مع مرور ثماني سنوات من التفجير الكبير الذي حدث في قامشلو لم تتوقف الأعمال الإرهابية في سوريا، فمنذ مطلع العام المنصرم كثف مرتزقة داعش هجماته الإرهابية في سوريا وخارجها بدعم من الدول التي يصب لصالحها تجذّر داعش في أوصال سوريا وعلى رأسها دولة الاحتلال التركي، وتبقى قوات سوريا الديمقراطية الدرع الأول في وجه مرتزقة داعش ومؤيديهم.
الذكرى الأليمة للمجزرة الدموية التي ارتكبها مرتزقة داعش في الحي الغربي بمدينة قامشلو، تتجدد كل عام في قلوب الأهالي الذين ذاقوا الويلات من مرتزقة داعش، ومع كل تحرك جديد للإرهاب في المنطقة يبقى العالم صامتاً أمام هذه المجازر الشنيعة بحق الأبرياء.
تفجير خلف دماراً كبيراً
فلا تغيب أوجاع شعوب إقليم شمال وشرق سوريا عن روزنامة الأحداث في الساحة السورية، ثماني سنوات مضت على التفجير الأليم الذي حدث في الحي الغربي بمدينة قامشلو، حيث استيقظت المدينة صباح يوم الأربعاء 27/7/2016 على صوت دوي انفجار هز قلوب قاطنيها قبل أركانها تلاه غمامة حصدت أرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم استيقظوا لبدء يوم جديد في هذه الحياة فكان آخر يوم لهم، ولتتحول هذه المشاهد الأليمة لجرح لا يندمل في ذاكرة كل من نجا من ذلك الجحيم.
وقد خلّف التفجير اثنين وستين شهيداً وأكثر من 175 جريحاً، عدا عن الدمار الكبير الذي ألحقه بممتلكات المواطنين، فالحي على مساحة دائرية قطرها 500 متر تضررت من التفجير الدموي.
لم تكن المجزرة ردة فعلٍ انتقامية لداعش الإرهابي فقط، إنما كانت فعلاً مباشراً من أفعاله الإجرامية التي طالت عدداً من المناطق في سوريا عموماً وفي شمالها خصوصاً.
خطر داعش يتجدد في سوريا
لم يكن تفجير الحي الغربي في قامشلو آخر عملية ضخمة لمرتزقة داعش بل سعوا للقيام بعمليات إرهابية كثيرة في سوريا، وبالرغم من دحر مرتزقة داعش وقطع أذرعهم في العديد من المناطق السوريّة إلا أن هذه الأذرع تتجدد باستمرار متلقيةً الدعم من الدول المجاورة التي يصب لمصلحتها بقاء داعش في سوريا.
وشهدت سوريا تكثيفاً كبيراً لهجمات مرتزقة داعش منذ بداية عام 2024، إذ يحاول المرتزقة إعادة أنفسهم في المنطقة من جديد من خلال هذه الهجمات التي تمحورت بين عمليات اغتيال وكمائن واستهدافات مفاجئة، أسفرت عن استشهاد مئات المواطنين، رغم الجهود المكثفة التي بُذلت للحد من إعادة انتشار داعش، واستيقاظ خلاياه النائمة في المنطقة، في محاولات لبقائه متجذراً في أوصال سوريا.
وقد وثّق المرصد السوري العمليات الإرهابية التي قام بها مرتزقة داعش في سوريا منذ مطلع العام الجاري، إذ نفذوا نحو 320 عملية وقُتل فيها 560 من العسكريين والمدنيين في سوريا.
ففي مناطق البادية السوريّة قام مرتزقة داعش بتنفيذ 168 عملية، في مناطق “بادية دير الزور، بادية حمص، وبادية الرقة، وبادية حماة، وبادية حلب”، أسفرت عن مقتل 476 شخصاً، أما ضمن مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان، تنفيذ 150 عملية، أسفرت عن مقتل 79 شخصاً.
ولربما خطر داعش يتجدد في سوريا مع بقاء العديد من المرتزقة في المخيمات، واحتضان الاحتلال التركي للعديد من المرتزقة التابعية لداعش في المناطق التي احتلتها تركيا عنوةً، إلى جانب الدعم الذي يتلقاه المرتزقة من سلاح وذخيرة للقيام بعملياتهم الإرهابية، حيث كشفت العديد من العمليات تواطئ تركيا في تقديمه لهم.
قسد تتصدى لأذرع الإرهاب
كما ذكرنا سابقاً شَنَّ مرتزقة داعش الإرهابيّ العديد من الهجمات على مختلف مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، محاولين إعادة إحياء أنفسهم من جديد، لكنَّه لم يتّمَّكَّنوا من تحقيق هجمات ناجحة، وذلك بفضل قوّات سوريّا الدّيمقراطيَّة التي عملت على إحباط معظم تلك العمليّات الإرهابيّة والقضاء على مُنفّذيها والقبض على آخرين، حيث نفذت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من قوات التحالف 28 عملية ناجحة أوقفت من خلالها العديد من محاولات مرتزقة داعش للقيام بعمليات تخريب في المنطقة، وتوزعت العمليّات ما بين مناطق: “مُخيَّم الهول – الثَّلجة – علوص – الشّحيل – الحمرات – البونيتل – الحسكة – الرِّقَّة – البصيرة – ذيبان- قامشلو- تل حميس- الدشيشة- أبو جرن- إسكندرون- الجرذي- حوايج ذيبان”.
