روناهي/ حمزة حرب ـ استمراراً لمساعي مرتزقة داعش، لإحياء تنظيمه من لخلاياه، ووليدته دولة الاحتلال التركي، تشكل جهود قوات سوريا الديمقراطية بمشاركة قوى الأمن الداخلي ووحدات حماية المرأة بعملياتها الأمنية في مخيم الهول محطة في مسار استباب الأمن والاستقرار في المنطقة.
تسعى عوائل مرتزقة داعش، وخلايا إرهابية أو دول إقليمية على رأسها دولة الاحتلال التركي التي تحاول لملمة شتات هذه الخلايا وترتيب أوراقها مجدداً لضرب الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحويل مخيم الهول إلى بؤرة وبيئة للاستفادة منها في التجنيد واستقطاب العناصر، وبث الدعاية التحريضية للخلايا الطليقة في سوريا والعراق والعالم هو هدف لداعمي مرتزقة داعش وهدف دولة الاحتلال التركي التي حولت المناطق المحتلة إلى بؤرة إرهابية آمنة لها ومنطلق لمخططاتها الإرهابية.
مخيم الهول.. قنبلة موقوتة وبيئة موبوءة بالفكر الإرهابي
رغم الحملات الأمنية الأخيرة ضد خلايا “داعش” بمخيم الهول، لا زالت التحذيرات من أوضاع المخيم تتنامى والدعوات تتصاعد لحلٍ جذريٍ يخفف العبء الملقاة على كاهل قوات سوريا الديمقراطية والقوى الأمنية والإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا خصوصاً مع استمرار محاولات خلايا المرتزقة لإعادة ترتيب صفوفها بداخله وخارجه.
فالخطورة في المخيم تتنامى بين الحين والآخر لعدة أسباب أبرزها موقعه الذي يبعد 45 كيلو مترا شرقي مدينة الحسكة قرب الحدود العراقية، وهو أكبر مخيمات سوريا وبه قسم خاص بعائلات “داعش” وأطفالها، ويقدر عددهم بـعشرة آلاف شخص ينتمون إلى 54 جنسية غربية وعربية.
سيما وأن المخيم يتسم بضعف البنية الإنشائية للمخيم التي لا تساعد بأي شكل للسيطرة عليه، مما يجعله عبئاَ على إدارة المخيم والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا خصوصاً مع اكتظاظه سكانياً فهو يضم نحو 56 ألف شخص، ومن بينهم نحو 27 ألف عراقي وحوالي 18 ألف سوري و8500 أجنبي، و90 بالمائة منهم نساء وأطفال، و70 بالمائة تحت سن 12 عاما.
وتستغل مرتزقة “داعش” هذه العوامل التي يتصف بها المخيم وتكدسه بالسكان للضغط عليها للانضمام إلى خلاياها النائمة وهو ما يتطلب تضافر جهود دولية لإنهاء هذا الخطر وبتر كل المحاولات المستميتة من مرتزقة داعش وخلاياها النائمة لضرب حالة الأمن والاستقرار التي يتمتع بها إقليم شمال وشرق سوريا خصوصاً بعد القضاء على مرتزقة داعش عسكرياً في الباغوز عام 2019.
وتعليقاً على ذلك؛ بيّن نائب الأمين العام لحزب الوطن السوري أحمد الحسين في حديثٍ خاص لصحيفتنا، أن “مخيم الهول يشكل أحد أبرز التحديات الأمنية وأكثرها تعقيداً كما أنه يعدُّ مصدر قلقٍ متنامٍ لشعوب شمال وشرق سوريا وعلى العالم أن يدرك أن أبناء المنطقة قدموا الغالي والنفيس للقضاء على مرتزقة داعش ولا زالوا يقدمون تحت راية قسد كل التضحيات لدرء خطر الإرهاب العالم أجمع”.
فالمجتمع الدولي الذي لم يستجب لعديد الدعوات بشأن إعادة مرتزقة داعش من الجنسيات الأجنبية إلى بلدانهم أو إنشاء محكمة دولية لمقاضاة الإرهابيين المتورطين بعملياتٍ إرهابية في إقليم شمال وشرق سوريا فاقم المعاناة وشكل حجر عثرة صماء أمام التخلص من هذا الخطر بشكلٍ جذري.
تراخٍ دولي في حل المعضلة
على الرغم من عديد المطالبات من الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية والقوى الأمنية بضرورة تضافر جهود المجتمع الدولي لاستعادة المرتزقة الأجانب وعوائلهم في مخيم الهول بهدف إعادة دمجهم وتأهليهم في بلادهم أو محاكمتهم لأن معضلة المخيم لا تحل عسكريا خاصة وأن 50 بالمائة من سكان المخيم يرثون أفكار “داعش”، و50 بالمائة ليس لديهم مكان آخر للعيش فيه إلا أن كل تلك الدعوات لم تؤتِ ثمارها.
