سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

فراس قصاص: التدخلات الإقليمية والدولية في سوريا تعقد الحلول الممكنة

الحسكة/ محمد حمود –

يبدو أن الأزمة السورية والمستمرة منذ 13 عاماً، ستستمر لفترة أخرى من الزمن، في ظل الصراعات الدولية والإقليمية على تقاسم النفوذ في سوريا، وإغفال المجتمع الدولي أهميته في إيجاد حلول لها، وما يزيد الطين بلةً الدعوات التركية المتكررة لتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، التي، وإن حدثت، ستكون نتائجها كارثية على الشعب السوري.
وحول هذه المواضيع وغيرها؛ أجرت صحيفتنا حواراً مطولاً مع المعارض السوري، ورئيس حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، فراس قصاص، الذي تحدث خلاله عن الانسداد السياسي، الذي تعاني منه البلاد، والأدوار التي تلعبها الدول الإقليمية والخارجية المتداخلة في الأزمة السورية، وعن التطبيع بين أنقرة ودمشق، وأثره في خلط الأوراق وتعقيد الأزمة السورية.
وإليكم الجزء الأول من الحوار:
ـ بعد ١٣ عاما من بدء الحراك في سوريا، ما أسباب الانسداد السياسي الذي تعاني منه البلاد؟
نعم الحالة السياسية السورية تعاني انسدادا وانغلاقا شاملا، وباعتقادي، إن امتناع  النظام السوري إلى اللجوء لآليات تعتمد الحوار لإيجاد حل سياسي، وتفاديه الوصول إلى وضع يجبره بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤، وعدم توفر آليات دولية لتطبيقه، وغياب البيئة الدولية المواتية، بسبب زيادة حدة الاستقطاب في النظام الدولي بين روسيا الاتحادية من جهة، وبين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، هذه هي الأسباب التي تمنع الوصول إلى حل منطقي وجذري للمشكلة السورية، وهي برأيي من الأسباب الهامة والموضوعية لحصول هذا الانسداد.
ـ ألا يشكل غياب الضغط الدولي على حكومة دمشق سبباً في تعقيد الأزمة السورية؟  
برأيي لم يكن هناك ثمة إمكانية لممارسة ضغط سياسي دولي على النظام السوري، وبموجبه  يُدفع الى المضي قدما في حل سياسي، وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص سوريا، من أجل إحداث هوة في جدار الانسداد السياسي، الذي تعاني من وطأته الحال السورية، لأن متطلبات حصول ذلك؛ تستدعي توفر إرادة دولية منسجمة حول الوضع السوري، لا انقسام وتعارض حوله من أطراف فاعلة ورئيسية في المجتمع الدولي، كما هو حاصل بالفعل الآن، وليس خافيا البتة، إن غياب مثل هذا الانسجام، الذي يعمل به النظام الدولي، هو الذي يعطل حصول تحول سياسي في البلاد، ويمنع توفر بيئته الملائمة للحل السياسي، ويبدو إن  حصول ذلك مستقبلا لم يزل يتطلب وقتا طويلا، قد يستمر لسنوات أخرى قادمة.
ـ ما الدور السلبي، الذي لعبته ما يُسمى بالمعارضة المرتهنة لبعض الدول الإقليمية في غياب الحلول في سوريا؟ 
في الواقع، إن ارتهان هؤلاء السوريين، لا سيما الذين يعدون أنفسهم من المعارضة، للأجندات الخارجية خصوصا التركية منها، وخضوعهم لهيمنتها، هو السبب الرئيسي في كبح  الدور الداخلي السوري الممكن حصوله لحل الأزمة السورية، لقد جعل هذا الارتهان الحل تديره أطراف خارجية، وبعيدا عن تطلعات الداخل السوري في التوصل إلى حل سياسي ممكن، وجعله مرتبطا بمصالح خارجية بعيدة عن مصالح السوريين، ولولا ذلك، لتمكن السوريون الذين يريدون أن يبنوا نظاما سياسيا جديداً، أن يغيروا معادلات القوى على الأرض، ويخلقوا وضعا يجبرون فيه النظام السوري المستبد على المضي في عملية التغيير.
ولعله من المفيد لإيضاح وجهة نظري من الموضوع القول: إن هذا الارتهان ربما كان في الحقيقة حتميا إلى حد بعيد، لاعتبارات بنيوية لها علاقة بأزمة الخطاب السياسي، التي تعاني منها قوى الارتهان للخارج، تلك التي لم تمارس الديمقراطية، ولم تؤمن بها، ناهيك عن هشاشة تشكيلاتها وفشل سياساتها، والتمسك بمصالحها، وانحيازها للمصالح الضيقة، التي لا تعني للسوريين شيئاً.
ـ دولة الاحتلال التركي من خلال محاولات التطبيع مع دمشق، تحاول خلط الأوراق، هل بإمكانها الحصول على ما تريد؟  
لطالما كانت مساهمة تركيا في الحدث السوري ملتبسة ومتقلبة، وقد كان خلطها الأوراق في الملف السوري أحد أهم سمات سياساتها على الدوام في سوريا، إذ لم تتورع تركيا يوما عن تغيير مواقعها وسياساتها في بلادنا، في كل مرة تتطلب مصالح حكومتها ذلك، ولم تعرف السياسة التركية إزاء سوريا الالتزام بمسار واضح إلا من خلال مصالحها في الهيمنة والتوسع، بما يبقي وضعها منسجما مع مصلحة الدولة التركية المحتلة، بوصفها دولة تنكر التعدد الإثني والثقافي والديني، وترسخ الكراهية للآخر، وتختزل تركيا سياساتها في التعامل مع الآخرين بأسلوب المركزية المشددة، بحيث تبقى هي السلطة، التي تتبعها السلطات كلها، وتتعامل بهذه الطريقة مع الدول على هذا الأساس، وتفصّل الديمقراطية على مقاسها، فلا تصل قوة في تركيا إلى السلطة إلا إذا كانت ذات نزعة قومية استعلائية، تعيد إنتاج وتكريس الأزمة الناتجة عن فرض هوية أيديولوجية صادرة من الذات التركية، تلك التي ظهرت كرد فعل على الهزيمة، التي أصابت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
