تعدُّ قرية “السلام”، التابعة لمدينة الدرباسية، أقدم القرى في المنطقة، وتُعرف بانتمائها الوطني العميق، حيث ساهم سكانها بنشر فكر حركة التحرر الكردستانية، واحتضنوا قادتها، وأبرزهم أحد المقربين من القائد عبد الله أوجلان، “الملا عبد الرحمن التموقي”.
تُعد الأماكن التاريخية، سواء كانت الدينية، أو الوطنية، أو الاجتماعية، شاهداً على ثقافة الشعوب، ومن خلال تاريخ هذه الأماكن، تحافظ هذه الشعوب على تاريخيها وثقافاتها، وتحميها من الاضمحلال.
وتتميز كل رقعة جغرافية بتفاصيل خاصة تُميزها عن باقي المناطق، ففي شمال وشرق سوريا، تُعد القرى هي المنطلق والمرتكز الأساسي لتاريخ شعوب هذه المنطقة؛ لأن أغلبهم تنحدر أصولهم من هذه القرى.
فلكل قرية من هذه القرى تاريخ يتحدث عنها، لا سيما تلك القرى القديمة، التي كانت شاهدة على أحداث مفصلية هامة في تاريخ هذه المنطقة، والتي ساهمت بهذا الشكل، أو ذاك في الثورات، التي شهدتها كردستان على مر تاريخها.
ومن أبرز هذه القرى القديمة، قرية السلام التي تبعد 20كم عن مركز مدينة الدرباسية، وتقع في الجهة الجنوبية على طريق مدينة الحسكة، وقد بُنيت في عام 1925، على يد “إبراهيم حج منصور”، وتبلغ مساحتها 3000 دونم، تُزرع فيها مختلف محاصيل “القمح والشعير والقطن واليانسون”، وغيرها من المحاصيل الموسمية والفصلية.
نشأة القرية وموقعها الجغرافي
ولمعرفة تاريخ وتراث قرية السلام؛ التقت صحيفتنا “روناهي”، أحد مؤسسي القرية من أبناء إبراهيم حاج منصور “عبد العزيز حاج منصور“، والبالغ من 85 عاماً: “في عام1925، انتقل والدي من قرية “جطل” واستقر في هذه الأرض فبدأ ببنائها هو والعديد من الأشخاص الآخرين، مثل “عبدي قرقجي وأمير خلف وحسن بستانو، وبروكي سمو”، وكانت هذه الأرض جرداء، حتى بنوها بالكامل، وأطلقوا عليها اسم قرية السلام.
وتابع: “وبدأت العوائل تزداد شيئا فشيئا، وتكاثرت حتى بلغت 27 عائلة حالياً”، منوهاً، “وكلهم أقرباء “أولاد أعمام وأخوال”، وكلنا ننحدر من عشيرة أومرا”.
وأضاف: “ويتميز أهالي قرية السلام بالألفة والمحبة، فيتشاركون في السراء والضراء، إضافة إلى العلاقة الطيبة لسكانها مع القرى المجاورة”.
وفيما يتعلق بموقعها الجغرافي، أكد حاج منصور: “تحد القرية من الشمال الغربي قرية قولان، ومن الغرب قرية مشقوق، ومن الجنوب قرية تل شيريز، ومن الشمال قرية الحمدانية، أما من الشرق قرية الجريبة”.
نشاط أهالي القرية الاقتصادي
وتابع عبد العزيز حاج منصور: “فمنذ البداية نعمل في الزراعة وتربية المواشي، ولكن في الماضي كانت الأوضاع مختلفة عن الوقت الراهن، حيث أنه لم يكن هناك أدوات زراعية متطورة كالآن، فقد كنا نفلح الأراضي باستخدام الدواب، ونقوم بحصاد المنتجات من خلال آلة الـ “جرجرة”، كما كنا نقوم بتنظيف الأراضي من الأوساخ باستخدام المنجل، والمنكوش وغيرها من الأدوات البدائية”.
واستمر بالحديث: “أما اليوم فقد أصبح هناك حصادات وجرارات زراعية حديثة، خففت من تعبنا بعض الشيء، إلا أنها هي أيضا لها مساوئها، كارتفاع أسعار محروقاتها، وقطع غيارها، وغيرها من الأعطال، أي أن الزراعة آنذاك كانت أفضل مردوداً؛ لأن تكاليفها لم تكن مرتفعة كالآن”، لافتاً: “ويوجد في قرية السلام 27 بئراً سطحياً، وسبعة آبار بحرية”.
وزاد: “وإلى جانب الأعمال الزراعية، نقوم بتربية المواشي، ولا سيما الغنم والماعز، وذلك لتأمين حاجات منازلنا من اللبن والحليب والجبن، إضافةً إلى اللحوم، حيث كنا نقوم برعي الماشية منذ ساعات الفجر وحتى المغرب، لنعود بعد ذلك إلى المنزل ونبدأ حلبها، ومن ثم تقديم العلق لها في المساء، وهذا عملنا في كل يوم”.
محبة القرية والتعلق بها
وأردف حاج منصور: “إن الألفة والمحبة اللتين وجدتا في القرية، منعاني من الانتقال إلى المدينة، فكما هو معلوم، إن الكثير من أهالي القرى انتقلوا للعيش في المدن، إلا أنني بقيت في هذه القرية، ولم أخرج منها أبداً، لأنني أفضل نمط العيش السائد في القرى، والذي يختلف اختلافاً كلياً عن النمط السائد في المدن، وهذا ما شجعني للبقاء في قريتي”.
واختتم “عبد العزيز حاج منصور” حديثه: ” تعرف قرية السلام بوطنيتها منذ البداية، فهي لا تزال تقدم الكثير لحركة التحرر الكردستانية، وقد أشاد القائد “عبد الله أوجلان”، في أكثر من مناسبة، بالحس الوطني، الذي يتمتع به أهالي قرية السلام، فضلاً عن أن القرية استقبلت أحد أعمدة حركة التحرر الكردستانية، وهو “الملا عبد الرحمن التموقي”، والذي كان من المقربين للقائد عبد الله أوجلان، حيث بنينا له منزلاً في القرية ليعيش فيه حتى استشهاده”.
منوهاً: “فأهالي قرية السلام التحقوا منذ البداية بثورة التاسع عشر من تموز في شمال وشرق سوريا، وقدموا العديد من الشهداء دفاعاً عن هذه الثورة وهذه الأرض”.