فعندما يتم استذكار مراحل القضاء على أعتى التنظيمات الإرهابية التي ضربت المنطقة والعالم يتبين أن التضحيات الجسام التي قدمتها قوات سوريا الديمقراطية والقوى الأمنية وشعوب شمال وشرق سوريا إلى جانب تضافر الجهود الدولية ممثلة بقوات التحالف الدولي هي من ساهم في دحر الإرهاب والقضاء عليه عسكرياً. لذلك؛ فإن القضاء على داعش أمنياً وفكرياً يحتاج إلى تضافر الجهود مجدداً بهذا السياق، وهذا ما لا يتم اتخاذه على الأرض فإن أبناء المنطقة تحت راية قسد هم من يتصدون لهذا الخطر، منفردين وهو ما يبقي معضلة داعش قائمة إلى اليوم.
وبحسب محللين وخبراء في شؤون الجماعات الإرهابية أن أوروبا لديها القدرات الأمنية والاقتصادية لاستقبال مواطنيها الذين التحقوا بـ”داعش” بينما تتعلق المشكلة بالموقف السياسي، فكثير من الدول لا ترغب في استعادتهم رغم أن القضاء الأوروبي ينص على ضرورة عودة العناصر الإرهابية خاصة النساء والأطفال إلى دولهم للتعامل معهم.
أحمد الحسين أضاف أن “الرأي العام الأوروبي ضد عودة هؤلاء المرتزقة الذين ينتمون لداعش وعائلاتهم، لذا لا تريد الأحزاب السياسية والحكومات أن تخسر قاعدتها الشعبية لذلك هي لا تمتثل للقوانين ولا للدعوات الرامية إلى استعادة هؤلاء، ومن هذا المنطلق نرى بأن المجتمع الدولي متراخي في ملف إنهاء خطر داعش وطي صفحة إرهابه بشكلٍ جذري”.
وحسب المعطيات؛ فإن حكومات أوروبا تتعامل مع كل شخص على حدة بعد جميع البيانات الشخصية والمعلومات الجنائية والبصمات، وتحدد نسب الأطفال؛ لأن نساء “داعش” يتزوجون أكثر من مرة وينتجون جيلاً جديداً بعد زرع الأفكار في أدمغتهم وأدلجتهم تماماً؛ لذلك حتى من تم استعادتهم من قبل بعض الدول فإن ذلك تم بتعامل حساس من الدول الغربية مع هذه المعطيات حيث سبق ذلك من خلال جمع معلومات عن بعد بخصوص البالغين، لمعرفة ما إذا كانوا متورطين في أعمال إرهابية قبل الوصول إلى دولهم، وهو ما أكده المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
عائقٌ أخر حال دون إنهاء خطر الملف الإرهابي في مخيم الهول وهو ملف الحرب الدائرة في أوكرانيا سيما وأنه قبل تصاعد الحرب في أوكرانيا كانت هناك جهود متواضعة من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا لإعادة أطفال ونساء داعش، لكن انشغال أوروبا بالحرب أثر سلبا على هذا الملف.
بعض المصادر المختصة وثقت أنه ومنذ بدء حرب أوكرانيا، استقبلت ألمانيا عشر نساء و27 طفلا من “داعش” فقط، وتسلمت بريطانيا طفلين من عائلات داعش، وهذه الأرقام ضئيلة جداً مقارنة بالكم الكبير المتواجد داخل المخيم خصوصاً وأن النساء يعملن على إنتاج أجيال من الأطفال على أمل إعادة إحياء مرتزقة داعش مستقبلاً.
وحسب متابعين أن هذا الملف سيكون خطره أكبر على الدول الأوروبية مستقبلاً لأن الجيل الذي يتم تغذيته بالفكر الإرهابي منذ نعومة أظفاره سيكون أكثر تطرفاً وأشد فتكاً من سلفهم لأنهم إلى جانب أيديولوجيتهم المتطرفة سيكونون حاقدين على المجتمع الدولي والعالم برمته.
عملية “الإنسانية والأمن” بمرحلتيها الأولى والثانية
مع انسداد أفق التعاون الدولي في إنهاء هذا الخطر جذرياً يتزايد خطر خلايا داعش وتنامي نشاطه بالتوازي مع الاعتداءات المتكررة على مناطق شمال وشرق سوريا من دولة الاحتلال التركي بين الحين والآخر تستبسل قوات سوريا الديمقراطية في الذود عن حياض المنطقة وحماية شعوب المنطقة من براثن الإرهاب.
