سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عفرين ما بين الاحتلال التركيّ والمصالح الدوليّة

رامان آزاد_

تحت شعار “عفرين ما بين الاحتلال التركيّ والمصالح الدوليّة” انعقد الملتقى الحواريّ في مخيم برخدان لمهجري عفرين في منطقة الشهباء بإقليم عفرين بتاريخ 10/5/2022 برعاية مجلس سوريا الديمقراطية مركز عفرين الشهباء ومنظمة حقوق الإنسان عفرين – سوريا.
شارك في الملتقى 150 شخصية حقوقية وسياسيّة من داخل سوريا وخارجها، وتم تسليط الضوء على جرائم وانتهاكات الاحتلال التركيّ والمرتزقة التابعة له في عفرين، وربط سياسة الدولة التركيّة بالمصالح والسياساتِ الدوليّة والإقليميّة، وكذلك وقوع الكثير من الانتهاكات غير القانونيّة بحق أهالي عفرين وفي مقدمتها مسألة التغيير الديمغرافيّ المستمرة حتى اليوم والتي بلغت حد التطهير العرقيّ في عفرين، والتي تؤيدها تصريحات المسؤولين الأتراك حول عودة اللاجئين السوريّين إلى المناطق المحتلة، مع استهداف المجموعات الدينيّة والتهجير القسريّ للسكان الأصليين بالعنف وهي جرائم حرب، وارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة كالقتل والاغتصاب والاعتداءات الجنسية وتدمير ونهب للممتلكات العامة والخاصة وتدمير المستشفيات والبنى التحتية واستهداف المعالم الأثريّة.
عفرين قضية سوريّة
وفي كلمة لها عبر تطبيق الزوم قالت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد: إنَّ تركيا استغلت الصمتَ الدوليّ لتتوسع في الأراضي السوريّة وتحتل المزيد من المدن والقرى السوريّة في الشمال السوريّ وتمارس وبشكلٍ ممنهج تغيير التركيّبة السكانيّة في تلك المناطق.
ووصفت إلهام تعامل الدول والمؤسسات الدوليّة مع قضية عفرين بالمعايير المزدوجة التي استندت لها تركيا لتتوسع وتحتل وتمارس جريمة التغيير الديمغرافيّ في الشمال السوريّ على مرأى ومسمع العالم، وأشارت إلى أن تركيا استهدفت العمق الثقافي وهوية عفرين الكردية مضيفةً أن قضية عفرين هي قضية جميع السوريين.
ونوهت إلهام أحمد إلى أنَّ دولاً في جامعة الدول العربيّة تدعم وتموّل مشاريع تركيا الاستيطانيّة والتوسعية في عفرين، داعيةً إلى إعادة النظر في سياساتها.
 وطالبت بفتح المجال أمام جميع السوريين المهجرين والنازحين واللاجئين بالعودة الآمنة لمناطق سكناهم الأصلية بعد إنهاء الاحتلال والاستبداد.
ودعت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، إلهام أحمد، في ختام كلمتها سكان عفرين إلى التّمسك بأرضهم والمطالبة بالعودة إلى منازلهم في مناطقهم الأصليّة.
تحرير المناطق المحتلة أولوية قسد
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، قال: إنَّ أولوية قوات قسد هي تحرير المناطق المحتلة وعلى رأسها عفرين وسري كانيه وكري سبي/ تل أبيض وبقية المناطق السوريّة التي تحتلها تركيا وتمارس أفظع الانتهاكات بحق سكانها الأصليين.
وأشار القائد العام لقسد، إلى أنّه من أجل إفشال مشاريع الاحتلال التركيّ في الأراضي السوريّة ستقوم قوات سوريا الديمقراطية بما يقع على عاتقها سياسياً وحقوقياً وعسكرياً، وأضاف إنّ هدف تركيا من إعادة اللاجئين السوريّين إلى الشمال السوريّ، هو التّغيير الديمغرافيّ وتغيير تركيبة المنطقة.
