سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

قراءة في مفهوم العائلة ومشاكلها وآليات حلها

روناهي/ منبج – المدرسة الأولى والجو الأول الذي ينشأ فيه الفرد؛ وما يحمل في طياته من خبايا؛ يحمل منه الفرد أغلب صفاته ويكتسب منه كيفية مواصلة الحياة تحت مُسمى “العائلة”؛ فما أبعاد هذه الكلمة وتأثيراتها في حياة الشخص؟!.
لا شك أن هناك الكثير من النقاشات المختلفة حول موضوع العائلة، والكثير منها تختلف في العديد من النقاط, فالعائلة مؤسسة يتم انتقادها كثيراً. ولكن؛ من وجهة نظر أخرى، فإن العمل على إنهاء وجود العائلة أو العمل على زوالها سوف يكون له تأثير سلبي كبير على المجتمع بأكمله وعلى الترابط الأسري بالأخص، كما وسيخلق مشاكل كبيرة لا تُعد ولا تُحصى, فالكثير من وجهات النظر؛ كانت تُطالب بالمحافظة على العائلة وحمايتها أيضاً.
النضال الذي جرى خوضه في تلك الأعوام خلق معه الكثير من التغييرات الهامة في بنية مؤسسة العائلة؛ نتيجةً لذلك يتراود إلى الأذهان عدد من الأسئلة, وهي: “إلى أي مدى خلقت هذه التغيرات محيطاً لحرية المرأة؟ وأيضاً ما هي حرية الأطفال؟ وهل أنشئت علاقات ديمقراطية؟”؛ وللإجابة عن هذه التساؤلات؛ التقت صحيفتنا بعضوة مركز الجنولوجيا في منبج وريفها ياسمين كوجو.
 معاني متعددة لمفهوم العائلة
بدايةً؛ حول ماهية مؤسسة العائلة، تاريخها، وحاضرها، حدثتنا عضوة مركز الجنولوجيا في منبج وريفها ياسمين كوجو بالقول: “لم تكن الأسرة أو العائلة بالشكل المُتعارف عليه في يومنا الراهن, بل أن هناك الكثير من أشكال العائلة التي تحيا إلى يومنا الحالي في العالم بأكمله, عائلة اليوم تتكون من (الأب، الأم، الأبناء أو الأطفال)، وضمن هذا التكوين منح دور لكل فئة، فمثلاً منحت الأم مهمة العمل على خدمة البيت، بينما الأب منح مهمة إدارة البيت، بمعنى آخر فهو المسيطر. ولكن؛ لو عُدنا إلى الجذور التاريخية لتكوين العائلة، فهو مختلف عما هو عليه اليوم, فبداية الظهور التاريخي للعائلة كان يتكون من (الأم والأبناء أو الأطفال والخالات والأخوال)، ولكن مع توسع ظاهرة السلالة والسلطة، فقد حدث تغيراً في الأسرة أيضاً”.
وأشارت ياسمين في قولها بأن مصطلح العائلة باللغة اللاتينية أو الإنكليزية تلفظ “فاميلي” والتي تعني باللاتينية “العبد”, منوهةً إلى أن جذور كلمة فاميلي أو فاميلو هي لاتينية وتعني العبد، والعبد في عصور تطور اللغة اللاتينية كان يقصد به المرأة والأطفال العائدين لرجل ما.
وتابعت قائلةً: “أما في اللغة الكردية وللتعبير عن العائلة، فإنه تستخدم كلمات مثل: “مال بات أو خزان” والتي جذورها” مال باف” التي تعني المعيل أو من يحمل مسؤولية تربية وتنشئة الآخرين على عاتقه, كما أن مصطلح “ماليان” جذوره تعود إلى “مال باف” أو “مال تايتي”، ويُقال إنها آتية من اللغة الآرية القديمة، التي تعني من يجلب الغذاء أو الطعام أو من أنت مجبر بجلب الطعام لهم, وفي اللغة العربية فإنه يتم استخدام “مصطلح العائلة” أو “الأسرة”، وهي آتية من جذر “ع ول” ومنها نتجت كلمة معيل وعائلة”.
