سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

غزة وجنوب لبنان… جبهتان بين التوازي والتتالي

بدرخان نوري _

مع استمرارِ الحربِ في غزة وارتفاع فاتورةِ الدم وفشلِ محادثات وقف إطلاق النار، تشهدُ الجبهة الشماليّة أشكالاً من التوترِ وتبادلِ القصف ِمع الحفاظ نسبيّاً على قواعد الاشتباك، لكنّها قابلة للانفجار بأقربِ الآجالِ، وواشنطن المحكومة بالتوقيتِ الانتخابيّ دفعت بقطع بحريّة إلى الشرق الأوسط دون منح الضوء الأخضر لتل أبيب بتوسيع الحرب شمالاً، فيما حزب الله المرتبط عضويّاً وعقائديّاً بطهران بادر مستقلاً إلى شنّ هجومٍ كبيرٍ على إسرائيل باسم “يوم الأربعين”، وليبقى احتمال اندلاع جبهة الشمال قائماً أثناء أو بعد حرب غزة!
حزب الله وإسرائيل وسباق أرقام 
كان يوم الأحد 25/8/2024، حافلاً بالأرقامِ الكبيرةِ، فقد قال حزب الله إنّه أطلق 320 صاروخ كاتيوشا نحو إسرائيل، وأعداداً كبيرة من الطائرات المُسيّرة وتضمن بنك أهدافه 11 ثكنة عسكريّة، ولم يكشف عن هدفٍ مهمٍ، وأرجأ الإعلان عنه إلى وقتٍ لاحقٍ.
إسرائيل أيضاً دخلت سباق الأرقام الكبيرة، وقال الجيش الإسرائيليّ إنّ 100 طائرة حربيّة شنّت غارات استهدفت ضعف عددها من الأهدافِ جنوبي لبنان. وتضمنتِ التصريحاتُ الإسرائيليّة بيانات رقميّة، تتجاوز إنجازات أكثر من 11 شهراً من المواجهات، وشملت آلاف منصات إطلاق الصواريخ، ونحو 500 عنصراً من حزب الله اغتالتهم إسرائيل قنصاً بمن فيهم قادة من الصف الأول وقادة ميدانيين.
أطلق حزب الله على القصفِ اسم “عملية يوم الأربعين”، وقال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله الأحد، إنّ الحزبَ أطلق صواريخ كاتيوشا لتشتيت القبة الحديديّة وغيرها من الدفاعات الجويّة لإتاحةِ المجال للمسيّرات لدخولِ المجال الجويّ الإسرائيليّ، وحول توقيتِ العملية قال: “أخّرنا الردَّ على إسرائيل لأسباب عديدة. العجلة كان يمكن أن تعني الفشل، والتأخير في الرد هو عقاب لإسرائيل”، وأوضح أنّ تأجيل الرد كان لإعطاء مفاوضات التهدئة الخاصة بقطاع غزة الفرصة الكافية. وتابع: اخترنا الرد لوحدنا لاعتبارات لا يمكن البوح بها وكلّ طرف من المحور سيقوم برده الخاص. لا مصلحة لنا في تأخير الرد أكثر لاعتبارات تتعلق بالمقاومة والوضع في لبنان والمنطقة، وفضّلنا تجنّب استهداف المدنيين في إسرائيل لحماية المدنيين في لبنان. وقررنا أن تكون أهدافنا عسكريّة قرب تل أبيب مثل قواعد مخابرات أو قوات الجيش ولا تتعلق بالبنية التحتية. في نهاية دراستنا حدّدنا هدفا أساسياً للعملية وهو قاعدة “غليلوت” وهي قاعدة مخابرات أساسية، وقريبة من تل أبيب، واخترنا أيضاً استهداف عدد من الثكنات والمواقع والقواعد شمالي إسرائيل والجولان.
وأكّد نصر الله أنّ كلَّ المُسيراتِ أُطلقت بنجاح ودخلت المجال الجويّ الإسرائيليّ، ولم يكن لديهم نية استخدام صواريخ دقيقة التوجيه اليوم لكنهم قد يستخدمونها في المستقبل القريب. وأضاف نصر الله: إن الحزب سيقيّم نتائج عملياته ليرى إذا كانت كافية للرد على اغتيال القيادي فيه فؤاد شكر أم لا. وأقرَّ بشن إسرائيل هجوماً قبل نصف ساعة من هجوم حزب الله ولكن ذلك ليس لأنّ لديها معلومات استخباريّة بل لأنها لاحظت تحركات عناصره.
