المجتمعات التي تتعرض للاحتلال أو التي تم حكمها من قبل أنظمة قمعية تعسفية لمدة طولية؛ يتشكل لدى أفرادها خصائص وَصِفات سيئة، ومع الزمن تتحول هذه الصفات إلى سلوكيات ذاتية تمارس من قبل الفرد بشكل تلقائي ودون الشعور بأنه يقترف شيئاً سيئاً. السلوكيات هي انعكاس لثقافة الشخص ووعيه المجتمعي، وهي أيضاً نتاج وعي الفرد الأخلاقي تجاه نفسه وتجاه محيطه.
لدينا الكثير من السلوكيات السائدة في مجتمعنا نحتاج الوقوف عليها والبحث في جذورها وأسبابها ثم معالجتها كما نعالج أي مرض يعتري جسداً صحيحاً سليماً.
بالأمس كنا نسير وأمامنا سيارة، فتح السائق النافذة و قذف بالقمامة في عرض الطريق. ليست هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها شيئاً من هذا القبيل بالطبع، لكن في كل مرة تستوقفني هذه السلوكيات وتجعلني أفكر ملياً فيها وفي أسبابها.
خطر لي أنه إذا ما كان هذا الشخص يقود في دولة أوروبية هل كان سيتجرأ على اقتراف هذا السلوك أم أن هذا الشخص لديه قصور في التفكير لدرجة أنه لا يعلم أن رمي القمامة من نافذة السيارة في عرض الطريق عمل مشين يستدعي الخجل؟!
وصلت إلى نتيجة مفادها أن اللامبالاة هي عقدة نفسية نعاني منها كمجتمع، وأن حالة اللامبالاة هذه ليست فقط تجاه المحيط، بل نعيشها تجاه أنفسنا أيضاً. إن الشخص الذي لا يبالي بصقل فكره، بثقافته، بطريقة حياته؛ لا يمكن أن يبالي ببيته، بوطنه وبمجتمعه. اللامبالاة هي شلل في الروح والعقل نعاني منه كمجتمع وأفراد.
إحدى الظواهر التي تستدعي دوماً انتباهي، وأيضا تعود إلى اللامبالاة، هي ظاهرة هدر المياه ورش الزفت بالماء في وقت الظهيرة والاستخدام المفرط للماء من قبل أصحاب المغاسل. وهذه الظاهرة ليست نادرة، بل يمكن مشاهدتها في اليوم الواحد عشرات المرات. وعندما تسأل لماذا؟ يردون من أجل تلطيف الجو. مع أنه بعد خمس دقائق يجف الرصيف ورش الماء لا يفيده ولو لدقائق. إنه طبع متوارث وهذا الشخص الذي يأتي بهذه السلوكيات هكذا اعتاد أن يتصرف، حالة الهدر والاستهلاك هذه مدمرة، ليس فقط مادياً، بل معنويا أيضاً؛ لأن هذا السلوك هو نتاج طريقة الحياة التي نسير عليها، وهو نتيجة العيش دون تفكير، دون أفق أو مسؤولية.
طريقة حياتنا عشوائية، لا تملك أهدافاً، ليس لها مستقبل فهي أسيرة اللحظة، لذلك تكون قصيرة المدى وقليلة التأثير. ففي اليابان يقال بأن المواطن الياباني يفكر كيف أنه سيحافظ على الموارد من أجل أحفاده؛ أي ليس من أجل أولاده فقط؛ لأن المواطن الياباني يجد نفسه مسؤولاً أمام أولاده وأحفاده ويرى لزاماً عليه أن يترك خلفه كل ما يوفر لهم حياة جيدة كريمة، في حين أن اللامبالاة التي اجتاحت فكرنا واحتلت حياتنا جعلتنا نتحرك دون أن نشعر بما نخلفه وراءنا من تخريب وهدم.
مرض اللامبالاة هذا، مشكلة اجتماعية؛ ذلك أنه إن كانت هناك لامبالاة من قبل البعض وقام البعض الآخر بردعهم فهذا أمر مقبول، لكن إذا كانت هناك لامبالاة تجاه من لا يبالي فهذا خطر؛ لأن حالة اللامبالاة هذه تتحول إلى حالة اعتيادية، وحينها يكون من الصعب معالجتها، لذلك من الهام جداً وكخطوة أولية تجاه هذا المرض هو أن نفكر من ثم نفكر قبل أن نتصرف أي تصرف وأن نمعن في كل ما نقوم به، وأن نبدأ من أنفسنا لمعالجة هذا المرض.