انتشرت ظاهرة الحفر العشوائي غير الشرعي بحثاً عن الآثار في محافظة إدلب مع بداية الحرب السورية، وازدادت بعد سيطرة مرتزقة “هيئة تحرير الشام” ومرتزقة ما يسمى بالجيش الوطني السوري عليها في العام 2017.
حيث تعرضت مواقع أثرية وتاريخية هامة للتنقيب غير الشرعي، ما تسبب بتدمير العشرات منها إثر استخراجهم ما يتوقعون بيعه بمبالغ طائلة، وتكسير ما تبقى مثل الفخار والرسومات وأساسيات الجدران، بحسب سكان ومختصين من المنطقة، وحول هذا الموضوع أجرت وكالة نورث برس التقرير التالي:
قال “الصالح”: “معظم أصدقائي الذين يعملون في التنقيب غير الشرعي أصبحوا يعيشون حياة الترف وحصلوا على سيارات فاخرة، وذلك بعد عثورهم على قطع أثرية باهظة الثمن كالذهب والتماثيل”.
وأضاف: “تبدأ رحلة التنقيب في أحد المعالم الأثرية القديمة والرومانية عن طريق أجهزة كاشفة للمعادن والتي ترشدنا بدورها إلى القطع الأثرية وأماكن تواجدها، لتبدأ بعدها عملية استخراجها وبيعها عن طريق بعض المهربين والتجّار الذين يهربونها بدورهم إلى دول الجوار لتطرح بعد ذلك في السوق السوداء العالمية”.
عوائد بيع الآثار المنهوبة تموّل المرتزقة
وكانت مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة “اليونسكو” إيرينا بوكوفا، قد قالت في مؤتمر عقد في العاصمة البلغارية لبحث سبل مواجهة نهب الآثار السورية شهر أيلول 2015، إن المواقع الأثرية في سوريا تُنهب، وإن عوائد بيع هذه الآثار المنهوبة تمول “التنظيمات الإرهابية”، في إشارةً منها إلى المرتزقة المحتلة تلك المنطقة.
ولفتت مديرة “اليونسكو” آنذاك إلى أن الصور الفضائية أظهرت أن المواقع الأثرية في سوريا تنخرها الآلاف من الحفريات غير القانونية، مما يثبت أن أعمال النهب جارية على نطاق واسع.
وقال بهذا الخصوص مصطفى الروزة (36 عاماً)، وهو أحد الأشخاص الذين يمتهنون تجارة الآثار وتهريبها من ريف إدلب، إن “رحلة تهريب القطع الأثرية تتم عن طريق دولتين رئيسيتين هما تركيا ولبنان، حيث يتم بيع القطع الأثرية للتجّار بأسعار مختلفة بحسب نوع القطعة وقِدمها”.
وكشف “الروزة” أنه يتم تهريب القطع الأثرية إلى داخل الأراضي التركية ومن ثم بيعها لتجار عرب وأتراك هناك، وتابع: “حيث تتفاوت أسعار اللقى الأثرية فمنها ما يباع بأسعار مرتفعة جداً ومنها ما تكون أسعارها قليلة”.
وأضاف بأن أسعار العملات الرومانية تتجاوز ألفي دولار أمريكي للقطعة الواحدة، أما بالنسبة للتماثيل الأثرية فيتراوح سعرها بين ألف دولار ومئة ألف دولار للقطعة الواحدة حسب الرسومات والقِدم، بينما تُباع بأكثر من ذلك بكثير على يد تجّار مختصين وذوي خبرة، على حد تعبيره.
وتضع اتفاقية لاهاي (1954)، المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، قواعد لحماية السلع الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، إلا أنه تم نهب المتاحف والمواقع الأثريّة في سوريا بهدف الإتجار غير الشرعي بقطعها النادرة، بحسب ما وثقت منظمة اليونسكو.
وقال في السياق ذاته ناصر المهدي، وهو باحث في علم الآثار: “تعد مدينة إدلب من المدن الأثرية في سوريا إذ يبلغ عدد المواقع الأثرية فيها /760/ موقعاً، تعود معظمها إلى ما قبل الميلاد”.