بالعودة إلى سؤالك والإجابة المباشرة عليه، أقول: نعم تعمد تركيا إلى إعادة خلط الأوراق في سوريا، بتقاربها مع النظام السوري، إلى المدى الذي تريد من خلاله أن تعيد تشكيل معادلات القوة في الواقع السوري، لتحاصر تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية، ساعية إلى إضعافها ومحاولة النيل من مكتسباتها، ولتتخلص في الوقت ذاته من ملايين السوريين، الذين لجؤوا إليها هربا من قمع النظام المستبد، الذي لم أره يوما إلا توأما للنظام التركي، لكن بمعطى سوري، ونكهة مرتبطة بعوامل ومقومات وتوزع مراكز القوة، وتركيا من خلال تقاربها مع النظام السوري، تحاول إعادة السوريين إلى بلادهم ومن دون أية ضمانات، وترمي بهم إلى مصيرهم المجهول، الذي لا يعنيها.
في الواقع وبتعبير آخر ما يهم تركيا اليوم من مقاربتها الجديدة مع النظام في سوريا، هو إرجاع ملايين السوريين الهاربين من الاستبداد إلى سوريا، التي يسيطر على غالبيتها الاستبداد السياسي المتمثل بالنظام، والاستبداد الديني الراديكالي المتمثل بالمجموعات الإرهابية والعميلة لتركيا، وأيضا سعي تركيا من هذا التقارب إلى محاربة المشروع الديمقراطي اللامركزي (بالمعنى العميق للكلمة)، وهذا هو الخط العريض لهدف المحتل التركي من لهفته للتقارب مع دمشق.
 ـ ما الآليات التي يتبعها حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، في حراكه السياسي للمساهمة في حلحلة الأزمة السورية؟ 
حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، يعتمد على فهم جاد ومختلف للسياسة، فهو لا ينتمي إلى نظام إنتاج السياسة السائد في المجتمع السوري، ولدى الأحزاب التقليدية، ولعل ذلك بالضبط هو سر علاقته بمفهوم الأوجلانية، ومنطلق إيمانه بها وبالتحالف مع مقولاتها وتطبيقها عملياً.
لقد حاول الحزب في بداية الثورة السورية، أن يكون فاعلا فيها، وعمد فيما يخص دعم تجربة الإدارة الذاتية، أن يكون جسرا فكريا ونظريا بين المعارضة السورية التاريخية للنظام، وبين حزب الاتحاد الديمقراطي، وتمثيلات الأوجلانية النظرية والتنظيمية في سوريا، فكان يدافع عنها وعن رهاناتها في كل حيز مجتمعي وسياسي تواجد فيه، ولم يكن قط إلا صوتا للتعددية وقيم العيش المشترك والاعتراف بالآخر الاثني والديني والمذهبي في سوريا، رافضا مقولات المعارضة السورية عن اختزال مستقبل البلاد في مقولات المواطنة والديمقراطية، التي لا عمق ثقافي ومعرفي لها، وقد كان ذلك أحد أهم أسباب ابتعاده عن المعارضة السورية، ومراكز التأثير في ملف إدارة الأزمة السورية.
ونحن في حزب الحداثة والديمقراطية لسوريا، نسعى إلى تأسيس الائتلاف العلماني الديمقراطي السوري، الذي تشكل من مجموعة الأحزاب والشخصيات الديمقراطية العلمانية، وتبنى مقولات ومواقف جذرية للاعتراف بالآخر، وشكل الدولة اللامركزي القادم في سوريا، وكانت مواقف تلك الأحزاب منسجمة مع ما تدعو إليه الإدارة الذاتية في الإطار العام، ثم ما لبث ان انخرط في ثورة التاسع عشر من تموز شمال وشرق سوريا تبعا للتجسد السياسي الذي اتخذته، حيث لم يكن الحزب قادرا إلا في متابعة العمل في مناطق سورية أخرى بشكل سري، بسبب شكلي الاستبداد السياسي والديني، اللذين يهيمنان على الوضع في سوريا، لذلك بدأ الحزب يفتتح خطا تنظيميا علنيا في مناطق الإدارة الذاتية لأول مرة منذ تأسيسه، آخذاً على عاتقه شرح الأوجلانية في السياق العربي، وقد واجه الحزب أثناء ذلك مصاعب مركبة، ذات صلة بتعقيد أزمة ممارسة السياسة بين الشعب العربي، وبفشل التجربة الحزبية لديه، وفي التاريخ السياسي السوري على نحو عام.
كل ذلك حدا بحزب الحداثة، أن ينحو في ممارسة السياسة في مناطق الإدارة الذاتية مناحي مختلفة، تكون في الدفاع عن تجربة الإدارة الذاتية، وعن قواها الرائدة، وعن الأوجلانية ورمزية المفكر والمناضل الأممي عبد الله أوجلان، وممارسة التنوير والعمل على تنظيم الشخصية الحداثية الديمقراطية في صفوفه، والبحث عن الدور الممكن القيام به في المجتمع، ونجح الحزب في هذه المهام، وهذا مؤشر ومنطلق من التحول الوظيفي إلى الصيغة الحزبية الديمقراطية السائدة، وقد قطع الحزب من خلال أدواته ومقاربته التنظيمية المختلفة شوطا مهما على طريق النجاح في ذلك.