إن المتابع لفعاليات الدورة الثالثة للأسبوع الأدبي، الذي نظمه ديوان الأدب لشمال وشرق سوريا قبل أيام بمدينة ديرك، والتي تناولت محاور نقدية وبحثية عديدة تركزت حول قضايا النشر والتأليف، وأدب الطفل، والنقد الأدبي، إضافة إلى قراءات قصصية وشعرية باللغتين الكردية والعربية، سيجد أن الأسبوع الأدبي بات شأناً وإنجازاً ثقافياً، ومحطة سنوية بارزة، وحدثا فكريا مؤثرا بما امتلك من برامج متجددة بعيدة عن التقليدية، مشكلاً مركزاً حوارياً بين الأدباء أنفسهم من جهة والجمهور من جهة ثانية، ومن المناطق كافة، كما يعد واحداً من أهم النشاطات الأدبية الثقافية في منطقة شهدت تطوراً على المستوى الثقافي الفكري والاجتماعي، الذي أعقب مرحلة من القمع والحرمان، والسكونية، فأغلب اللقاءات الأدبية والفعاليات الثقافية اليومية سواء الأدبية أو الفنية واستمراريتها تعبير حقيقي عن نهضة ثقافية امتلكت مشروعية حوارية، وسمات وخصائص تفاعلية بين المثقفين، قادرة على تمتين آليات التواصل الأدبي بين الأجيال الأدبية كافة، خاصة أن هناك مجتمعا محبا وعاشقا للأدب والثقافة أجيالا متنوعة وتجارب إبداعية مختلفة، وبالتالي فإن انعقاد دورات الأسبوع الأدبي واستمرارها مهمة معرفية وثقافية، إذ شكلت ملتقى لمختلف الآراء، ساهمت في مد جسور التفاعل وتطوير بنية الحوار وتعزيزه من خلال طرح مختلف الأفكار على منصات علنية، ما منح الحقل الثقافي خصوبة فكرية متجددة، وشرعت نوافذ جديدة في البيت الثقافي منحت الأدباء أجنحة أكثر قوة للتحليق بثقة أكبر في فضاءات الإبداع يعد تحقيقاً وإنجازاً للمشهد الثقافي الاجتماعي.
إن البحث عن الحالة الإبداعية الأدبية ككل، وبعيداً عن التقليد والشللية ضرورة وشأن ثقافي مشروع قادر على تجميع الأقلام الأدبية وأعضاء الاتحادات الأدبية والثقافية، وإنجاز المظلة الثقافية التشاركية عبر استراتيجية فكرية قادرة على توليد وإنتاج اتجاهات الثقافة والأدب، وتعد المهرجانات والملتقيات الثقافية منصات للانطلاق بها خارج حدود المحلية، كما أنها قادرة على دعم الأديبات والأدباء الشباب، ودعم الأقلام الأدبية المشهودة لها بالإبداع بروح إبداعية مستقلة بعيدة عن حسابات الأجندات السياسية.
كما أن مشاركة الجمهور لفعاليات الأسبوع الأدبي تشكل علامة بارزة على التفاعل، ما تمتلك ذائقتهم الخاصة من قوة النفوذ للمحتوى، ورؤية نقدية قادرة على التميِّز بين أدب جيد وآخر رديء، وبالتالي؛ فإن مشاركتهم والاستماع إلى آرائهم هي قضية بنيوية تفاعلية أكثر من مهمة وضرورة ملحة لإنجاز الحالة الثقافية الصحية وصولاً إلى القرار الثقافي الصائب.
الفعاليات الأدبية ينابيع خصبة ينهل منها الأدباء كما ينهل منها جمهور المثقفين الفائدة والمتعة والحكمة، ومن هذا المنحى، فإن غيابها عن المشهد الثقافي سوف يقود الكتّاب إلى الانكفاء على أنفسهم، بغياب أي اهتمام نقدي، على العكس تماماً من حضورها ومشاركتها الجماهير، التي تمنح وتحقق شروط المثقف أو الكاتب العضوي الملتصق مع هموم شعبه وقضاياه العادلة، ومن هنا كان ينبغي للأسبوع الأدبي أن يخرج بتوصيات أساسية بنهاية كل يوم من أيامه السبعة لتشكل في ختام أعماله مادة يمكن الاتكاء عليها، في مخرجات آنية وبرنامج عمل مستقبلي للفترة المقبلة، والتي تفصل بين الدورة الثالثة الحالية، والدورة الرابعة القادمة، لتطوير الإمكانات الأدبية ضمن المستوى المحلي والإقليمي.