سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

في التضليل الثقافي -2  “الفيسبوك”

دلشاد مراد –

 لقد ذكرنا في زاويتنا السابقة بعض من المشاهد المضللة في الحياة الثقافية كالسرقة الأدبية والفكرية، والتزوير والكذب في الدرجة العلمية الحاصلة، والتسلق على أكتاف الآخرين، ووجود كيانات ثقافية زائفة، دون أن ندخل في تفاصيل تلك الحالات.
وإلى جانب ذلك يمكن ملاحظة حالات أخرى وخاصة في المواقع الافتراضية، كقيام البعض بتوزيع جوائز وشهادات زائفة باسم منظمات وهمية على بعض الهواة في الأدب والفن، ويشاهد ذلك بكثرة في موقع الفيسبوك. فنرى إحداهن أو أحدهم يقوم من تلقاء نفسه بتصميم شعار جائزة  أو بطاقة شكر ويمنحها لكاتب أو شاعر هاوٍ أو حتى لشخص لا علاقة له بالإبداع عبر صفحته الشخصية للفيسبوك واضعاً نفسه وصياً على الحالة الأدبية والثقافية، فيشكر هذا أو ذلك ببطاقة شكر أو جائزة فيسبوكية، ليشبع عقدة النقص لديه، وكذلك لدى الشخص المتلقي للجائزة الوهمية، ويجعله واثقاً أنه أصبح بالفعل مبدعاً، فيتلقى كماً من الإعجابات الفيسبوكية، مما يزيد ذلك من حالة الوهم وتضخيم الأنا الذاتية، والبعض من هؤلاء أصبحوا عالة على المشهد الثقافي. وهذا بحد ذاته مؤشر على التأثير السلبي لمواقع مثل الفيسبوك على الإبداع الحقيقي. طبعاً هناك حالات تضليلية أخرى تحدث على موقع الفيسبوك، كإنشاء كروبات ومجموعات وصفحات بأسماء أدبية كبيرة لكنها في المضمون نراها تنشر أفكاراً سطحية وغير مفيدة وغير معمقة في الأدب والفن والفكر…إلخ، وهذا له تأثير على مجمل الحالة الإبداعية.
إن النقد الموجه لمواقع مثل الفيسبوك، لا يعني بالضرورة أنها غير مفيدة أو لا حاجة لنا بها، وإنما يمكن الاستفادة منها دون أن نجعلها وسيلة لتضليل الرأي العام أو أن نغرق فيها. حتى أنه لا داع لاستخدامها كوسيلة وحيدة ومفضلة لنشر الإبداعات الأدبية والفكرية، فالتأثيرات الجانبية لمثل هذه المواقع مضرة جداً، إلى حد يمكن اعتبار ذلك جزء من الجهود المبرمجة للنظام العالمي لإجهاض الإبداع الحقيقي وفرملة التفكير البحثي، إذ إنه علينا تذكر وإدراك أن المواقع الافتراضية ومنها الفيسبوك ليست إلا أداة مملوكة للنظام العالمي المهيمن، لمراقبة الأفكار واستهلاك طاقات المبدعين في غير محله، أي بمعنى آخر إن الفيسبوك أداة تضليلية ومخادعة في حقيقته وجوهره، وإلى جانب التضليل الذي يلجأ إليه بعض الداخلين في الوسط الثقافي عن طريق هذه الأداة، يمكن حينها تخيل حجم الضرر الذي يلحقه على الحالة الإبداعية.
ما يهمنا هنا أن نبتعد عن استخدام مواقع النت ومنها الفيسبوك في تضليل الآخرين، في سياق الحصول على مركز أو لقب زائف، فالمركز الاجتماعي أو الأدبي لا يمكن الوصول إليها بالتضليل والكذب والتسلق، وحتى لو تمكن أحد ما من الوصول إلى ما يرغب به بالوسائل المضللة، فأنه سرعان ما ينكشف، وحينها لن ينفع الندم، وكما يقال “نندم ساعة لا يفيد فيه الندم”، أو كما يقول المثل “حبل الكذب قصير”.
وكذلك يقع على عاتق النخبة المثقفة والكتاب مهمة الحفاظ على مبدأ المصداقية في الساحة الأدبية والثقافية، لأن العديد منهم يقومون بدور الظل لأشخاص انتهازيين، متسلقين، كذابين، غير جديرين أن يكونوا أصحاب إبداع حقيقي، وهذا يفرق عن مبدأ المساعدة الذي يقوي من ساعد الكاتب أو المبدع الناشئ، والأمثلة كثيرة حول هذا الموضوع بالذات..