 البدايات الأولى لشكل العائلة
من الهام التعرف على طبيعة شكل العائلة ومعرفة الشكل الذي كانت قائمة عليه ببداياتها, ففي بدايات التاريخ لم تكن هناك الحاجة لتخصيص بعض الأشخاص لإطعام بعض الأهالي أو للعمل على جلب الطعام لهم, ولم يكن كما معنى الكلمة في الإنكليزية فئة أو أفراد عائدين لرجل ما, بل كانت الأم والخالات والأخوال بشكل طبيعي يهتمون بالطفل فور ولادته. ولكن؛ مع مرور الوقت وترسخ ظاهرة السلطة، فقد تغير ذلك ليؤدي إلى ظهور الكثير من الأنماط والأشكال للعائلة. وإلى يومنا الحالي، تتواجد هذه الأشكال فالكثير من القبائل إلى الآن تقوم المرأة بإدارة أمور العائلة فيها. ولكن؛ النمط الذي توسع بشكل كبير، هو شكل العائلة التي يتحكم بها الأب أي الرجل.
 تغييرات جذرية في بنية العائلة، لابد منها
وعن كيفية إحداث تغييرات في العائلة، والمنظور الإيديولوجي فيها بينت ياسمين بالقول: “يمكننا القول وبكل تأكيد أن ظهور السلطة خلق معه تغيراً في شكل العائلة، فتحولت إلى مؤسسة ترسخت فيها ثقافة السلطة أكثر فأكثر، ومورست فيها هذه السلطة بكل حذافيرها، بالطبع لم يقتصر الأمر على المرأة فقط، بل طُبق على الأطفال أيضاً. لهذا؛ يتم تقييم العائلة على أنها أيديولوجية الدولة ونواة نظامها, فشكل النظام العائلي الذي منحه الأب للأسرة، هو في الوقت ذاته شكل نظام الدولة نفسها, وانتقد القائد عبد الله أوجلان نظام العائلة أو الأسرة بالقول: “في الوقت الذي تعتبر العائلة الركيزة الأساسية لسطلة الرجل, فإنها تعتبر أيضاً النواة الأساسية لتشكل الدولة, فالرجل المتسلط في العائلة يعمل كنواة للدولة””.
 الجهود المبذولة من قِبل المرأة
عمل المرأة منذ الصباح على تيسير أمور المنزل والأطفال، بالإضافة إلى كونها تعمل وتنظف وتلبي احتياجات جميع أفراد الأسرة, من دون أي مقابل سواءً لجهودها الفكرية أو الجسدية أو العاطفية كما أنه أحياناً لا تولى أي قيمة لجهودها تلك, تصل المرأة التي تبذل كل جهدها في إرضاء الرجل والأطفال وأهالي الزوج لمرحلة تنسى فيها ذاتها؛ فتصبح جاهلة بما يهم ذاتها. وبهذا الصدد ذكرت ياسمين: “بالحديث عن إيلاء القيمة للمجهود التي تبذله المرأة؛ فإننا لا نقصد الأجر المادي، بل حتى إن الاحترام لا يمنح لجهود المرأة, كما وتعتبر العائلة البؤرة الأساسية للعديد من المؤسسات التي تعمل على زيادة نفوذها، ومنها الرجل والعشيرة وحتى الأديان كلها تهدف إلى زيادة النسل وبالتالي زيادة النفوذ, بالطبع الإنجاب وزيادة النسل حق طبيعي في الحياة والكون. ولكن؛ حينما يتم فرض الإنجاب على المرأة من دون مراعاة إرادتها؛ فإنها حينها تتحول إلى ضحية تطبق عليها تلك الرغبات، وهنا بالذات تكمن المعضلة”.
 بدلاً من الإنهاء.. إيجاد الحلول للتغيير
ومن الهام إبراز الجوانب التي من المفترض أن تتغير في العائلة بدلاً من العمل على إنهائها؛ لأنها تملئ حيزاً كبيراً في المجتمعية، فإن علمنا على إزالة وإنهاء دور العائلة قبل العمل على ملئ هذا الحيز سوف نواجه نتائج كارثية, وهذا ما نراه في أوروبا حيث تشتت الأسرة فيها؛ يجلب معه كوارث تطال المجتمع من هنا يأتي أهمية العمل على تطوير آلية لتغيير العائلة نحو الأفضل, هذا ما أكدته ياسمين، وتابعت بالقول: “إننا نؤكد على أنه بالرغم من أن العائلة تعتبر مؤسسة للتسلط وعلى الأخص لسلطة الرجل على المرأة والأطفال. لكن؛ يجب ألا نتناسى بأن للعائلة دور هام على مرِّ آلاف السنين في الحماية المجتمعية”.
