هيفيدار خالد
شنَّت دولة الاحتلال التركي هجوماً واسعاً ضد مناطق شمال وشرق سوريا، مستخدمةً كافة صنوف الأسلحة من الطائرات المُسيّرة والحربية وصولاً إلى الصواريخ والقذائف المدفعية، واستهدفت في هجومها الأخير الهمجي هذه البنى التحتية والمنشآت الحيوية ومراكز الطاقة والغاز ومحطات الكهرباء والمياه والمستشفيات والمراكز الصحية والمدارس، مما أدى إلى خروجها عن الخدمة وتدميرها بشكلٍ كامل، كما أسفر هذا الهجوم الإرهابي عن فقدان أكثر من عشرة مدنيين لحياتهم وإصابة العشرات.
هذه الهجمات الوحشية خلقت معها أزمةً إنسانيةً فاقمت معاناة السكان المدنيين المقبلين على فصل الشتاء، خاصةً أن المنطقة محاصرة من جميع الجهات وتعاني أزمةً اقتصادية كبيرة في الفترة الأخيرة، نتيجة هجمات الدولة التركية المستمرة، وَسْطَ صمت دولي مطبق من قبل الجميع، وبالذات من قبل ما تُسمَّى الدول الضامنة، مثل: روسيا والتحالف الدولي.
طبعاً، هجمات الدولة التركية هذه وممارساتها العدائية تمثل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي والإنساني، وتعتبر جريمة حرب، فاستهداف سبل عيش المدنيين والمؤسسات التي تقدم لهم الخدمات اليومية جريمة يُحاسَب عليها مرتكبوها، وتحاول الدولة التركية من خلال هذه العمليات العدوانية ضربَ الأمن السائد وزعزعةَ الاستقرار في المنطقة.
كما أنَّ هذه الهجمات لا تخدم مصلحة الشعب السوري وبالخصوص سكان شمال وشرق سوريا، حيث إنها تعمّق هوَّةَ التعقيد في الوضع الإنساني والسياسي في سوريا بشكل عام؛ لأن تلك الهجمات تستهدف سيادة الأراضي السورية، إلا أن الأخيرة لم تحرك ساكناً، بل التزمت الصمتَ الخجولَ حيال ما تعرَّض له السوريون في شمال وشرق سوريا، ولم تُدلِ ببيان تنديد أو استنكار لما يجري على أراضيها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
فعلى الرغم من شدة الهجمات المستمرة التي لم تنقطع، إلا أن سكان شمال وشرق سوريا الذين دافعوا عن أرضهم وعن مناطقهم ووقفوا بعزيمتهم وقوتهم في وجه إرهاب هجمات داعش، هم اليوم يقفون بالروح والمسؤولية ذاتها في وجه هجمات دولة الاحتلال التركي ويتصدون بمقاومتهم لمشقات الحياة، وبإرادتهم وتمسكهم بأرضهم، وعدم تركها لأحد وعدم الرضوخ أو الاستسلام للسياسات والممارسات التي تُطبق بحقهم لم يذعنوا لتلك الدولة المحتلة، فهي التي حاولت مراراً أن تفرض عليهم التهجير من قراهم ومدنهم التي دافعوا عنها بدمائهم وبدماء أبنائهم وبناتهم.
سكانُ شمال وشرق سوريا باتوا على دراية كاملة بأن الهجمات المستمرة، إنما هي استهداف لمشروع الإدارة الذاتية القائم في المنطقة ويوماً بعد آخر يزدهر بسواعد أبناء شعوبها من عرب وكرد وسريان؛ لذا من الآن فصاعداً من المستحيل أن تتخلى تلك الشعوب عن أرضها ومكتسباتها لمحتل غشوم يحاول عاجزاً أن يفرض سلطته على دماء تلك الشعوب المظلومة.
لذا أثبتت مقاومة سكان المنطقة بأن تركيا لن تستطيع كسر إرادة شعب يؤمن بنضاله وقوته وعزيمته، تلك التي استمدتها من أفكار القائد عبد الله أوجلان وأن ذلك الشعب قادر على تغيير مسارات السياسات المحاكة ضدَّه في غُرف الظلام.