اعتبر وزير الدفاع الإسرائيليّ، يوآف غالانت، الأحد، أنّ هجوم حزب الله على إسرائيل كان فاشلاً، وشدد على الحاجة لصفقة بشأن الرهائن الإسرائيليّين في قطاع غزة لإعادة الهدوء للمنطقة. ونقلت وسائل إعلام محلية عن غالانت قوله: “لقد أفقدنا توازن حزب الله وفشل تحركه، الهجوم هذا الصباح يبعث برسالة إقليميّة: نحن مصممون على إزالة أي تهديد في أي ساحة وفي أي وقت”. وأضاف: “يجب أن نلقيَ نظرة شاملة على مشهد الحربِ وندافع عن أهدافنا في الشمال وفي الجنوب”.
استقلاليّة القرار
أراد حزب الله أنّ يكون مستقلاً في رده عن طهران، للانتقام لاغتيال الموساد الإسرائيليّ فؤاد شكر أعلى قياديّ عسكريّ في حزب الله في الضاحية الجنوبية في 30/6/2024، وأعلن أنّه أنجز مرحلة أوليّة من الردِ وبذلك يرفع عن كاهله عبء الانتقام الصعب، وحرجَ الانتظار طويلاً أمام حاضنته الشعبيّة.
جاءت الأرقام كبيرة مقارنةً مع بالبيانات الكثيفة التي أصدرها حزب الله وجاءت متخمة بالتهديد والوعيد إذ أراد حزب الله الإيحاء بأنّه بصدد القيام عملٍ ضخمٍ يتناسب مع الرد على اغتيال فؤاد شكر أعلى رتبة في هيكليته العسكريّة في 30/6/2024. وإذ لا يبدو الردّ متناسباً مع حجم التهديد أو الخسارة إلا أنه تجاوز ردّ طهران على اغتيال قاسم سليماني قرب مطار بغداد فجر 3/1/2020، وكذلك ما سمّي ليلة النار عندما أطلقت طهران أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل التي استعرضتها في 13/4/2024، ردّاً على استهداف قنصليتها في دمشق، في 1/4/2024، والذي أسفر عنها مقتل عدد من كبار جنرالات الحرس الثوري الإيراني، أبرزهم العميد رضا زاهدي (الحاج حسن مهدوي)، ومساعده العميد محمد هادي حاج رحيمي، إضافةً لخمسة مستشارين عسكريين آخرين، هم: حسين أمان الله ومهدي جلالتي وشهيد صدقات وعلي بابائي وعلي روزبهاني. وقبل ذلك اغتيل العميد رضي موسوي في 25/12/2023 بقصف صاروخيّ إسرائيليّ استهدف منزله في منطقة السيدة زينب بدمشق.
حرب حتمية 
وبالمحصلة، يستمر توتر الوضع جنوب لبنان وشمال إسرائيل وتبادل القصف، ويقول حزب الله إنّه يخوض “حرب إسناد”، لحركة حماس. وتواصل القصف الجويّ الإسرائيليّ، ويبدو أنّ التوتر مستمرٌ حتى تتوفر ظروف حربٍ موسّعةٍ تقول إسرائيل إنّها “حتميّة” إبعاد “حزب الله” إلى ما بعد الليطاني، وكان ذلك هدف حرب تموز 2006.
والمقصود بالظروف الحصول على موافقة واشنطن بإطلاق الحربِ، إلا أنّ مخاض الانتخابات الأمريكيّة يحتاج أشهراً، ويتجاوز المسؤولون الإسرائيليّون، السياسيون والعسكريون، ذلك بتأكيد أنّهم سيخوضون الحرب ضد حزب الله بصرف النظر عن الموافقة الأمريكيّة.
جاء هجوم حزب الله في إطار الرد المتبادل، لتذكير إسرائيل بترسانته العسكريّة وقدرته على إطلاق كثيف للصواريخ والمسيّرات بما لا يُتيح لمنظومات الدفاع الجويّ إسقاطها، وتُرغم الإسرائيليّين على البقاء في الملاجئ لفترة طويلة، ويزيد معدل الهجرة إلى خارج إسرائيل.
فيما تهدف إسرائيل من توجيه الضربات لحزب الله استنزاف قدراته، وتدمير العتاد والذخائر في المستودعات والعمق، وتصفية قادته لإضعافه وإحداث فوضى في صفوفه، وإفقاد عناصره الثقة بجدوى خوضِ حرب برية مع إسرائيل.
