مع دخول قانون قيصر اليوم حيز التنفيذ نكون أمام مرحلة فريدة وجديدة من عقوبات شاملة ربما لم يعرف العالم مثيلاً لها منذ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي في ثمانينات القرن الماضي، حيث سيشكل دخول قانون قيصر حيز التنفيذ تحولاً مهماً في تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع الملف السوري.
حيث يمنح القانون الرئيس الأمريكي ترامب معاقبة النظام السوري على جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق المدنيين السوريين، ويمنحه الحق في وقف العقوبات إذا ارتأى أن الأفراد المعنيين بالنزاع انخرطوا في المفاوضات التي ترمي إلى وقف العنف ضد المدنيين، وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي للقانون هو حماية المدنيين من العنف، إلا أن معظم بنوده تتناول عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية تستهدف بشكل أساسي عملية إعادة إعمار سوريا وتؤثر على الحياة العامة للمدنيين، بحيث يبين القانون حرص واشنطن على أن يكون لها كلمة الفصل في هذا المسار ويستهدف أيضاً عدداً من الصناعات من ضمنها كل ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية والصناعات العسكرية وإنتاج النفط والطاقة.
كما يجيز هذا القانون مراقبة أعمال المصرف المركزي السوري في مجال غسيل الأموال، كما يجيز لوزير الخزانة الأمريكية خلال 90 يوم من دخوله حيز التنفيذ أن يحدد ما إذا كان المصرف المركزي السوري مؤسسة لغسيل الأموال أم لا، وفي حال ثبت ذلك سيرفع الوزير تقريراً إلى الجهات المعنية لإنزال عقوبات على المصرف المركزي أيضاً. التداعيات الاقتصادية لا تقتصر على النظام السوري فقط بل ستشمل حزب الله وإيران وروسيا، وقد أكد قانون قيصر أن المرحلة الثانية من تطبيقه ستبدأ بين شهري “تموز وآب” المقبلين، وستُفرض عقوبات على كل من يتعاون مع النظام السوري عسكرياً ومالياً.
حيث أكد قانون قيصر على أن العقوبات الأمريكية لن تُرفع عن النظام قبل تحقيق شروط عدة: ومنها وقف قصف المدنيين والمراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية، رفع الحصار عن المناطق المحاصرة، السماح بمرور المساعدات الإنسانية، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى المعتقلات، عودة المهجرين بطريقة آمنة، محاسبة مرتكبي جرائم الحرب. ويمنع القانون أي محاولة دولية للانفتاح على النظام السوري سياسياً، وقد أكدت واشنطن أن كل الحكومات التي تسعى إلى المصالحة وإعادة العلاقات مع النظام السوري ستكون عرضة للعقوبات، كما يحق لواشنطن فرض منطقة آمنة أي حظر طيران إذا دعا الأمر إلى ذلك.
وفقاً لهذه المعطيات لن يكون قانون قيصر مجرد قانون عادي، بل هو قانون متحرك وفق المتغيرات الواقعية فضلاً عن كونه يمتلك أذرعاً عسكرية بعبارة أخرى سيخضع القانون لاعتبارات سياسة بما يخدم المصلحة الأمريكية في المنطقة، وتكمن أهمية قانون قيصر في إنه يتجاوز البعد الاقتصادي للضغط على الحكومة السورية، ليشكل تهديداً استراتيجياً للنظام السوري وإيران وروسيا لأنه سيمنع روسيا وإيران من أي استثمار سياسي أو اقتصادي في ظل فرض القانون على سوريا.