 27 / 11 / 1978 م هذا الحزب الذي قاد النضال في شمال كردستان (باكور كردستان) ضد المحتل والمستعمر التركي الفاشي خاصة بعد ضربة 12 / أيلول / 1980 م والتي زجً بموجبها المئات والآلاف من أعضاء وأنصار PKK  في السجون والمعتقلات السيئة الصيت وأشهرها سجن آمد “ديار بكر” حيث استطاع الرعيل الأول من قادة الحزب أن يجعلوا من شعار” المقاومة حياة ” هو الشعار السائد في السجون ضد التصفوين والخونة الإصلاحيين وخاصة في فترة 14 تموز 1982 وقيام القادة الأبطال بالإضراب الكبير, وكان للقادة العظام أمثال مظلوم دوغان, كمال بير, محمد خيري دورموش – عاكف يلماز, علي جيجك , خليل جاغون  وغيرهم الدور الكبير والقيادي في هذه الطريقة الجديدة من المقاومة من داخل السجون, بعد ذلك كانت هناك القفزة التاريخية التي خطتها حركة حرية كردستان بتاريخ  15 / آب / 1984 م والتي انطلقت منها الرصاصة الأولى لثورة العصر ثورة شعبنا الكردستاني بقيادة القائد الميداني الفذ معصوم قورقماز ( عكيد ) – استشهد فيما بعد في 28 آذار 1986 – هذا الاسم الذي أضحى مقدسا لدى سائر أمهات الكرد واصبح هناك المئات والآلاف من عكيد منتشرين ومتوزعين في كافة أرجاء كردستان.
إن قفزة 15 آب التاريخية أثبتت قبل كل شيء لشعبنا الكردي أن الشخصية الكردية ليست ضعيفة ومستسلمة بل بإمكانها المواجهة والقتال وإنزال الخسائر بالعدو, هذا العدو الذي كان قد صنع لنفسه هالة من المجد والغار وأساطير حول مدى قوته وجبروته فهو “الجيش الذي لا يهزم”, تحطمت هذه الأسطورة وأضحت سمعة هذا الجيش “المغوار” في الحضيض وأصبحت الجنازات تسيًر إلى المدن التركية بشكل يومي وتطورت هذه القفزة منذ انطلاقتها في العام 1984م إلى الآن ونحن في العام 2020 م, فبعد مرور36 عاما من الثورة المشتعلة والمستمرة, حدثت تطورات مذهلة وكبيرة, حيث تم تأسيس قوات الدفاع الشعبيH P G  ومن بعدها Y J A  – STAR  والتي أضحت القوة الضاربة للكيريلا , هذه القوة التي لم تكتفِ بالمقاومة وإنزال الضربات الموجعة بالعدو في باكور بل أنها نزلت إلى ساحات الشرف والكرامة في باشور وروج آفا أيضا عند حاجتهم لها في صد الغزو الداعشي وعلى وجه الخصوص في شنكال ومخمور ومناطق روج آفا, كما أن هذه القفزة النوعية كانت السبب وراء تصاعد الروح الثورية لدى أبناء وبنات الشعب الكردستاني, فبعد ثورة ديرسم وآكري في باكور, لم تقم أية ثورة أو انتفاضة في مواجهة المحتل الغاصب, مما أدى إلى ضمور وخمول الروح الثورية المقاومة لا بل وصل الحد إلى درجة عدم ثقة الشعب بنفسه وبقدرته على البقاء كشعب كردي له خصوصيته اللغوية والتاريخية والاقتصادية والأخلاقية , لكن بعد قفزة 15 آب والقيام بالعمليات العسكرية ضد الجيش التركي المحتل وإلحاق الخسائر به, تصاعدت الروح الثورية والإيمان بقدرة أبناء  بنات وطن الشمس والنار كردستان على مواجهة الغزاة وإلحاق الأذى بهم, بالإضافة إلى أن هذه القفزة كانت السبب في توجه العالم صوب كردستان وقضيته العادلة من خلال تطوير العمليات العسكرية والانتقال إلى أسلوب جديد ألا وهو أسلوب حرب المدن وتسطير الملاحم البطولية في هذا المجال بالإضافة إلى إفشال كل الحملات الضخمة التي شنها الجيش التركي على مناطق الدفاع المشروع وعلى وجه الخصوص المعارك الدائرة في حفتانين البطولة هذه المعارك المستمرة منذ بداية العدوان التركي بتاريخ 14 حزيران المنصرم حيث أثبتت أن الكيريلا قوة قادرة على المواجهة والصمود في وجه أقوى وأعتى الجيوش في العالم من خلال ابتكارها لأساليب جديدة في مواجهة التكنولوجيا العسكرية العصرية التي يستخدمها الجيش التركي, وكذلك الأمر في ثورة روج آفا و تشكيل YPG  و  YPJ  ومن بعدها QSD التي أصبحت القوة الضاربة الرئيسية في مواجهة داعش وكسرت شوكتها في كوباني وحررت منبج والطبقة والرقة وقضت على التنظيم في آخر معاقله في ريف دير الزور الشرقي في الباغوز.
باختصار نستطيع القول بأن قفزة 15 آب غيرت الكثير من المفاهيم الإصلاحية البالية وقدمت بدلا عنها مفاهيم ثورية مقاومة وتمتاز بروح العصر في فلسفة العصر فلسفة وفكر القائد عبد الله أوجلان في الإرادة الحرة والعيش المشترك الحر والديمقراطية الحقيقية والتي أصبحت نموذجا ورمزا للكثير من الشعوب التي تتطلع لتطبيق هذه المفاهيم في مجتمعاتها والتي هي نتاج قفزة 15 آب الثورية .