ورغم أنّ إسرائيل تجاوزت نسبيّاً قواعد الاشتباك، لكنها ما تزال ملتزمة إلى حدٍّ ما بالردِّ المتوازن على ضربات الحزب. لأنها تدرك قدرات الحزب الصاروخيّة وتخزينه طيلة سنوات قدرات صاروخية وطائرات مسيّرة في مستودعات حفرها في الجبال، ما يزيد من قدرته على الصمود والتخفي والمناورة. ويجعل تأثير الضربات الإسرائيليّة عليه محدوداً، ولن تغامر إسرائيل بشن حرب عليه إلا بعد استمرار طويل في حرب الاستنزاف لإفراغ المنطقة من سكانها، لتتمكن من استخدام أسلحة غير تقليدية، ذات قدرة تدميرية كبيرة جداً للأنفاق وهي أسلحة مكلفة جداً للاقتصاد الإسرائيليّ.
فاتورة دم باهظة في غزة
قالت وزارة الصحة في غزة في بيان الاثنين 26/8/2024، إنّ 33 فلسطينيّاً قُتلوا وأُصيب 66 جراء الهجوم العسكريّ الإسرائيليّ على القطاع خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وقالت الوزارة إنه عدد القتلى ارتفع، نتيجة لذلك، إلى أكثر من 40435 قتيلاً و93534 جريحاً وذلك منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وتحدثت تقارير سابقة الاثنين أيضاً عن ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية، بعد مقتل شابين بالقرب من سلفيت. وأشارت إلى أن عدد القتلى في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، ارتفع منذ السابع من تشرين الأول الماضي إلى 644، بينهم 147 طفلاً.
 وقال مسؤولون فلسطينيون بقطاع الصحة لرويترز الاثنين إن 6 فلسطينيين قتلوا في ضربة إسرائيليّة قرب شاطئ مدينة غزة.
وفي تطور ذي صلة، تم إخلاء أحد آخر المستشفيات العاملة في قطاع غزة من المرضى مع اقتراب القوات الإسرائيليّة. وأشارت التقارير إلى أنّ مستشفى شهداء الأقصى، الكائن في دير البلح هو المستشفى الرئيسي الذي يخدم وسط قطاع غزة، مهدد بالإغلاق.
فشل مفاوضات غزة مجدداً
قال مصدران أمنيان مصريان، ليل الأحد، إن المحادثات التي جرت في القاهرة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لم تفلح في تحقيق تقدم، ونقلت رويترز عن المصدرين أنَّ إسرائيل وحماس لم توافقا على العديد من الحلول التي قدمها الوسطاء، ما يزيد الشكوك إزاء فرص إحراز تقدم في أحدث الجهود التي تدعمها واشنطن لإنهاء الحرب المستمرة منذ 7/10/2023. وفشلت جولات من المحادثات على مدى أشهر في التوصل لاتفاق إنهاء الحملة العسكرية الإسرائيليّة المدمرة في غزة، أو إطلاق سراح الرهائن المتبقين الذين احتجزتهم حماس.
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكيّ جيك سوليفان في مؤتمر صحفي، إنَّ واشنطن لا تزال تبذل جهودا “حثيثة” في القاهرة مع وسطاء من مصر وقطر، وأيضاً مع الإسرائيليّين، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق بشأن الرهائن.
وتتضمن أبرز نقاط الخلاف بين إسرائيل وحماس فيما يلي:
ــ محور فيلادلفيا: الوجود الإسرائيليّ في محور فيلادلفيا، وهو شريط ضيق من الأرض يبلغ طوله 14.5 كم على امتداد الحدود الجنوبيّة لقطاع غزة مع مصر. وقال مصدر مصريّ إنَّ الوسطاء طرحوا عدة بدائل لوجود القوات الإسرائيليّة على محور فيلادلفيا، لكن الطرفين لم يقبلا أياً منها.
ــ ممر نتساريم: يقسم هذا الممر قطاع غزة إلى نصفين حيث يمر عبر وسطه، وتتمركز فيه قوات إسرائيليّة ترفض إسرائيل إخراجها منه.
ــ عدد المعتقلين: أبدت إسرائيل تحفظات بشأن عدد المعتقلين الذين تطالب حماس بالإفراج عنهم، وطالبت بخروجهم من غزة إذا تمّ الإفراج عنهم.
