No Result
View All Result
المشاهدات 0
تقرير/ إيفا ابراهيم –
روناهي/ قامشلو ـ منذ سبع سنوات من الأزمة ومعاناة المرأة السورية تتفاقم يوماً بعد يوم؛ بسبب نزوحها من مكان إلى آخر هرباً من العنف والقصف والممارسات اللاإنسانية، بالإضافة لمشقات الترحال، عدا عن ذلك الوضع الصحي وتنقلهن بغرض الحصول على العلاج والرعاية الصحية، وما زالت المرأة تعاني وتضحي بعد أن أخذت الحرب منها أفراد عائلتها، ولم تترك خياراً لها سوى الصبر والتحمل رغم المعاناة والجهد والألم.
تختلف قصص معاناة المرأة في البيوت السورية من منزل لآخر، ومن اللواتي ذقن المعاناة هدى العبد الله ذات الخمس وثلاثين عاماً من عمرها، وهي أمٌ لطفلين من منطقة الصالحية بدير الزور، كانت تملك منزلاً صغيراً، وأوضاعهم المادية كانت مستقرة، لكن بعد الأحداث التي حصلت في دير الزور وهجوم مرتزقة داعش عليها، أصبحت المنطقة تحت الحصار، وفي إحدى الليالي استهدف منزل هدى بقذيفة من الطيران الحربي، وراح ضحية هذه الضربة الجوية ابنتها وزوجها فوراً، ومن ثم توفي ابنها الصغير متأثراً بجراحه التي سببتها الشظايا، وأصيبت هدى أيضاً بضربة شظية في النخاع الشوكي، وأصبحت عاجزة عن الحركة والجلوس، وكانت الوحيدة المتبقية من أفراد عائلتها.
استضافها أخوها في منزله على الرغم من أنه لا يملك شيئاً، فصار أصحاب الخير يقدمون لها التبرعات، وسافرت برفقة أخيها إلى دمشق لتلقي العلاج، كانت رحلتهم شاقةً جداً لأن الأخ كان يقوم بحمل هدى من مكان لآخر لأنها غير قادرة على الحركة نهائياً، وبعد الفحوصات وتشخيص الأطباء أجريت لها عملية في دمشق ونجحت بنسبة 50%، فأصبحت بعدها قادرة على الجلوس فقط.
عادت هدى بعد تلقي العلاج إلى دير الزور برفقة أخيها الذي كانت تقطن عنده لأنها لا تملك مأوى ولا يوجد أحد يرعاها في حالتها الصحية تلك، وازداد الحصار سوءاً يوماً بعد يوم، فقرر الأخ إخلاء المنزل الذي ترعرع فيه هرباً من القصف برفقة عائلته وأمه الطاعنة في السن وأخته هدى العاجزة عن الحركة؛ ليسكنوا بمدينة الرقة لمدة ثلاثة أشهر، لكن بسبب عدم توفر الأدوية والعلاج لهدى والذي أكد الأطباء على ضرورة متابعته، لذلك؛ قرروا الذهاب إلى مدينة الحسكة لمتابعة العلاج، وبقيت هدى ووالدتها في المشفى بالحسكة مدة عشرة أيام، لكن أوضاعهم المادية لم تسمح لهم بالبقاء أكثر في المشفى، وانتقلوا إلى مدينة قامشلو وقام الأخ باستئجار منزل صغير ليسكنوا فيه بحي الزيتونية، وبدأ الأخ بالعمل ليلاً ونهاراً في سبيل تأمين لقمة العيش لهذه العائلة الكبيرة، ناهيك عن تأمين الأدوية لشقيقته المريضة.
مضت أيام على عائلة هدى ما بين الفقر والحاجة، وصعوبة الحصول على علاج، أو على أبسط المستلزمات التي تستخدم في علاج جروح هدى من شاش ومطهرات لضماد جروحها المفتوحة إثر الشظايا.
مرت العائلة بظروف قاسية وما زالت حتى الآن، ففي إحدى الأيام عانت هدى كثيراً من الألم، فأسعفها أخوها للمشفى الوطني بقامشلو، وأثناء فترة إقامتهم في المشفى للعلاج، ألقي القبض على أخيها من قبل قوات النظام لعدم التحاقه بالجيش والعسكرية الإجبارية، وأجبر الأخ على ترك عائلته ليبقوا وحيدين لا معيل لديهم، واتصلت الأم بابنتها الثانية القاطنة بدير الزور للمجيء إليهم لمساعدة أختها، لأنها لا تملك كرسياً متحركاً لتتنقل به، فتركت الأخت منزلها وعائلتها لمساعدة أختها، ولأن أهل الخير موجودون في كل مكان فقد قدموا لهم بعض المساعدات، وهذا هو حالهم منذ أكثر من سنتين.
