اعتبر رئيس أكاديمية السياسة والفكر الديمقراطي الدكتور فايق كولبي، الكونفدرالية الديمقراطية هي الحل الأمثل لقضايا كركوك، وتحدث كولبي عن العوامل التي أدت إلى أحداث 16 تشرين الاول عام 2017م (انسحاب البيشمركة من كركوك)، منتقداً نظام الحكم في باشور كردستان وتشتت قواه ما أدى إلى تدخل السلطات العراقية والحشد الشعبي إلى المدينة والسيطرة عليها، وعلى العديد من المناطق الكردستانية الأخرى، المناطق التي سميت بالمتنازع عليها وذلك بعد انسحاب البيشمركة منها، عقب عملية الاستفتاء التي أجريت على استقلال باشور والتي انتهت بالفشل والكثير من المضايقات التي تعرضت لها باشور كردستان.
جاء ذلك خلال الحوار التي أجرته وكالة روج نيوز معه حول أحداث السادس عشر من تشرين الأول عندما انسحبت البيشمركة من كركوك وبعض المناطق الكردستانية الأخرى، عقب عملية الاستفتاء التي أجريت هناك.
وكان الحوار على الشكل التالي:
ـ ما العوامل التي أدت إلى أحداث 16 تشرين الأول من عام 2017؟
هناك عوامل تخص باشور كردستان وأخرى تتعلق بالعراق عموماً، فالعوامل الكردستانية هي ظهور ثقافة الانسحاب والفرار في باشور كردستان أمام الجيوش والإرهابيين التي تهاجم كردستان، حتى أن هذه الظاهرة أصبحت أمراً طبيعياً للأسف، فمثلاً انسحاب قوات البيشمركة من شنكال حين شن داعش هجومه على الإيزيديين عام 2014 وحدث بذلك الانسحاب كارثة كبيرة تعرض لها أهالي شنكال. وهناك عوامل أخرى وهو أن حسم الخلافات بين القوى السياسية في باشور أصبح يجري كما العادة عبر الاستنجاد بقوة خارجية وتدخلها في المنطقة، وفي كركوك ظهرت الخلافات الكبيرة بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين، حيث إن كركوك كانت تقع تحت نفوذ الاتحاد الوطني بينما أراد الديمقراطي أيضاً فرض نفوذه على المنطقة، هذا؛ علاوة على الخلافات الداخلية بين صفوف الاتحاد الوطني التي كانت في قمتها في تلك الآونة فمثلاً محافظ كركوك كان محسوباً على الاتحاد الوطني لكنه كان مستاءً من الحزب.
أما بخصوص العامل العراقي فالعامل الأول هو أنه بحسب المادة 140 من الدستور العراقي تعتبر كركوك منطقة متنازع عليها ويجب أن تدار المناطق المتنازعة عليها من قبل الحكومتين الى حين تطبيق المادة، والحكومة العراقية كانت تفكر بأي شكل من الاشكال العودة الى كركوك، اما الاستفتاء فهو العامل الأخر، وقد رأينا
أن عملية الاستفتاء جرت حتى في المناطق المتنازع عليها، وغالبيتهم صوتوا لصالح الاستقلال، وهذا ما لم يلاقي قبول تركيا وايران والعراق، وحتى أن معظم الدول الأوروبية رفضت الاستفتاء، في حين أصبح الخلاف بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني بمثابة فرصة للحكومة العراقية للهجوم على تلك المناطق لتنقض عليها وبالطبع يجب أن نتذكر الدور الأمريكي في ذلك ولولا الضوء الأخضر الأمريكي لما حصل كل ذلك.