ــ فحص الفلسطينيين: قالت حماس إنّ إسرائيل وضعت شروطا جديدة أخرى، منها فحص الفلسطينيين النازحين أثناء عودتهم إلى شمال القطاع الأكثر اكتظاظاً بالسكان، عندما يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وقال القيادي في حماس أسامة حمدان، الأحد: “لن نقبل الحديث عن تراجعات لما وافقنا عليه في 2/7/2024، أو اشتراطات جديدة”.
ونقلت رويترز في تموز الماضي تأكيد مصدر كبير من حماس أن الحركة قبلت اقتراحاً أمريكياً لبدء محادثات بشأن الإفراج عن الرهائن الإسرائيليّين، بمن فيهم الجنود والرجال، بعد 16 يوماً من المرحلة الأولى من اتفاق يهدف لإنهاء حرب غزة.
وقال حمدان أيضاً إنّ حماس سلمت الوسطاء ردّها على الاقتراح الأحدث، وأضاف أنّ “الإدارة الأمريكيّة تزرع أملاً كاذباً بالحديث عن اتفاقٍ وشيكٍ لأغراض انتخابيّة”.
فيما ذكر القيادي في حماس عزت الرشق أنّ الحركة كررت مطلبها بأن ينصّ أيّ اتفاق على وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار وانسحاب إسرائيليّ كامل من قطاع غزة.
كنيس في المسجد الأقصى
لم يكتفِ وزير الأمن القوميّ الإسرائيليّ إيتمار بن غفير، الاثنين، بالدعوة مجدداً لصلاة اليهود في المسجد الأقصى في مدينة القدس، وقال بن غفير لإذاعة الجيش الإسرائيليّ: “لو تمكنت من القيام بما أريد، لأقمت كنيساً أيضاً في جبل الهيكل”، وأضاف: “وسياستي هي أن بإمكان اليهود الصلاة في المسجد الأقصى”.
وبعد مقابلة أجراها مع إذاعة الجيش الإسرائيليّ، نقلت المحطة عن بن غفير قوله في منشور على منصة إكس الاثنين “السياسة تسمح بالصلاة في جبل الهيكل (المسجد الأقصى). القانون يساوي بين اليهود والمسلمين. سأبني كنيسا هناك”.
وتعتبر تصريحات بن غفير الأولى التي يتحدث فيها عن إقامة كنيس داخل المسجد الأقصى، بعد أن دعا مرات عديدة في الأشهر الماضية إلى السماح لليهود بالصلاة في الأقصى. وتزامنت تصريحاته مع إقدام مزيد من المستوطنين على أداء طقوس تلموديّة خلال اقتحاماتهم الأقصى، بحماية الشرطة الإسرائيليّة.
وتأتي تصريحات بن غفير بعد أقل من أسبوعين على زيارته المسجد الأقصى مع المئات من أنصاره، الذين بدا أن العديد منهم يصلون علانية في تحدٍّ لقواعد الوضع القائم، ما أثار حالة من الغضب وانتقادات حادة بسبب تأجيج التوتر في توقيت يسعى فيه مفاوضون للتوصل إلى اتفاق لوقف القتال في غزة.
وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إنّ دعوات “المتطرف بن غفير لإقامة كنيس داخل المسجد الأقصى المبارك، خطيرة جداً.. هذه الدعوات المرفوضة والمدانة للمساس بالمسجد الأقصى المبارك، هي محاولات لجر المنطقة إلى حرب دينية ستحرق الجميع”. ودعا أبو ردينة، المجتمع الدولي وخاصة الإدارة الأمريكيّة للتحرك الفوريّ لإجبار الحكومة الإسرائيليّة على “الالتزام بالوضع القانونيّ والتاريخيّ السائد في الحرم الشريف”. وحذّرت الخارجيّة الفلسطينيّة من دعوة الوزير الإسرائيليّ.
وأصدر مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بياناً جدد تأكيد موقف إسرائيل الرسمي الذي يقبل بالقواعد المعمول بها منذ عقود وتقيد صلاة غير المسلمين في المسجد الأقصى، وقال مكتب نتنياهو “لا تغيير في الوضع القائم في جبل الهيكل”.
وقال وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي اصطدم مراراً مع بن غفير، في بيان على منصة إكس “تحدي الوضع القائم في المسجد الأقصى هو عمل خطير وغير ضروريّ وغير مسؤول. تصرفات بن غفير تعرض دولة إسرائيل ومكانتها الدولية للخطر”. وتعرض بن غفير لانتقادات أيضاً من بعض اليهود المتدينين الذين يعتبرون الموقع مكاناً مقدساً ولا يجوز لليهود دخوله.