No Result
View All Result
المشاهدات 1
محسن عوض الله-
لم يكن الأمر سهلاً وإن بدا كذلك للكثيرين فما أصعب أن تبحث في سيرة شخص يضعه أتباعه في مصافِ الأنبياء، حين يصنفه أعداؤه ومعارضوه في خانة أخرى، اختلف معه كما يحلو لك ولكن يظل الزعيم الكردي عبد الله أوجلان حالة يجب الوقوف عليها، شخصية تستحق تسليط الضوء عليها، نموذج لزعيم يستحق الإعجاب، قائد حزبي وعسكري وزعيم قومي يمتلك كاريزما خاصة.
لم يكن أوجلان شخصاً عادياً فالرجل الذي تحشد تركيا قواتها العسكرية وتهدد باجتياح سوريا إذا لم يتم تسليمه لا يمكن أن يكون رجلاً عادياً، وتم حشد القوات العسكرية على طول الحدود السورية ووضعها على أُهبة الاستعداد لولا تدخّل الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي قام بجولات مكوكية بين أنقرة ودمشق أسفرت عن اتفاق يقضي بخروج عبد الله أوجلان من سوريا. لا يمكن اعتبار أوجلان شخصاً عادياً، فالرجل الذي تتورط في اعتقاله أجهزة مخابرات ثلاث دول كبرى لابد أن يكون ذا قيمة تدركها تلك الأجهزة كما أن مشاركة الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية ربما تحمل رسائل ودلائل خاصة.
ما القوة التي يملكها أوجلان لتجعل من عملية اعتقاله الحدث الأهم في تاريخ الدولة التركية منذ تأسيسها على يد كمال أتاتورك كما وصفها الرئيس التركي السابق سليمان ديمريل؟! ماذا يخيف تركيا من أوجلان ليخاطب القادة الأتراك شعبهم بعد اعتقاله بقولهم ” إن الأمة التركية لا يقف في وجهها أحد؟
ينظر الكرد ليوم 15 شباط من كل عام باعتباره يوماً أسود في تاريخ الحركة الكردية والشعب الكردي بشكل عام، وبعد اعتقال أوجلان أصبحت قضية الكرد عالمية، اعتقال “آبو” دفع بالقضية لصدارة الصحف وانتقالها من أزمة داخلية بتركيا أو بأجزاء كردستان إلى أزمة دولية.
النصر الذي توهمه الأتراك باعتقالهم للزعيم الكردي، أعتقد أنهم تيقنوا بعد هذه الفترة الطويلة التي قضاها في سجونهم أن اعتقاله كان أكبر خطأ ارتكبته الدولة التركية منذ تأسيسها وليس أكبر إنجاز كما وصفه ديميريل، ماذا جنت تركيا من اعتقال أوجلان سوى أنها منحت حزب العمال الكردستاني حق الثأر لقائده وفتحت الباب أمام صقور الحزب للسيطرة عليه وانتهاج الصراع المسلح كسبيل وحيد في التعامل مع الحكومة التركية. صنع اعتقال أوجلان من الرجل زعيماً ملهماً لأنصاره، أصبحت كلماته نبراساً لشباب الكرد وشيوخهم، صار رمزاً مقدساً في مرتبة الأنبياء والقديسين، أصبح مرشداً للكرد ونبياً لهم ورمزاً لقضيتهم، وهكذا أرادت تركيا إبعاد أوجلان عن الكرد فأسكنه الكرد قلوبهم وعقولهم، تخطت شعبية أوجلان وأفكاره حدود قضبان السجون لتصبح تلك القضبان شعاعاً للفكر الآبوجي الذي انطلق ليجذب المزيد من الأنصار للزعيم الكردي.
فجّر اعتقال أوجلان المجتمع الكردي وحوّله لكتلة من نار، داخل وخارج تركيا، ليظهر أوجلان في قاعة المحكمة، داعيًا إلى التهدئة والسلام والحوار وطيّ صفحة الحرب وسفك الدماء، وأطلق أوجلان مبادرة لوقف إطلاق النار بين العمال الكردستاني وتركيا ونجحت هذه المبادرة في وقف إطلاق النار لمدة عامين تقريباً، كما فتح قنوات “الدبلوماسية” من داخل سجنه مع أنقرة منذ عام 2012. في آذار عام 2014، طالب زعيم حزب العمال الكردستاني الحكومة التركية بضرورة التوصل إلى إطار قانوني لعملية السلام في البلاد واتخاذ خطوات تضمن استمرار المفاوضات، كما أعلن في رسالة نقلها عنه شقيقه في أيلول الماضي أن الصراع المستمر بين الكرد والدولة التركية يمكن حله في 6 أشهر فقط إذا استؤنفت المفاوضات.
أعتقد أن أوجلان هو الوحيد القادر على إنهاء حالة العنف ووقف شلال الدم بين الدولة التركية والكرد فتأثير “آبو” على شباب الكرد وشيوخهم يجعل من خروجه من سجون تركيا في ظل تبنيه مبادرة وقف العنف وضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة التي سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى. أعتبر أن شعبية أوجلان تخطت مرحلة الحزبية الكردية وصار هو نفسه حركة مستقلة حيث يطلق أتباعه على أنفسهم لقب “الآبوجية” نسبة إلى آبو التي يُكنى بها أوجلان.
أعتقد أن خروج أوجلان من سجنه قد يمثل مكاسب كبيرة لأنه قادر على مقاومة أي اعوجاج بالحركة الكردية وتقويم تحالفاتها السياسية، وبفكره يتبنى مبدأ أخوّة الشعوب والنضال المشترك ودعا للتواصل الكردي العربي المسيحي الإسلامي، وكل الشعوب الأخرى من أجل نجاح الثورة السورية، وهو ما يحتاجه الفرقاء السوريون الذين فرقتهم منصات المعارضة وعواصمها المختلفة بصورة أبقت بشار الأسد على رأس السلطة بعد تسع سنوات من الثورة. مكاسب تركيا من إطلاق سراح أوجلان قد تفوق مكاسبها من إبقائه سجيناً إن كان لها مكاسب من وراء ذلك، على النظام التركي أن يراجع نفسه وسياساته تجاه الكرد فسياسة القتل والإقصاء والاعتقال لن تجدي نفعاً، والعنف لن يولّد إلا عنفاً والدم سيجلب المزيد من الدم، والضحايا دائماً أبرياء من الجانبين.
على أردوغان أن يعمل على إيجاد حل سياسي للقضية الكردية وهو الأمر الذي سيذكره له التاريخ وعليه أن يدرك أن خير شريك يمكن أن يتعامل معه لحل هذه الأزمة الممتدة منذ 40 عاماً هو عبد الله أوجلان، نظراً لمكانته “المقدسة” في قلوب الكرد وجمع محبي السلام في العالم.
No Result
View All Result