ـ ذكرتَ إن أحد العوامل هي عملية الاستفتاء. لكن؛ بعد الأحداث تنازل باشور عن الاستفتاء اذاً ماذا بعد؟
الاستفتاء حول أي قضية كانت هو مشروع ديمقراطي مباشر يتعلق بالشعب، والاستفتاء في باشور كردستان جرى تحت اسم الاستقلال، وغالبية الأهالي قالوا حينها أن الوقت ليس مناسباً لذلك، باعتبار باشور كرستان ليس موحداً وليس له جيش ولا يتمتع بحكومة مدنية قانونية، ولم يتم الاستعداد من أجل العملية على الصعيدين الإقليمي والدولي بالشكل المطلوب، لكن رغم ذلك فقد جرى الاستفتاء. وكان نتيجته إضاعة كركوك ومناطق أخرى علاوة على الغاء نتيجة الاستفتاء فيما بعد بسبب الضغط الإقليمي والدولي، وكل ما جرى من أمور تتحمله الأطراف السياسية الكردية ولا يتحمل النتائج طرف سياسي معين، والملفت في الاستفتاء أنه حاز على نسبة كبيرة من الأصوات، حيث كانت أكثر من الاصوات في الانتخابات التي تجري في باشور، وكان على الشعب الكردي في باشور كردستان أن يعاقب تلك الجهة المسؤولة عما حصل وليس منحه المزيد من الأصوات.
ـ ما الذي خسره الكرد في باشور كردستان بعد تلك الفترة؟
خسروا الكثير من الأشياء بسبب الخلافات الداخلية والصراعات الحزبية والتكتلات التي حدثت بعد الاستفتاء، جميع أهالي كركوك الآن غير راضين عن واقعهم ولا بأي شكل من الأشكال، حيث رتم إبعاد العشرات من المسؤولين الإداريين الكرد من وظائفهم، فضلاً عن إلحاق الضرر بالقطاع التعليمي الكردي، كل ذلك كانت بمثابة إهانة للكرد، ومدينة كركوك مدينة كردستانية وتدار اليوم من قبل شخصية عربية غير مقبولة حيث شاركت بعملية فرض سيطرة القوات العراقية على كركوك، وبعد كل ما جرى، ولكن المهم اليوم هو أن يكون الشعب واعياً عما يحدث من سياسات خاطئة بحقهم، عليهم أن يدركوا أن السياسات القائمة هي التي تتحمل ما جرى بحقهم.
ـ كيف تقيّم مواقف أحزاب باشور كردستان إزاء الأحداث التي جرت؟
المواقف متفاوتة وبخاصة بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الكردستانيين، إذ يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن ما جرى في 16 تشرين الأول من العام المنصرم هو خيانة وطنية وإن الاتحاد الوطني هو المسؤول عما جرى، لكن إذا تعمقنا في القضية نرى إن القوة التي جاءت وفرضت سيطرتها على كركوك هي الفرقة الذهبية التابعة للجيش العراقي وقائدها كردي وتابع للحزب الديمقراطي الكردستاني. كما كانت هناك قوات تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني في كركوك وهي أيضاً لم تقاوم البتة, ورضيَتْ بالواقع وهذا دليل على أنه كانت هناك مساومات فيما حصل، أما بالنسبة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني؛ فإن مقربين من العائلة الحاكمة في الحزب (الطالباني) يرون أن ما جرى كان أمراً طبيعياً، بينما عارض آخرون في الحزب هذا الموقف واعتبروه بالأمر الغريب، بل الكثيرين وصفوه بالخيانة الكبرى، أما بالنسبة للأحزاب الأخرى كحركة كوران والحركة الإسلامية فلم تكن لديهم مواقف واضحة، بل اتخذت مواقفها وفق مصالحها وليس وفق المصالح الوطنية الكردية.
ـ لماذا لم تتخذ الأطراف الكردستانية موقفاً موحداً بعدما حصل من أحداث، وجعلوا منها فرصة للتقارب وترتيب البيت الكردي؟
هذه الاحزاب لم تتأسس على أساس حل القضايا الكردستانية وشعبها، بل تأسست للوصول الى السلطة، و تسخيرها من أجل مصالح العائلة والعشيرة، وهذا هو النهج المتخذ في باشور كردستان وفي العراق عامةً، وخير مثال هو ما عمله الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد الاستفتاء، وقبل أن يمر عليه عام واحد، توجه الديمقراطي لاستقبال الانتخابات العراقية بحرارة، وشارك فيه بكل قوته، وحارب من أجل المناصب في بغداد، ما يعني أن ما يهمه هو الحصول على المناصب والسلطة، وليس حل قضايا الشعب الكردي والكثير من هذه القضايا معلقة، والأطراف الأخرى أقل قوة على الساحة ولم تخرج من ذلك الإطار الضيق الذي يعيشون فيه على الدوام.
