على وقعِ التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقةُ حيث التصعيد بين حزب الله وإسرائيل في لبنان والذي ألقى بظلالٍ معتمةٍ على العديد من الدول المجاورة، بدءً من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن وتركيا، زار رئيسُ حكومة إقليم كردستان المنتهية ولايته نيجرفان بارزاني الأربعاء الماضي تركيا والتقى برئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في العاصمة التركية أنقرة، وبحث الجانبان العديد من الملفات التي تربطهما والتي في معظمها يخدم تركيا ويرسِّخ لتوسيع نفوذها واحتلالها للعديد من المناطق في إقليم كردستان وبالتالي تهديد السيادة العراقية بشكل مباشر.
زيارةُ نيجرفان بارزاني إلى أنقرة تزامنت مع إجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان، حيث يتنافس فيها الحزبان الكرديان، الحزب الديمقراطي الكردستاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وَسْطَ أزمة اقتصادية خانقة يعاني منها جميعُ سكان الإقليم نتيجةَ سياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني الفاشلة والقائمة على مصلحة العائلة والعشيرة.
تجمع -كما هو معروف- كلاً من الحزب الديمقراطي الكردستاني والنظام التركي علاقاتٌ وثيقةٌ منذ سنوات طويلة، وتطوَّرت هذه العلاقة في الفترة الأخيرة وأخذت طابعاً وشكلاً جديداً، خاصة بعد أن كَثُرت الزيارات المتبادلة من قبل الطرفين، فقد زار خلال هذا العام عدةُ وفود تركية هولير والتقت بمسؤولين في الحزب وبالمقابل أيضاً زارت وفودٌ من الحزب أنقرةَ وعقدوا اتفاقيات وصفقات تجارية على حساب الشعب الكردي وفتحت الطريق على مصراعيه لاحتلال عشرات القرى الكردية باسم الاتفاقيات.
تقاريرُ إعلامية موثَّقة أكَّدت وكشفت حجمَ التنسيق المباشر وعمقَ العلاقة الحميمية القائمة بين الطرفين، وظهر ذلك جليَّاً من خلال الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي يقدمِّه الحزب لجيش النظام التركي في جبال كردستان والمناطق التي تتمركز فيها قوات الدفاع الشعبي (كريلا) وكيف يقوم بفتح الطرقات في المناطق الوعرة ضمن أراضي الإقليم وتقديم التسهيلات له.
توجَّه نيجرفان بارزاني إلى أنقرة ليتأكَّد من أن حليفَه الذي سلب منه كلَّ شيء بالمجَّان كما يقولون، وحصل على كل ما يريده منه على طبقٍ من ذهب، ودون أن يقدم شيئاً لمسؤولي الحزب أو سكان الإقليم، ما زال على عهده المزعوم الذي قطعه له بأنه السند أو الداعم الوحيد له، خاصةً بعد أن شهدتِ المنطقةُ تطوراتٍ خطيرةً تنذر بتوسيع إسرائيل رقعةَ صراعها لتشمل -رُبَّما- تركيا أيضاً التي على علاقة مع الديمقراطي الكردستاني.
كما أنَّ توقيت هذه الزيارة يُظهِر لنا نقطةً غايةً في الأهمية، ألا وهي التبعيَّةُ الكاملة التي يوليها الحزب الديمقراطي الكردستاني لتركيا، وكيف أنه لا يستطيع الحَرَاك دونه، ولا يمتلك أدواتٍ أو إرادةً أو حتى أدنى قوة يستطيع من خلالها مواجهة مجريات الأحداث في الإقليم، بعد أن باتت المنطقة برمتها أمامَ تغييرات وتطورات ورُبَّما تحالفات جديدة، لذا الديمقراطي الكردستاني مضطرٌّ بأن يحصلَ على ضمانات كي يستطيعَ من خلالها البقاء في السلطة والحفاظ على العلاقات البراغماتية التي تجمعه معهم، وخاصة في هذه المرحلة الحساسة والمهمة، تركيا لم ولن تقدِّم شيئاً دون مقابل لأحد، بل تلهث لتحصل على المزيد، وخاصة من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يشيح بنظره عن كل تلك التجاوزات؛ ليحقق هدفه الوحيد وهو ضرب الشعب الكردي والنيل من نضال حركة كردستان.