لطالما استُعملت الشعوب الضعيفة المضطهدة في الشرق الأوسط على العموم في حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل، ففي الحرب العالمية الأولى زجت الدولة العثمانية بالآلاف من الشبان العرب والكرد والأرمن والشركس… وغيرهم من قوميات وأعراق مختلفة من مناطق ما كانت تسمى “الولايات العثمانية” إلى جانب الشعب التركي المغلوب على أمره في حروبها المستعرة ضد الدول الأوربية وروسيا القيصرية آنذاك، كل هذه الحروب كانت بفعل توسيع أو حماية الإمبراطورية العثمانية المهددة والمتداعية في تلك الفترة من قبل الدول الاستعمارية كإنكلترا وفرنسا التي بدأت بقضم الولايات المحتلة التابعة لها واحدة تلو الأخرى، إلى جانب اتباعها نفس النهج في تجنيد الشعوب المُستعمرة عسكريَّاً لخدمة آلة الحرب المدمرة لتنفيذ سياسة الهيمنة، والسيطرة على الموارد الطبيعية، وثروات شعوب الشرق الأوسط.
السيناريو يتكرر الآن بوجوهٍ أخرى وبأشخاص تعتبر أنفسها وريثة هذه العقلية المهيمنة المسيطرة والاستبدادية، فالدولة التركية – “المُسَيْطر” عليها بشكلٍ كاملٍ من قبل رئيس “العدالة والتنمية” أردوغان – تحاول اتباع هذا النهج ورسم مخططات خيالية لن تحقق لتركيا المستقبل الذي يطمح له الرجل، كما تطرق له خلال إحدى المناسبات التي كشف فيها عن أطماعه، ومخططاته التوسعية للهيمنة على مقدرات الشعوب، والاستفادة من حالة الفوضى التي تعم منطقة الشرق الأوسط على العموم، والاستفادة أيضاً من تناقضات الدول الكبرى والإقليمية، والتحالفات المتغيرة بوتيرة متسارعة.
لنعد إلى جزئية تطرقنا إليها في بداية الحديث وهي الاستفادة من الخزان البشري للمناطق المحتلة في سوريا من قبل آلة الحرب التركية بطريقة الارتزاق أو الاستفادة من الظروف الأخرى التي يعاني منها هؤلاء بغرض تجنيدهم بكافة السُبل، فبشكل يومي تقوم الدولة التركية بتجنيد الآلاف من المرتزقة السوريين والليبيين وحتى الصوماليين، وتستفيد من المال القطري لهذا الغرض، وافتتحت فعلياً العديد من المعسكرات التدريبية لتجنيد الآلاف من المرتزقة للاستعداد لتنفيذ المخططات الاستعمارية تلك، وبشكل علني، مع ارتفاع حدة التوتر العسكري، وخاصة في منطقة حوض المتوسط التي تشهد مناورات عسكرية من قبل دول إقليمية وكبرى كمصر واليونان تستشعر الخطر الاستعماري للدولة التركية، وآخرها إرسال واشنطن مدمرة إلى البحر الأبيض المتوسط في خطوة اعتبرها محللون رسالة عسكرية مباشرة إلى تركيا، مع ازدياد عمليات التنقيب عن النفط والثروات الطبيعية، ورغبتها في الهيمنة على المناطق النفطية الليبية عن طريق دعم حكومة السراج عسكرياً للسيطرة على الساحل الليبي الغني بالنفط كما ذكرنا آنفاً.
الدولة التركية الآن كما الدول المستعمرة تحاول اللعب على عواطف ومعتقدات الشعوب من خلال الدين، وصناعة تصوراتها الخاصة لخدمة مخططاتها، وفي حالة (آية صوفيا) خير مثال على ذلك من خلال الإعلان عن افتتاح هذه الكنيسة كمسجد، السؤال الذي يطرح نفسه لماذا اختار أردوغان هذا التوقيت بالذات…؟!، أعتقد بأنَّ هنالك هدفاً يعمل عليه أردوغان داخلياً وخارجياً من خلال تكريس مفهوم (خليفة المسلمين)، وزيادة شعبيته كزعيم إسلامي لكسب تأييد المسلمين بشكل عام، وتجديد فكرة (فرمانات الجهاد) التي كان يستخدمها السلاطين والولاة العثمانيين لفرض التجنيد على الشباب وزجهم في حروبها، وصرف النظر ولو مؤقتاً عن التدخلات التركية، والدور السلبي الذي تعمل عليه في المناطق المحتلة من قبلها، ومجمل التحركات والخطط الاستعمارية لها في الشرق الأوسط، ودعم الجماعات الإسلامية المسلحة المتشددة، وتجنيد آلاف الشبان من كافة المكونات على هذا الأساس.
أعتقد بأن الحديث عن تحرك دولي في هذا التوقيت قد يبدو متأخراً للجم الطموح التركي في الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب كما تخطط لها العثمانية الجديدة بقيادة أردوغان، ولكن لا مناص منه، لضمان عدم الانجرار إلى سيناريو مأساوي يقود إلى حرب دولية غير محسوبة العواقب على أراضينا قد تبدو وشيكة، وبدماء شعوبنا، وتعود نتائجها المدمرة علينا، لذلك فالتعويل الأول والأخير على شعوبنا في مقاومة هذه المخططات ووضع حد لها.