ـ المواقف الإقليمية وبخاصة من إيران وتركيا والقوى الدولية كان لها المواقف نفسها؛ الرافضة للاستفتاء، وبالمقابل كان هناك تشتت كردي، ما السبب وإلى أي درجة يؤثر ذلك على حل القضية الكردية؟
تركيا وإيران يحاربان أي مشروع كردي يؤدي إلى نيل الحقوق الكردية، وبالأصل كان لهما الدور البارز في تلك الصفقة التي تمت، حيث سلمت من خلالها كركوك والمناطق الأخرى للجيش العراقي، وشاهدنا كيف اتحدتا معاً ضد الاستفتاء في باشور كردستان، إذ يعاديان أي مشروع كردي وأينما كان وهذا ما لمسناه جميعاً في مواقفهم العدائية ضد الكرد، وإن كانت لديهم خلافات بالمواضيع الأخرى عندما يتعلق الأمر بالكرد فهم يتحدون ضدهم. وهذا ما يجب أن نفهمه نحن الكرد. ولكن؛ مع الأسف الشديد نفتقر إلى الروح الوطنية التي يمكن أن تؤدي إلى الوحدة الوطنية، وننادي بالوطنية ليلاً نهاراً. ولكن؛ عند التطبيق تسود المصالح الشخصية فقط، وبالمقابل هناك وحدة صفوف الجهات التي تحتل وطننا. ولذلك؛ سنبقى نحن الكرد ضعفاء ما لم نسعى لوحدة الصف الكردي. والوحدة فقط هي التي من خلالها سيحسب العالم كله لنا ألف حساب، لكن للأسف كلما يقال عن الوحدة هي مجرد كلام، بل إن قسم من القوى الكردية مرتبطة بالدول المحتلة وتقوم بالتنسيق معها، ولا يتمتع باشور كردستان باستقلالية سياسية، بل يتم إدارتها بقرارات خارجية. لذا؛ من غير الممكن أن يكون هناك توافق سياسي أبداً، وهذا ما يسبب الكثير من المشاكل التي تحدث.
ـ ما المطلوب من الكرد في باشور كردستان بعد الأحداث التي تعرض لها في 16 تشرين الأول من العام المنصرم لتلافي مثل تلك الأحداث؟
نظام الحكم في باشور نظام سلطوي، حزبي، عائلي، عشائري لا وطني، ولا يتمتع بالديمقراطية، وهذا النظام ليس بمقدوره حل قضية المناطق الكردستانية المتنازعة عليها، فقد رأينا أن كركوك بقيت بيد الكرد لفترة طويلة وكان المحافظ كردياً ورئيس الأسايش والشرطة كردياً أيضاً، والقوات التي كانت تحميها كانت قوات كردية، لكنهم مارسوا سياسة خاطئة وحدث ما حدث نتيجة تلك السياسة. فمن جهة الخلافات فيما بين الكرد هناك كانت خلافات عميقة، فقد كان هناك قطبين أمنييّن حزبييّن في كركوك وبدون أي خجل كانوا يظهرون على وسائل الإعلام ويتحدثون بكلام غير مقبول، ويفرقون بين القوات التي تحرس وتحمي المدينة فينادون أن هذا أسايش الديمقراطي وذاك أسايش الاتحاد الوطني. ومن جهة اخرى سياستهم التي لم تتسم بالديمقراطية إزاء المكونات الأخرى، مثلا رفع علم باشور كردستان في كركوك دون الأخذ بعين الاعتبار توجهات أخرى كالتركمان والعرب، في حين كان الأفضل أن تكون لكركوك راية خاصة بها تمثل جميع مكوناتها، وهذا ما لم يحصل، بل تمت ممارسة سياسية الأنا البعيدة كل البعد عن الديمقراطية والتي تسببت بتأزم المشاكل أكثر فأكثر. وعلينا أن نستفيد من النموذج الديمقراطي في روج آفا وشمال وشرق سوريا، وهذا النظام الجديد وهو نظام الكونفدرالية الديمقراطية أو اللامركزية، وبرأيي هو الحل الأمثل لقضية المناطق المتنازع عليها وعودتها إلى ما كانت عليه قبل الاستفتاء، ويجب على جميع المكونات في كركوك أن يشاركوا في الإدارة وفق النظام الكونفدرالي الديمقراطي.