وألقت القبض على 233 إرهابياً ومشتبه ومتعاون مع مرتزقة داعش خلال هذه العمليات، من ضمنهم 85 عنصراً تّمَّ اعتقالهم في عمليَّة “الإنسانيَّة والأمن”، و82 إرهابيّاً في منطقة “الحمرات” بالرِّقَّة، و40 في ضواحي الحسكة، وبعضهم تّمَّ القبض عليهم بمساعده الأهالي أثناء محاولاتهم الفاشلة في تنفيذ عمليّات إرهابيّة.
فيما بلغ عدد القتلى من العناصر المرتزقة عشرة مرتزق، من ضمنهم ستة مرتزقة؛ قُتِلوا أثناء تنفيذهم لعمليّات إرهابيّة فاشلة استهدفت القوى الأمنيَّة.
وتعمل قوات سوريا الديمقراطية على حفظ الأمن والسلام في المنطقة، إلى جانب ازدياد وعي سكان المنطقة بخطر داعش الذي يهدد أمنهم، فأصبحوا يعملون يداً بيدٍ مع قواتهم لدحر مرتزقة داعش بعد أن لاقوا الويلات منهم، وهناك الكثير من الأمثلة التي برهنت على تمسك الأهالي بأمان أرضهم، ومنها حملهم السلاح في أحداث سجن غويران في الحسكة وغيرها الكثير، فقد وقف سكان المنطقة مع قواتهم للدفاع عن سلامة مناطقهم من خطر داعش المحدق بهم.
داعش خطر عالمي لا محلي
لم تقتصر أعمال داعش الإجرامي على سوريا والعراق فقط بل سعى لتنفيذ عملياته الإرهابية في العديد من الدول، ومنها إطلاق النار الذي عقبه حريق ضخم في قاعة للحفلات الموسيقية بضواحي العاصمة الروسية موسكو، وقد راح ضحية هذا العمل الإرهابي 133 شخصاً فيما أصيب 145 شخصاً بجروح.
في مشهد دراماتيكي؛ تحولت فعاليات إحياء الذكرى السنوية الرابعة لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في بداية عام 2024 إلی مجزرة، بفعل تفجير مزدوج استهدف زوار قبره في مدينة كرمان في إيران، وتجاوز عدد القتلى الـ 100 وعدد الجرحى نحو 300 شخصاً، وتبنت داعش هذا العمل الإرهابي أيضاً.
وغيرها الكثير من الأحداث والتفجيرات الإرهابية التي حدثت في العديد من الدول، والتي يقف خلفها مرتزقة داعش، فعلى الرغم من التقدّم المطرد الذي أحرزته سوريا في الحد من القدرات العملياتية لمرتزقة داعش، لا يزال لديه والمرتزقة التابعة له القدرة على شن هجمات تُسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وعن معاناة إنسانية. ويعود السبب في ذلك وجود مخيمات تضم العشرات من عوائل المرتزقة ومنهم من حملة جنسيات أجنبية في سوريا، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي تم إحرازه العام الماضي، في إعادة هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم تبقى العملية بطيئة جداً، بالإضافة إلى السجون التي تضم مرتزقة داعش دون وجود محاكمة دوليّة لهم، ومرتزقة داعش يستغل هذه التحديات الأمر الذي ينطوي عليه تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي.
تركيا محتضنة لداعش
فيما تعمل القوات الأمنية القائمة على حماية وحراسة المنطقة في إبقاء وضع المخيم مستقراً، ويستهتر المجتمع الدولي بخطورة مرتزقة داعش وبخاصةٍ في المخيم، ويتقاعس للقيام بمسؤولياته تجاه ملف داعش الذي بقي عالقاً دون حل جذري، فلا الدول تأخذ رعاياها من مرتزقة داعش، ولا يؤيد أو يقيم محاكمة دولية لمحاسبة مرتزقة داعش، على الرغم من مناشدات الإدارة الذاتية الديمقراطية بخصوص هذا الأمر.
وبذلك تبقى الإدارة الذاتية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية وحدها تتحمّل كافة الأعباء المتعلقة بمنع تعاظم الخطر الإرهابي في سوريا وخارجه، وتقليل وحشية العمليات الإرهابية التي تنفذها خلايا مرتزقة داعش، وسط هذا التقاعس الدولي، ولا سيما المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية التي تخلّت عن دورها.
والجدير ذكره أن داعش يتلقى دعمه الأساسي من الاحتلال التركي، فهو الداعم الأول له، وقد احتضنته تركيا في المناطق التي احتلتها ضمن سوريا ليوحد صفوفه ويعيد تشكيل خلاياه الإرهابية، فإن لم يخرج الاحتلال التركي من سوريا سيبقى مرتزقة داعش في نشاط دائم بالمنطقة.