تتميز الفنون الشامية بالتنوّع وتعدد الأساليب، إذ تجمع بين الأصالة والتأثيرات العالمية التي استمدتها، إمّا نتيجة اطلاع الفنانين الأوائل على تطور الفن في أوروبا، وإمّا من خلال الاختلاط بالفنانين، الذين قَدِموا إلى بلاد الشام فترة الانتداب الأجنبي.
ووثق عديد من الباحثين مراحل تطوّر هذه الفنون، وكان أشهرهم عفيف بهنسي، الذي قدّم وصفاً دقيقاً لها في مؤلفات فنية توثيقية عدة.
الزجاج
كان الزجاج من المكتشفات الفينيقية التي تمكّنت من الاستمرار عبر العصور، واشتهرت في العصر الإسلامي الأول باسم الزجاج الفينيقي، بخاصة في الفسيفساء الزجاجية التي نجد نماذجها اليوم في قبة الصخرة والمسجد الأموي.
وكانت الأواني على شكل قوارير وأباريق وكؤوس ذات ألوان زرقاء أو خضراء، بعضها شفاف وبعضها عاتم، وكان قد عثر في جبل أسيس بين أطلال القصر على كثير من الشواهد الزجاجية التي ترجع إلى القرن الثامن الميلادي. وفي الرقة، عثر على قدح من الزجاج كُتب عليه (صنع في دمشق)، يرجع إلى القرن التاسع الميلادي.
قصص مصورة
كان التصوير على الزجاج من الفنون القديمة التي حظيت بدعم واهتمام شعبي كبير، فقد رافق ظهورها انتشار القصص الشعبية المكتوبة أو المحكية في المقاهي على لسان “الحكواتي”، التي اشتهرت بكثير من المبالغة والحماسة من حكاية ألف ليلة وليلة إلى الزير سالم (أبو ليلى المهلهل) وعنترة بن شداد وبطولات أبو زيد الهلالي وطرائف أبو القاسم الطنبوري. إذ تفنن المصورون السوريون في تمثيل بعض مشاهد هذه الروايات وتصويرها على صفحات مستقلة منفصلة عُلقت في المقاهي أمام المستمعين في مرافقة بصرية متزامنة مع رواية الحكواتي، ليتهافت الناس على هذه الصور الملصقة أو الملوّنة مباشرة على الزجاج بصورة معكوسة، وقد لاقى هذا النوع من التصوير رواجاً، وأقبل عليه السيّاح وبائعو العاديات.
إضافة إلى فن تصوير النوافذ وفق أسلوب الزجاج المعشق، المؤلَّف من ألواح مفرّغة من الجص وفق تشكيلات زخرفية وتشبيهية مغطاة بقطع من الزجاج الملون. وقد عاد هذا الفن إلى الظهور مجدداً في الثمانينيات على يد الفنان التشكيلي السوري سالم الشوا.
الخزف الشامي
تتوافر أدلة وشواهد على صناعة الخزف في العهد الإسلامي الأول، على الرغم من أنها كانت تحمل بعضاً من الأصول التقنية المشابهة للفن الساساني، فإن أشكال الأواني ورموزها الحيوانية ميّزتها عن التقليد الساساني. وكانت الرقة السورية في العصر العباسي مركزاً مهمّاً لصناعة الخزف على اختلاف أنواعه ببريق معدني على شكل زهريات وأباريق وسلاطين وطاسات باللون البني الداكن الذي يميزه عن غيره، وتزينه زخارف نباتية وكتابات نسخية أو كوفية، وأحياناً رسوم طيور محورة بخلفيات ذات أشكال حلزونية، والخزف المزين بزخارف ملونة تحت ميناء شفافة غير ملونة أو ذات لون أزرق، الذي تميّزت به هذه المدينة.
أمّا في الشام فقد ظهرت أنواع من الخزف ذات أشكال تمثيلية كسراج الخروف أو حمامة وجد بعضها في الرصافة والرقة، ويُنسب إلى دمشق خزف ذي بريق معدني على هيئة أوعية أسطوانية زخارفها أشرطة أفقية أو حلزونية من الزخرفات النباتية أو الكتابات الدعائية أو رسوم الطيور، منها قدران كبيران في المتحف البريطاني. واستمر التقليد الشامي في التلوين الأزرق الفيروزي الذي تصطبغ خلفيته باللون الأرجواني، ثم أصبح اللون مخضراً في عهد المماليك.
وثمة تحفة محفوظة في متحف الكويت تعود إلى العصر المملوكي، كُتِب عليها اسم صانعها يوسف برسم أسد إسكندراني من دمشق. وفي متحف اللوفر سلطانيتان من صناعة الشام، إحداهما مزينة برسم أرنب، والثانية بأشكال اللوتس والكتابات العربية، حسبما ورد في كتاب “الشام الحضارة” لعفيف بهنسي.
ويؤكد بهنسي أن تقاليد صناعة الخزف التي ظهرت في الرقة والرصافة كانت انتقلت إلى مختلف الديار الشامية والمصرية، واستمرّت نشطة في مختلف العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية.
القاشاني
إنّ صناعة الألواح القاشانية في دمشق لا تختلف، في ما يخص مادة الصنع والتلوين، عن صناعة الأواني الخزفية. ويمتاز القاشاني الدمشقي بألوانه الباردة، الأزرق الكوبالت Cobalt والأسود والأخضر والأرجواني والباذنجاني، كما تمتاز مواضيعه بالدقة والغنى والكتابات الفنية.
ازدهرت صناعة القاشاني الشامي في العصر العثماني، بخاصة في دمشق. ونرى نماذج كثيرة من الألواح المحفوظة في المتحف الوطني بدمشق، وفي مسجد التكية السليمانية وجامع السنانية الأثري في باب الجابية وحمام القيشاني في دمشق.
سجاد دمشق
ازدهرت صناعة السجاد في سوريا بالعصر المملوكي، وتحدّث الرحالة الأوروبيون عن وجود مشاغل لصناعة السجاد في هذا العصر. واشتهر نوع خاص من السجاد أطلق عليه اسم “سجاد دمشق” المصنوع من خيوط الصوف، وكذلك كانت السداة (الخيوط الطولية) من الصوف أيضاً، ويمتاز برسومه الهندسية المترابطة كبلاطات منسقة، عدا عن العروق والأشجار والعناقيد ذات الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء والصفراء، وكذلك اشتهرت سوريا بالبسط ذات الوبر، وقد ذكر المؤرخ تقي الدين المقريزي أن القصر الفاطمي كان يضم بسطاً من صناعة القلمون.
وانتشر سجاد دمشق في أوروبا خلال القرن السادس عشر، بخاصة في البندقية “مرفأ الشرق”. وفي متحف الفن والصناعة في فيينا، مجموعة من السجاد الدمشقي تعدُّ من أجمل النماذج التي بقيت حتى اليوم. وكذلك في قاعة الفن الإسلامي في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، سجادة بقياس 6 * 9 أمتار بلون خمري وأشكال هندسية زرقاء ورسوم عربية ترجع إلى العهد الأموي.