No Result
View All Result
المشاهدات 1
تحقيق/ جمعة محمد ـ شيلان محمد –
يصف عدد من القادة والمقاتلين الذين شاركوا في حملة تحرير منبج المعارك التي دارت في حي الحزاونة بالأشرس، حيث وضع المرتزقة الثقل الأكبر لقواهم في الحي، فكيف جرت وقائع هذه المعارك، وكيف جرت آخر المعارك التي أدت إلى تحرير المدينة من داعش؟!.
اعتمد مرتزقة داعش في حربهم داخل أسوار مدينة منبج على القناصة، الألغام، وتفجير السيارات المفخخة، هذا الأسلوب القتالي كثر استخدامه داخل حي الحزاونة وأكد القائد العام لكتائب شمس الشمال عكيد أحمد على أنَّ أكبر معركة دارت داخله، وقال: «كل يوم كانت هناك مفخخة تستهدف نقاط رفاقنا»، بهذه الجملة بدأ عكيد الحديث عن سير المعارك داخل حي الحزاونة، وأضاف: «في بعض الأحيان كنا نتقدم لنفاجأ بانفجار مفخخة خلفنا، كان داعش قد خبَّأها، الدمار الذي حل بالمباني داخل حي الحزاونة كان نتيجة الألغام والمفخخات التي فجرها داعش، 70 بالمئة من الدمار في الحزاونة كان نتيجة الألغام».
دبور منبج وهو أحد مقاتلي كتائب شمس الشمال، شارك في معارك تحرير حي الحزاونة، إذ يصفها بأنَّها «أصعب معركة»، ويقول: «بعد نحو 25 يوماً من المعارك دخلنا حي الحزاونة، واجهتنا صعوبات في أول عشرة أيام لأن قتال الشوارع كان صعباً علينا، وقعنا في أكثر من كمين نصبه داعش وقع على إثرها عدد من رفاقنا شهداء وبنتيجة ذلك اضطررنا إلى الانسحاب».
ويضيف: «حي الحزاونة كان الأكبر، فإذا استطعنا السيطرة عليه، ستكون مدينة منبج شبه محررة، المرتزقة الذين حاربونا كانوا من الأجانب، تعرَّفنا عليهم عن طريق الجثث، عندما دخلنا لأول مرة إلى الحي، ثبتنا ثلاث نقاط، عندما وصلنا إلى النقطة الرابعة وقعنا في أول كمين خسرنا فيه 13 شهيداً وبنتيجتها تراجعنا ولم نتقدَّم بعدها لمدة سبعة أيام من ضراوة المعارك، كانت مساعدة طيران التحالف ضعيفة؛ لأن داعش كان يتسلَّل إلى مناطقنا المحررة ويتمركز تحت الأبنية وبهذه الحال كان الطيران عاجزاً عن استهدافهم».
كانت معارك تحرير منبج صعبة وشرسة، لأن معظم المتواجدين بها وبأعداد «هائلة» كانوا من الأجانب الذين قدموا عبر تركيا.
إنقاذ المدنيين…المهمة الأصعب والأهم
لم يدع داعش المدنيين من أبناء مدينة منبج يخرجون منها بالرغم من اشتداد المعارك، وهذا ما صعّب مهمة مقاتلي مجلس منبج العسكري الذين أعطوا أمر تحرير المدنيين الأولوية، ولعل تأخُّر تحرير المدينة كان بسبب تواجد الآلاف من المدنيين بداخلها.
في حي الحزاونة عمل داعش على سحب كل المدنيين إلى وسط المدينة، وتجهز لخوض معركة عسكرية مفتوحة ضد مقاتلي مجلس منبج، قلة قليلة من المدنيين استطاعوا البقاء والهروب بعد اقتراب مقاتلي المجلس. يتذكر عكيد شمس الشمال إحدى المجازر التي ارتكبها داعش بحق المدنيين، ويقول: «في إحدى المرات كنا قريبين من طريق البيزار، عدد من المدنيين توجهوا صوب نقاطنا فاستهدفهم المرتزقة بالقناصات واستشهد تسعة منهم وبقوا في نقاط التماس بيننا حتى ضربت مدرسة الكرامة فاستطاع المدنيون سحب جثث الضحايا». ويذكر حادثة أخرى أنقذوا فيها 3500 مدنيٍّ في يوم واحد، إذ يقول: «نحن من أبناء مدينة منبج. لذا؛ كان لنا تواصل مستمر مع الأهالي، في إحدى المرات اتصل بي أحد أصدقائي وقال: إنَّهم متواجدون بالقرب من سوق الغنم، فتواصلت مع القيادة لأعلمهم بالأمر، كان هؤلاء محاصرون فيما بيننا وبين داعش، فطلبت القيادة مني التوجه شخصياً لتحرير المدنيين كوني على معرفة بهم، تقدَّمت إلى المناطق المحاصرة بمسافة 700 متر واستقبلت أول سيارة للمدنيين الذين خرج منهم ما يقارب 3500 شخص «.