وحول معاناتهن؛ حدثتنا الأم جميلة الياس بحسرة وعيناها ممتلئتان بالدموع قائلة: “بعد الأحداث التي حصلت في دير الزور وبعد إصابة ابنتي، التي أصبحت غير قادرة على الحركة، طلبت من أهل الخير مساعدتي لتقديم العلاج لها، وبعد مد يد العون من الأهالي، عانينا كثيراً وبخاصة أثناء تلقي العلاج لصعوبة تنقل ابنتي من مكان لآخر، ناهيك عن نزوحنا من منطقة لأخرى لتأمين مأوى آمن، حيث انتهى بنا المطاف إلى مدينة قامشلو في هذا المنزل الصغير وبمساعدة أهل الخير الذين يقدمون لنا احتياجات المنزل، لكننا نعاني من عدم توفر المياه حيث أننا لا نملك خزاناً للماء، ونواجه الكثير من الصعوبات بسبب ذلك، لكننا بالإرادة القوية نتحمل كل المصاعب، وهكذا تمضي أيامنا بمزيد من العناء، وبخاصةٍ بعد اعتقال ابني الذي كان يعيلنا، والوحيد الذي يساعد ابنتي المريضة كوني أعاني من ألم في ظهري فأنا مسنةٌ وعاجزة عن فعل أي شيء، لذلك وللحصول على المساعدة لابنتي العاجزة عن الحركة استدعيت ابنتي الثانية من دير الزور”.
تابعت الأم بالقول: “ماذا سأفعل سوى الشكوى لله، ففي كل ليلة وبعد نوم الجميع أصلي وأبكي وأدعي لربي وأشكو له وضعي السيء ليستجيب لنا لأن الشكوى لغير الله مذلة، وعلى الرغم من كل ما تعرضنا لهُ من الأوجاع والألم، أحاول التخفيف عنهم”.
وأفادتنا ريم عبد الله شقيقة هدى قائلةً: “كنت أملك منزلاً صغيراً في دير الزور للعيش به أنا وأولادي وزوجي، وأوضاعنا كانت مقبولة، وبعد القصف الذي ضرب مناطق بجانب منزلنا لم نتركه لأننا لا نملك أي مأوى آخر، وبعد إصابة أختي التي أصبحت غير قادرة على الحركة نهائياً وفقدان أهلي أثناء القصف، عانيناً كثيراً وبخاصة بعد ذهابهم إلى دمشق لتقديم العلاج لأختي، وبقيت مع عائلتي، وأنا الآن أقطن مع والدتي وشقيقتي بعد أن تلقيت اتصالاً من والدتي لتطلب مني المجيء إليهم لمساعدتهم في العناية بأختي، فقررت المجيء وتركت عائلتي ومنزلي في سبيل مساعدة أهلي، ولا أعلم أي خبر عن عائلتي الآن، فها أنا مع أختي لمساعدتها وأعمل كل ما بوسعي من أجلها، لكن الأمور المادية لا تلبي حاجة العلاج، وأعاني من نقص في مستلزمات العلاج”.
كما وحدثتنا نوال حسن زوجة أخ هدى: “عندي ثمانية أطفال، وكان زوجي يعمل لتأمين العلاج لأخته المريضة وتأمين مستلزمات العيش لعائلته وأولاده، لكن منذ أكثر من شهرين وزوجي في الخدمة العسكرية الإجبارية لدى جيش النظام، ومن بعد اعتقاله أعيش مع أطفالي الصغار وأتحمل المسؤوليات كافة، وأصبحت معيلتهم، وهو أمر صعب للغاية، ففي كل يوم يقوم أطفالي بالذهاب لسوق الهال الكبير للعمل بأجور زهيدة، وعند عودتهم نقوم بجلب المياه في كل يوم من البئر عند الحزام، لأننا نعاني من انقطاع المياه ونحن على هذه الحال منذ أكثر من شهرين”.
ولاتزال المرأة السورية صامدة وتواجه الصعوبات كافة في سبيل عيش أبنائها بسلام وتأمين لقمة العيش.
No Result
View All Result