 إنهاء فكرة التملك بداية للتغيير!!!
تتواجد فكرة التملك دائما من وجهة نظر العائلة إلى أفردها وفي هذا أشارت ياسمين بأنه “لا بد من إنهاء السلطة على المرأة والأطفال والذي ينظر إليهم بنظرة تملك لهم, ولتحقيق هذا؛ فعلى الرجل والمرأة تغيير نظرتهم لأطفالهم أيضاً, وكما يجب ألا ينظر أي طرف منهم للآخر على أنه ملك له. لذا؛ يجب أن يكون للرجل والمرأة والأطفال خصوصيتهم العائدة لهم، ولكن يجب عدم إهمال النقاش فيما بينهم ومحاولة إقناعهم لبعضهم البعض ومن دون فرض ذاتهم على الآخر وعدم كسر إرادة المقابل لهم, فببنائنا لثقافة كهذه، يمكننا أن ننهي السلطة في العائلة”.
وأردفت: “الأمر الآخر الذي ينبغي أن تكون مقاييس الغريزة الجنسية مرتبطة بالفكر, فمثلاً أن تجاوزت العائلة هذه المقاييس للحدود الفكرية وأهملتها، فإنها سوف تخلق عائلة متأزمة دائماً لأن تلك العائلة سوف تحيا على الغرائز والتي تنتعش في بؤرة السلطة, ونشاهد اليوم الكثير من العوائل، تظهر فيها حالات التحرش والاعتداء الجنسي والعلاقات اللاأخلاقية المطبقة على النساء والأطفال”.
 الحياة المشتركة مبنية على مراعاة خصوصية الطرف الآخر
وعن جوانب التغيير في الحياة الزوجية وبناء الحياة الزوجية التي يجب أن تكون مشتركة بين الطرفين ومبنية على مراعاة خصوصية الطرف الآخر, سردت ياسمين لصحيفتنا: “يجب أن تكون الحياة بين الطرفين حياة تشاركية مبنية على معرفة خصوصيات بعضهم, وليس بنمط الحياة التي يُنظمها المجتمع لهم مسبقاً, فمثلاً إن رغب طرف ما بأن يبقى لوحده، ينبغي ألا يكون هذا سبباً يؤدي إلى قيام القيامة, كما أنه لن تكون العائلة ديمقراطية، إن لم يكن للمرأة خصوصيتها فيها والتي تكون مبنية على أساس إرادتها, عندما نتحدث عن الخصوصية، فإننا لا نقصد به الانقطاع والانفصال، بل احترام أن تكون المرأة صاحبة قرارها ولأجل هذا يلزمها الوعي والاقتصاد المستقل، وأن تكون الشروط والظروف ملائمة، وحتى أن تكون المرأة نفسياً مهيأةً لذلك”.
 العائلة الديمقراطية, نواة العائلة السليمة الصحيحة
وحول كيفية بناء عائلة ديمقراطية، أكدت ياسمين بالقول: “لديمقراطية المجتمع يجب النظر إلى الأرضية التي تتشكل عليها؛ فهي تُبنى على أية ثقافة, فمثلاً عندما يتزوج شخصان، فعلى أي أساس يقرران ذلك، فهل هي على أسس مادية أو غريزية أو لأهداف سامية ينظمون حياتهم, كما يجب أن تبنى العائلة على أسس واضحة، فقديماً كانت تتكون العائلة بالغصب، أما الآن، فإن الزواج يكون بطرق مختلفة وكثيرة. ولكن؛ معظمها ليست بالطرق السليمة والصحيحة لتكوين علاقة بين طرفين”.
وفي نهاية حديثها؛ بينت عضوة مركز الجنولوجيا في منبج وريفها ياسمين كوجو؛ قائلةً: “يجب أن تكون العائلة قائمة على النقاشات فيما بينها لا سيما في أمور شكل علاقاتهم وكيفية حماية حق الأطفال والمرأة وحتى حق الرجل أيضاً, كما في حال ظهور مشاكل فيجب ألا تكون طُرق حلها بالطرق التقليدية وبالانزعاج والمشاكل, بل يجب حلها سلمياً وتحمّل كِلا الطرفين لبعضهما البعض، وإن صدف وحدث انزعاج، فيجب أن تتم محاولة الفهم، وعلى الأخص فهم الآخر، ومن ثم البحث في سبب المعضلة ليتم حلها”.