سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قطع تركيا لمياه الفرات شَيَخ “حويجة زهرة”

لم تعد “حويجة زهرة”، /سبعة/ كم غرب مدينة الرقة، شمالي سوريا، تتمتع بالألق الذي كان يجذب السكان للتنزه طوال عقود مضت قبل بدء الحرب وسيطرة مرتزقة ما تسمى بالجيش الوطني السوري ثم متطرفي (داعش) على الرقة، ليتبعها هذا العام قطع تركيا لمياه الفرات وتدهور الوضع المعيشي، ما منع السكان من تأمين مستلزمات الرحلة النهرية على ضفاف الفرات.
كان السكان قبل الأزمة السورية يتوجهون في فصل الصيف إلى “حويجة زهرة” بهدف الاستمتاع بهوائها العليل وقضاء أوقات برفقة الأصدقاء أو العائلة وسط مناظر انتشار مياه نهر الفرات بين المنازل السكنية والأراضي الزراعية.
ورغم وجود عدد من الحوائج (الجزر النهرية) في ريف الرقة، إلا أن حويجة زهرة كانت الأكثر شهرة بينها.
وتشهد حويجة زهرة، هذا العام، إقبالاً ضعيفاً من قبل السكان، فمع انخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع الأسعار لم يعد بمقدور سكان المنطقة تأمين مستلزمات الرحلة النهرية الصيفية من لحوم وفواكه معهم، كما اعتادوا سابقاً، وبهذا الخصوص كانت التقت وكالة نورث بريس مع أهالي المنطقة ليبدوا رأيهم حول حويجة زهرة قبل وبعد انقطاع المياه.
“لم تعد حويجة زهرة كما كانت في سابق عهدها”
حيث قال إسماعيل الأحمد (50عاماً)، وهو من سكان حويجة زهرة، إن نمط الحياة في قريته تبدل عن السابق، وتابع: “فلم تعد حويجة زهرة مكاناً يقصده الكثير من الناس كما كانت في سابق عهدها”.
وبحسب سكان من الرقة فإن انخفاض مستوى مياه نهر الفرات مؤخراً، بسبب قيام تركيا بتقليل حصة سوريا من المياه، أثّر سلباً على حويجة زهرة والتي كانت المياه تغمر الكثير من أجزائها.
انعكاسها على الثروة البيئية والمنتجات الزراعية
وكانت الإدارة العامة للسدود في “إقليم الفرات” قد قالت في الـ/27/ من شهر حزيران/ يونيو، إن تركيا قامت بقطع المياه عن مناطق شمال وشرقي سوريا، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات، وذلك “ينعكس مباشرة على الثروة البيئية والمنتجات الزراعية”.
وفي السياق ذاته قال علي العساف (47عاماً)، من سكان حويجة زهرة، إن تعداد سكان القرية يبلغ حوالي/300/ أسرة، يعمل أبناؤها في زراعة أراضيها الخصبة وتربية المواشي.
 وبحسب العساف، فإن حويجة زهرة هي من أولى المناطق التي زُرعت بفول الصويا في الرقة، وتعد تربتها اللحقية، التي تكونت بفعل نقل المياه الجارية للتربة معها، صالحة لزراعة كافة المحاصيل الصيفية والشتوية، ففيها مزارع المشمش والرمان والخوخ والدراق والتفاح وغيرها.
 وتتموضع على ضفة نهر الفرات اليمنى، وخاصةً في المنطقة الواقعة قبالة مدينة الرقة، عدة حوائج والتي تشكلت بشكل طبيعي وذلك نتيجة إحاطة مياه نهر الفرات لها من جهات الشرق والغرب والشمال لتضفي هذه الحوائج (الجزر النهرية) المزيد من الجمال على المنطقة.
ويذكر العساف، أن حويجة زهرة تحولت عام 2017 إلى مكان لعبور سكان مدينة الرقة بواسطة السفن، أثناء اشتداد المعارك ما بين مرتزقة (داعش) وقوات سوريا الديمقراطية، والتي انتهت بتحرير الأخيرة المنطقة نهاية العام نفسه.
وشهدت قرى ومناطق سورية كثيرة عدداً من الأحداث المتسارعة خلال السنوات العشر الماضية من الحرب والحصار وحتى الكوارث الطبيعية والأزمات المعيشية، لتضاف تلك الأحداث إلى قصص وأحداث سابقة من تاريخ تلك الأمكنة.
أسباب تسميتها “زهرة”؟؟؟
وليست المناظر الطبيعية وأشجار الغرب (أشجار طبيعية فراتية) والطرفة وشجيرات السوس وحدها التي تميز حويجة زهرة، فهذه الأدغال كانت شاهدة على قصة حب مأساوية في ثلاثينات القرن الماضي، بين الفتاة زهرة، التي تحمل الحويجة اسمها اليوم، وشاب من الرقة، حسب ما يرويه كبار سن ومعمرون من قرية حويجة زهرة.
ويقول المسنون إن زهرة ومعشوقها جوبها بممانعة ورفض شديدين من قبل أهل الفتاة، فاتخذا قرار الزواج رغم ما فيه من مجازفة، وفضّلا السكن بالقرب من نهر الفرات في هذه الحويجة التي لم تكن مأهولة حينها.
لكن زهرة قُتلت برصاصة من بندقية أخيها الذي كان قد تسلل إلى الحويجة عبر قارب خشبي صغير متوجهاً من ضفة الفرات اليسرى، وذلك تبعاً للتقاليد التي أنهت حلم الفتاة وحياتها، إلا أن قصتها بقيت مع تسمية هذه الحويجة باسمها.
وقال جاسم الموسى (71عاماً) إن أشياء كثيرة تغيرت في حويجة زهرة منذ حادثة القتل تلك وحتى اليوم، منوهاً بأنها كانت بالأساس المنازل آنذاك مبنية من الطين وسقوفها من عواميد الخشب.
وتضم حويجة زهرة اليوم منازل من الإسمنت وبعض البنايات الحديثة المكونة من طابقين، كما أنها لم تعد بمعزل عن محيطها القروي، إذ أن الطريق الرئيسي فيها معبد بالإسفلت وهي مخدّمة بشبكتي مياه الشرب والتيار الكهربائي.
الحال تغير في الحويجة
وبسبب وقوع حويجة زهرة على ضفة نهر الفرات اليمنى، كانت أراضيها عرضة لفيضان النهر وارتفاع منسوب المياه في السابق والذي كان يؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية.
ولكن الحال تغير في الحويجة وغيرها من الأراضي الزراعية في حوض الفرات بعد بناء سد الفرات في مدينة الطبقة، /52/ كم غرب الرقة، في سبعينات القرن الماضي إذ تم تنظيم مجرى النهر وتشييد مشاريع الري الحديث، كما يقول المعمر حمود الجاسم (91عاماً) من سكان حويجة زهرة.
ويضيف حمود الجاسم: “كنا نخاف أن تخرب محاصيل الذرة البيضاء بسبب مياه الفيضان، ولم يكن المزارعون يعرفون زراعة القطن آنذاك إلا على نطاق ضيق”.