ونتيجة لعمليات القتل ومحاولة زعزعة المشهد داخل المخيم من قبل الخلايا الارهابية أطلقت قوى الأمن الداخلي بمساندة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة ووحدات حماية الشعب، المرحلة الأولى من حملة “الإنسانية والأمن”، في 28 آذار 2021، واستمرت خمسة أيام، شارك فيها أكثر من 5000 آلاف مقاتل ومقاتلة.
وخلال المرحلة الأولى من العملية، ألقي القبض على 125 مرتزقاً من خلايا داعش النائمة، 20 منهم متزعمون ومسؤولون عن عمليات التصفية والاغتيالات التي حدثت في المخيم، كما عُثر على مستلزمات عسكرية أثناء حملة التفتيش، بالإضافة إلى دارات إلكترونية تستخدم في تحضير العبوات الناسفة.
على الرغم من عملية “الإنسانية والأمن” وتمشيط مخيم الهول، فإن هجمات دولة الاحتلال التركي ضد إقليم شمال وشرق سوريا حالت دون استتباب الأمن والاستقرار نتيجة انشغال قوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية بالتصدي لهذه الهجمات حينها وهو ما فسح المجال أمام الخلايا الإرهابية لإعادة محاولة لملمة صفوفها وترتيب أوراقها مجدداً لتعاود الكرة في تشكيلها خطراً متنامي.
دولة الاحتلال التركي وبعد إحباط محاولاتها في إنعاش خلايا داعش انطلاقاً من مخيم الهول بدأت بالاعتداءات المتصاعدة واستهداف كل من ساهم في دحر مرتزقة داعش، أو قاد العمليات ضد أوكار خلاياهم بعد دحرهم في الباغوز جغرافياً في آذار 2019، ومن بين أولئك القياديين والقياديات الشهيدة جيان تولهلدان التي قادت المرحلة الأولى من عملية “الإنسانية والأمن”، والتي استشهدت مع اثنتين من رفيقاتها في وحدات حماية المرأة ومكافحة الإرهاب في 22 تموز 2022، إثر استهداف بطائرة مسيّرة تابعة لدولة الاحتلال التركي سيارتهن.
كما أسفر هجوم نفّذته مسيّرة تركية عقب المرحلة الثانية لعملية “الإنسانية والأمن”، وبالتحديد في 28 أيلول 2022 عن استشهاد الرئاسة المشتركة لمكتب شؤون العدل والإصلاح؛ زينب محمد ويلماز شرو، حيث جرى استهدافهما أثناء جولةٍ تفقدّية لسجون داعش.
لتعاود خلايا مرتزقة داعش وأسرهم منذ بداية عام 2022، وحتى 25 آب 2022، تنفيذ 43 عملية إرهابية قُتل أو أعدم فيها 44 شخصاً من قاطني المخيم من ضمنهم 14 امرأة وطفلان ببنادق ومسدسات كاتمة للصوت أو بآلات حادة بعد تعذيب الضحايا ورمي جثثهم في أقنية الصرف الصحي لإخفاء الجرائم.
كما شهد المخيم نحو 13 محاولة خطف للقاطنين نفذتها خلايا داعش، وحالات أخرى تركزت على حرق الخيم بينما الضحايا نيام، وإتلاف المواد الإغاثية ومستلزمات المؤسسات الطبية والخدمية، والكثير من حالات إحداث الفوضى ومحاولة إزالة جدران الحماية حول المخيم.
وهو ما دفع قوى الأمن الداخلي وبمساندة قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي لمحاربة داعش، لإطلاق المرحلة الثانية من عملية “الأمن والإنسانية” لملاحقة خلايا داعش وتجفيف البيئة الإرهابية في بعض قطاعات مخيم الهول شرق الحسكة في 25 آب 2022، واستمرت العملية 24 يوماً وحققت العديد من النتائج الملموسة. حيث تمكنت قوى الأمن الداخلي وقوات سوريا الديمقراطية من تدمير الكثير من النقاط والأوكار التي خصصها المرتزقة لتلقين الفكر “الإرهابي”، واعتقلت العديد من أخطر النساء اللواتي تولّين خلال تلك الفترة، مهام التدريب والتلقين واستقطاب العناصر داخل وخارج المخيم، والدعاية للفكر المتطرّف، وكذلك النساء اللواتي قمن بعمليات إجرامية بحق القاطنين، كما شتّتت القوات جهاز ما يسمى بـ “الحسبة وأشبال الخلافة” باعتقال المسؤولين عنها وإعادة تنظيم بعض القطاعات.
