الحب هو سرمدية الحياة رغم وجعه، خيط رفيع ومتماسك بعناية ما بين شخصيات المرأة في كل القصص من زينب بطلة “على مرمى قبلة” التي حملت المجموعة عنوان كتابها الجديد الذي نشرته الكاتبة الروائية والشاعرة اللبنانية الامريكية إخلاص فرنسيس، الذي تم عرضه بمعرض القاهرة الدولي وسط احتفاء واهتمام كبير والذي حاولت القاصة والكاتبة إخلاص فرنسيس تجميع الهم والوجع الإنساني، وخاصة لدى بطلات قصصها التي كان الحب والألم والظلم والانتظار والقهر العامل والخط المشترك عبر مجموعة من القصص القصيرة التي اجتمعت بين دفتي كتابها.
فمن الرومانسية الانيقة التي استطاعت الكاتبة ببذخ لغتها الجميلة وجمال تعابيرها واستخدامها الرائع للمفردات خلق فلسفة جمالية تربط وتشد ما بين الشخصيات وأعمالها وتصرفاتها وأحلامها، فمن زينب إلى آمال وجوليت ورازسن المرأة الكاتبة في قصة “نظرة وفلسفة امرأة” إلى “الثأر”.
كان من الممكن أن تتحول مجوعة شخصياتها ومواضيع قصصها إلى رواية، تروي فيها وجع كل الشخصيات بعمق واسهاب، رابطة بين أمل شخصية وخيبة وبؤس شخصية ثانية، ومن شخصية ناضجة إلى شخصية تلك الطفلة التي غابت في زحام الحياة وهي تمسح بلور السيارات، لكنها كانت تود أن تمسح وجوه السائقين والركاب وقلوبهم، أن تمسح وجه الحياة البائسة لتحصل على وجه جميل مؤمنة بأن إعادة ترتيب الإنسان هو إعادة لترتيب فوضى العالم الذي بات ينهش ويدمر ويقتل.
ومن شخصية جولييت الزنجية الساحل عاجية المعدومة والتي يباع لحمها وعرقها وتعبها في مهب ريح جشعة، لا ننسى أن نذكر بأن الكاتبة استطاعت أن تنقل لنا عبر نظرتها وكلماتها المفعمة بالحب والحزن معاً عدة صور للمرأة الإفريقية، حيث تتنقل الكاتبة بين قارات الأرض فلا تهمل الشخصيات البسيطة والعفوية من الحياة والمجتمع فتحولها إلى بطلة تدور محور قصصها عن شخصيات عاشت حياتها في القاع، واستطاعت عبر قصص سردية أن تنجح في خلق عنصر التشويق للمتابعة وتوجد حبكة تأخذ القارئ في مساراتها عبر اسلوبية متقنة وخلال سبع وعشرون قصة تحكي مساحات كبيرة من الألم.
وحكاية سبع وعشرون امرأة في عدة دول وجغرافيات مختلفة وحدتها الانسانية والوجع والحب، فالمكان متنوع حيث اعتمدت الكاتبة على رحلاتها وتجوالها فمن مصر تأخذنا إلى لبنان لتعود بنا إلى سويسرا حيث لقاءها بشخصيات شرقية وكردية تحديداً، وفي بلد اوربي راقي لتوضح لنا عمق الدفء والحميمية التي توحد الفكر والقلب حول مجمر النار وحول ترانيم موسيقية لم تفهم كلمات اغنيتها لكنها ادركت أن شغفاً ما يعود بها إلى الشرق الذي كان سيكون أجمل لولا الحروب والطائفية والشوفينية تعود بنا من ضيافة تلك العائلة الكردية من صقيع سويسرا إلى ساحل العاج الحار.
الحب ودفء العلاقات إلى الحرب والاقتتال الطائفي، فتاة حركة أمل الشيعية في علاقة عشق مع حبيبها الذي بحكم طائفته ومذهبه ينتمي للكتائب المسيحية الذي يرفض فكرة الهروب معها للحفاظ على تربطها العائلي.
تقضي معه وقتاً جميلاً في الفندق وتجدد نشاطها الروحي تحمل معها روحاً وهو يمضي للمصح النفسي للعلاج من حالة نفسية وحالة اغتراب، لعلها هي أيضاً التي بللها المطر ودخلت في جسده وفي روحه حينما فتح لها معطفه ليحميها من البلل تحت المطر وربما قطف لها قبلة ما، بقيت تستمتع بطعمها عمراً طويلاً امتد لغاية كتابة سطور الحكاية.