وأضاف: “تضررت هذه المواقع نتيجة التخريب الكبير من قبل المنقبين غير الشرعيين الذين أتلفوا كل شيء للوصول إلى الذهب من جهة، ونتيجة استهداف الحكومة السورية لتلك المواقع من جهة أخرى إذ دمرت الطائرات والصواريخ كل معالمها الأثرية”.
وكان الاستمرار في نهب المواقع الأثرية وسرقة اللقى وتدمير بنية تلك المواقع عبر الحفر العشوائي، دفع مجموعة من الناشطين في مدينة إدلب لإطلاق حملة “أنقذوا آثار إدلب” في تشرين الأول 2018، بهدف حماية المواقع الأثرية وإيجاد آلية للحفاظ على ما تبقى من تلك الأماكن التي جرى تحويل بعضها إلى معسكرات تجنيد وتدريب، خصوصاً لمرتزقة ما تسمى بـ “هيئة تحرير الشام” ومتطرفيها الأجانب.
امتهنوا التنقيب غير الشرعي
وأشار حول الموضوع ذاته أحد سكان قرى جبل الزاوية، رفض كشف اسمه، إلى المرتزقة الموجودين في المنطقة بأن “أمراء في جبهة النصرة /هيئة تحرير الشام امتهنوا التنقيب غير الشرعي، وكانوا يمتلكون معدات وأجهزة لكشف المعادن والفراغ تحت الأرض، وقاموا بالحفر في عدد من المواقع الأثرية مستفيدين من سطوتهم ومناصبهم”.
وأضاف المصدر نفسه: “وحال اكتشافهم لأي شخص يقوم بالتنقيب، يتم توقيفه واعتقاله ولا يتم إطلاق سراحه قبل التأكد من أنه لم يجد شيئاً أو تحاصصه على ما وجد”، وفق تعبيره.
كما قال أحد سكان قرية “بوزغار” قرب الحدود السورية التركية شمال إدلب، رفض ذكر اسمه، إن المرتزقة اختاروا إحدى تلال المنطقة ليكون مقراً لهم، وتساءل: “لكن لماذا اختاروا هذا المكان من دون غيره؟ بالتأكيد لأنه تل أثري، فالحفر في هذه التلة لم يتوقف يوماً، كثير من القطع الأثرية خرجت من هنا وبيعت خارج سوريا عبر تركيا”.
تخريب الأوابد الأثرية ونهب محتوياتها
وأضاف: “حاول أهالي المنطقة مراراً معرفة المسؤول عن حفر الموقع الأثري لكن لم يتمكنوا من التأكد”، مشيراً إلى أن البعض قالوا إن الآليات والمقر تعود إلى مرتزق قيادي سابق ضمن مرتزقة النصرة يدعى أبو عبد الله، الذي كان يشغل منصب “أمير عسكري” سابقاً.
وبحسب شهود من المنطقة فإن مرتزقة هيئة تحرير الشام وحراس الدين ومرتزقة أخرى تسيطر على المنطقة طورت من آليات التنقيب غير الشرعي، “حيث تعمل بشكل منظم حالياً في المنطقة شرق أتوستراد دمشق – حلب”.
ولا توجد إحصائية دقيقة تظهر كمية الآثار المنهوبة والمهربة إلى الخارج بسبب صعوبة الوصول للآثار المباعة وتوثيقها، المدير العام للآثار والمتاحف التابع للحكومة السورية، محمود حمود، كان قد قال في شباط الفائت، إنهم يمتلكون وثائق تثبت قيام تركيا والمرتزقة التابعة لها بتخريب الأوابد الأثرية ونهب محتوياتها، من بينها أكثر من /30/ ألف قطعة قامت دولة الاحتلال التركي بمصادرتها أثناء محاولات بيعها، لكنها رفضت إعادتها رغم مطالب الحكومة السورية وشكاويها إلى المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.