كما خلّصت وحدات حماية المرأة YPJ شابتين إيزيديتين من قبضة نساء داعش المتشددات، ونقلتهما إلى بيئة آمنة، كما تمكنت الوحدات من تخليص أربع نساء كنّ مقيدات بالسلاسل وتعرضن لتعذيب وحشي من قبل نساء داعش وتمكنت القوات المشاركة خلال المرحلة الثانية من عملية “الإنسانية والأمن” من اعتقال 226 شخصاً، بينهم 36 امرأة، شاركن في جرائم القتل والترهيب، والكشف عن 25 خندقاً ونفقاً، وكمية كبيرة من الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
كما كشفت التحقيقات التي أماطت القوات الأمنية اللثام عنها أن مصادر التسليح للخلايا الإرهابية تنوعت بين ثلاث مصادر للأسلحة التي كانت بحوزة خلايا مرتزقة داعش الأول، تورّط بعض عاملي المنظمات، وبشكل خاص عاملي منظمة “بهار”، في إدخال الأسلحة والأموال وتهريب عناصر ونساء داعش. والمصدر الثاني، الأسلحة الفردية والقنابل التي أخفتها نساء المرتزقة وأطفالهم بين حوائجهم وملابسهم خلال نقلهم من الباغوز؛ والثالث، استغل مرتزقة داعش الإمكانات المقدمة من المنظمات في صناعة الأسلحة الحادة كالخناجر والسكاكين والهراوات وأجهزة التعذيب المروّعة لترهيب القاطنين، ودفعهم للاستسلام.
عملية الأمن الدائم.. محطة في مسار الحفاظ على استقرار المنطقة
ومع هذه المحاولات الحثيثة التي تقودها قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي لكبح جماح الخلايا الإرهابية من خلال متابعتها وإلقاء القبض عليها بين الفينة والأخرى في مناطق متفرقة وجغرافية مترامية الأطراف وبناء على اعترافاتٍ دقيقة أثبتت تورط هذه الخلايا في التخطيط والتنفيذ لعدة عمليات اغتيال واستهداف القوى الأمنية والعسكرية آخرها كان استهداف سيارة عسكرية لقوى الأمن الداخلي على طريق الهول الشدادي أدت إلى استشهدا ثلاثة مقاتلين.
لذا ارتأت قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي ووحدات حماية المرأة من تشكيل غرفة عمليات الأمن الدائم التي تستهدف مخيم الهول والريفين الشمالي والجنوبي الذي يضم أكثر من 200 قرية وبلدة بما فيها مسافة 70 كم من الحدود العراقية ـ السورية.
هذه العملية جاءت أيضاً لتحقيق هدفٍ بارز وهو ضمان الأمن والأمان لأبناء المنطقة والحد من ممارسات الخلايا الإرهابية في المنطقة وبهذا السياق نوه أحمد الحسين خلال حديثه الى أن “عملية الأمن الدائم ما هي إلا حلقةٌ في سلسلة متينة للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها وجاءت تلبية لدعوة أبناء ومكونات وعشائر المنطقة بعد إن ضاقوا ذرعاً من أنشطة الخلايا الإرهابية التي عكرت عليهم صفو عيشهم لذا كانت أوسع نطاقاً وأكبر تأثيراً وحققت العملية النتائج المرجوة منها للحفاظ على الأمن والأمان”
القوات المشتركة لعملية “الأمن الدائم” وخلال سبعة أيام من سير العملية التي أعلن عن انتهائها في 12 من تشرين الثاني الجاري تمكنت من القبض على 79 مرتزقاً من خلايا مرتزقة داعش ومصادرة كمية من الأسلحة والعديد من الأجهزة الالكترونية كانت تُسهل عمليات التواصل بين الخلايا مع المتعاونين معها ضمن المخيم، إلى جانب رموز وأعلام لداعش. كما ساهمت العملية بالتحقيق مع 17 امرأة، ممن تورطن بأعمال تعذيب وتقديم المساعدة للخلايا، إلى جانب تجديد قاعدة بيانات نحو 40,000 من قاطني المخيم خلال العملية، وهو ما يندرج في سياق ضبط الإيقاع والحفاظ على حالة الأمن والأمان التي تحاول خلايا داعش الإرهابي ضربها بمساندة ودعمٍ من المحتل التركي وتراخي من المجتمع الدولي في إنهاء هذا الملف لاستعادة رعاياه أو إنشاء محكمة دولية لمقاضاتهم.