وأضاف: «بدأ داعش باستهدافنا، وتوزَّع المدنيون بسرعة وبنتيجتها انفجر لغم أرضي مزروع بالماشية، لم يصب إلا مدني واحد، كان هناك قناصة يستهدفوننا لكن لأن المنطقة التي كنا فيها كانت أشبه بوادٍ منخفض، لم تكن القناصة قادرة على كشف مواقعنا بدقة، بعد ذلك بثلاث ساعات ظن داعش بأن المدنيين ما يزالون متواجدين هناك. لذا؛ وجهوا سيارة مفخخة إلى تلك المنطقة وفجَّروها لكن أحداً من المدنيين لم يصب بأذى لأن رفاقنا كانوا في المقدمة يعملون على حمايتهم، إلا أن ثلاثة من رفاقنا أصيبوا بينما استشهد رفيق في تلك العملية».
كان مقاتلو الحملة يوجهون المدنيين وفق الخرائط، يعملون قدر الإمكان على إبعاد المدنيين عن مناطق الاشتباك وتوجيههم صوب مناطق يستطيع مقاتلو المجلس الوصول إليها وكل ذلك كان عبر اتصالات مباشرة أجراها المقاتلون مع أبناء منبج.
ولفت عكيد إلى أن عدد مقاتلي كتائب شمس الشمال كان حينها يزيد على 250 مقاتلاً، وكل هؤلاء كان لهم أقرباء داخل المدينة يتواصلون معهم، بهذه الطريقة كانت أغلب عمليات التحرير تتم.
فهد محاصر مرة أخرى
بعد أن شارك في معارك تحرير المطاحن، وكانت قد تمت محاصرته فيها مرة، توجَّه فهد اللابدة وهو أحد مقاتلي كتائب شمس الشمال إلى الأحياء الغربية من منبج للمشاركة في تحريرها. في إحدى المعارك هاجم فهد برفقة خمسة من رفاقه أحد المباني المجاورة لمبنى «الشرعية»، بدأت مجموعته التحرك في الساعة الواحدة ظهراً، صعدوا إلى أحد المباني، حتى بدأ داعش بالهجوم عليهم.
يقول فهد متذكراً تلك اللحظات: «صعدنا إلى أعلى البناء حتى بدأ داعش إطلاق الرصاص علينا بشكل مكثف، كانوا يحاولون إلهاءنا عن القتال في حين كانت مجموعة منهم قد وصلت إلى أسفل البناء الذي تواجدنا فيه، دخلوا الطابق الأول بينما نحن في الطابق الثاني، سمعنا أصواتهم يطالبون منا الاستسلام، كان عددهم كثيراً، أشعلوا النيران في الطابق الأول وعلمنا حينها أنَّهم انسحبوا، قفزنا للأسفل وتفقدنا محيط المبنى حتى انسحبنا بعد أكثر من ساعتين على القتال».
وأضاف: «بعد انسحابنا أتتنا معلومات تفيد بأن عدداً من الجرحى المرتزقة موجودون هناك، عدنا وتفقدنا المكان لكننا لم نلق أحداً وعلمنا بأنهم أخذوا جرحاهم».
السرب.. آخر الأحياء
في يوم الجمعة وبينما كانت فترات الظهيرة قد أوشكت على الانتهاء، كان الدواعش متمركزين في حي السرب بمساحة لا تزيد عن ثلاثة شوارع. حي السرب كان آخر الأحياء التي بقي داعش يسيطر عليها في ختام المعارك، لكن آلاف المدنيين كانوا ما يزالون محاصرين داخل ذلك الحي يمنعهم المرتزقة من الخروج بغية استخدامهم كدروع بشرية.
لم يشأ مقاتلو مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية شن حملة عسكرية على الحي خوفاً على حياة المدنيين؛ لأن أي تحرك عسكري كان من الممكن أن يودي بحياة المدنيين، لذا لم يكن أمام المقاتلين سوى الالتفات لمطالب داعش التي أرادت الانسحاب من منبج صوب جرابلس.
يقول فهد اللابدة: إنَّه شاهد المرتزقة حينما انسحبوا من منبج، ويتحدث عن تلك اللحظات قائلاً: «كان داعشي واحد يختبئ بين عشرين مدنياً، وضعوا المفخخات في الأمام والمدنيين في المنتصف، الجميع لبس الأحزمة الناسفة، لم يكن أحد يستطيع ضربهم برصاصة واحدة».
ويضيف: «حاولنا تحرير حي السرب قبل أن تتم عملية الانسحاب، لكن عندما تقدمنا قليلاً رأينا بأنهم وضعوا المدنيين في الأمام واستخدموهم كدروع بشرية. لذا؛ تراجعنا، من كان يستطيع الخروج من المدنيين كان يخبرنا بهذه الحقيقة، لذا علمنا أننا إن أطلقنا طلقة واحدة فستصيب المدنيين وهذا الأمر لا نريده، أهم شيء لدينا هو سلامة المدنيين».
امتلكت فهد فرحة غامرة بتحرير مدينة منبج بعد خروج داعش، لكنهم بدؤوا بعدها على الفور بعملية تمشيط لحيِّ السرب للتحقق من المناطق التي تمركز بها المرتزقة.
قائد كتائب شمس الشمال عكيد أحمد (عكيد شمس الشمال) يقول متذكراً لحظات تحرير آخر حي في منبج: «لم أكن مرابطاً في تلك الجبهات، لكنني أردت أن أكون متواجداً في حي السرب لأشهد على لحظات التحرير، وصلت إلى الحديقة العامة، حيث أوقفنا السيارة وبدأنا نكمل المسير، عندها أخبرنا الرفاق عبر الجهاز اللاسلكي بأن السرب بات محرراً بشكل كامل».
وأضاف: «كنت أنا ورفاق قوات سوريا الديمقراطية أول الأشخاص الذين استقبلوا المدنيين في أولى اللحظات بعد التحرير، الناس لم تكن تصدق بأن هؤلاء هم قسد، كانوا يظنون بأن داعش تنكر مرة أخرى بزي قواتنا، لأن حادثة تنكر مماثلة حصلت في قرية عون الدادات (شمال منبج) وراح ضحيتها أكثر من 16 شهيداً مدنياً، كان الناس يخافون منا، قلنا لهم: إنَّنا أولادكم ولسنا من الدواعش، كان الذين يعرفوننا يقتربون منا، أما الآخرين فكانوا يبتعدون، اقترب رجل مسن مني وبدأ باقتلاع لحيته وقال بأنه لا يريد نموها مرة أخرى، والنساء كانوا يحرقون الثياب السوداء ومنهن من يدخن السجائر، كل شخص كان له طريقة خاصة للتعبير عن فرحته للخلاص من داعش».
قائد كتائب شمس الشمال يصف أكثر اللحظات المحزنة
«الحزن الذي لم نستطع نسيانه في جميع لحظات حملة منبج أو في كل دقيقة كان فقدان الشهيد فيصل أبي ليلى وكل شهدائنا، الشهيد فيصل كان له تأثير خاص»، يقولها عكيد متذكراً أكثر اللحظات التي لا ينساها طيلة أيام حملة التحرير.
ويضيف: «كان أبو ليلى قد طالب بوضع صورته بمدخل مدينة منبج، وبالفعل وضعت صورته في أول يوم من التحرير على دوار البطة، كنا نريد تحرير المدينة لنؤكد على أنَّنا وفينا بالعهد».
مصطفى أحمد، وهو شقيق القائد عكيد شمس الشمال، استشهد بعد فقدان أبي ليلى بثلاثة أيام، هذه الحادثة تركت تأثيراً على عكيد الذي يتذكر لحظات ما قبل استشهاد شقيقه بالقول: «جاء إلي شقيقي قبل استشهاده بأيام قليلة وكنا متخاصمين حينها، تصالحنا قبل استشهاده بيوم، وعدت والدتي أن آتي به إلى المنزل لتراه لكنني في اليوم الثاني جئت به شهيداً، تأثرت بذلك كثيراً، فقد وعدت والدتي أن آتي به إلى البيت ولم أستطع، كان استشهاد أبي ليلى وشقيقي مصطفى مؤثراً بالنسبة لي كثيراً، كل الشهداء كانوا كذلك، الشهيد اسماعيل وشقيقه اللذان استشهدا في الحملة».
ويضيف متذكراً لأحداث استشهاد الشقيقين: «لم نخبر عائلة الشهيد اسماعيل بأمر استشهاده حتى استشهد أخاه بعد 15 يوماً، كان الاثنان قد تزوجا في يوم واحد واستشهدا في شهر واحد، لم أعلم كيف أخبر والده، كان حلمهم الوصول إلى منبج وكانوا من أبنائها إلا أن الشهيد اسماعيل استشهد قبل الوصول إلى المطاحن بـ700 مترٍ عندما كان يسعى لإنقاذ أحد رفاقنا الجرحى».
تخلَّصت مدينة منبج وقراها يوم الـ12 من آب من مرتزقة داعش، وانطلاقاً من ذلك اليوم طُويت صفحة سوداء عاشوها وفتحوا صفحة جديدة لا يزالون يكتبون التاريخ عليها.
يعيش اليوم في مدينة منبج عددٌ هائل من السكان يتمتعون بالحرية في أجواء ديمقراطية، تدير جميع مكونات المدينة التي تسودها حالة من الأمن والاستقرار مع نهوض كبير في قطاعات الحياة كافة.
No Result
View All Result