وتابع “نعتبر تحرير المناطق المحتلة كسري كانيه وعفرين أولوية بالنسبة لنا”، ودعا الشعوب السوريّة والشعب الكرديّ لتوحيد أصواتهم بشأن وتحرير هذه المناطق وإعادة سكانها الأصليين.
واعتبر عبدي، أن عفرين احتلت بمؤامرة دولية، ولم تسمح الظروف السّياسية باتخاذ خطوات ناجحة في سبيل تحريرها، داعياً الأمم المتحدة ألا تصبح شريكاً في عمليات التغيير الديمغرافيّ في عفرين.
وطالب مظلوم عبدي الأطراف والقوى أن تكون حذرة من السياسات التركيّة الساعية عبر خطة التغيير الديمغرافيّ في عفرين المحتلة تحت غطاء العمل الإنسانيّ في عفرين إلى ترسيخ الاحتلال.
إقليم إرهابي
محلل الصراعات العالميّة ومختص في الدراسات الكردية ثورو ريدكرو، أشار إلى أنَّ تركيا تسعى لانتهاج سياسة جديدة: “تركيا تسعى نحو إقامة إقليم إرهابيّ في شمال سوريا، وقال: أعتقد أنّ هدف تركيا هو إبعاد الكرد عن هذه المنطقة وهذا جزءٌ من السياسة العثمانيّة الجديدة ومن الميثاق المليّ 1912، ويبدو أنَّ هذا ما دفعه إلى ارتكاب المجازر في شنكال وغيرها من المناطق”.
وذكر ثورو ريدكرو الأدوات التي تستخدم لتنفيذ المخطط التركيّ: “أردوغان يعتمد على الدعم القطري للسيطرة على المناطق المذكورة، ويستخدم جبهة النصرة وداعش كجنود لإقامة خلافته ولتحقيق أطماعه التوسعية، ويستخدم الحركات الفاشية كالذئاب الرمادية”.
وأضاف أن مقاطعة عفرين المحتلة تعاني من كارثة إنسانيّة: “عفرين تعاني من كارثة كالقتل والنهب والاغتصاب، ويعاني المدنيون من جرائم الإبادة في عفرين، سكان عفرين يعانون من النهب والسلب على يد العصابات، لقد خطفوا 5000 شخص لأجل الفدية، هناك تطهير ثقافي لعفرين عبر تدمير الأماكن الاثرية ومزارات الإيزيدية وهو تطهير عرقيّ بحق عفرين، إنهم يقومون بقطع الأشجار ونهب الثروات وتصديرها إلى أوروبا”.
جرائم ضد الإنسانيّة
ديفيد فيليبس الأكاديمي في جامعة كولومبيا ومستشار سابق للخارجية الأمريكية في شؤون تركيا عن محاولات تركيا لإغراء اللاجئين في بناء المستوطنات: قال: “سأتحدث عن السلوك الإجرامي لتركيا ومرتزقتها في شمال وشرق سوريا، وسأقترح خطة لتوثيق جرائم الحرب ومحاسبة الجناة”.
وتابع فيليبس: “حسب القانون الدوليّ الإنسانيّ لا يمكن إجبار اللاجئين للعودة إلى ديارهم وتركيا تحاول إغراء اللاجئين في بناء المستوطنات والمدارس، إن فصائل الجيش الحر ارتكبوا جرائم ضد الإنسانيّة في عفرين منها التمثيل بالجثث والتباهي بها وقتل واغتصاب المدنيين وقطع أثداء النساء والتباهي بذلك أمام الإعلان ومواقع التواصل الاجتماعي، لقد تم تجنيد الشباب من قبل الدولة التركيّة وإرغامهم على حمل الأعلام التركيّة، تم تعريب المناطق التي تحتلها عبر جلب عائلات عربية إليها، وتم إرغام 300 ألف شخص للجوء عام 2019 وقام أحرار الشرقية باغتيال هفرين خلف بجانب طريق M4”.
وأشار فيليبس إلى الجرائم التركيّة المرتكبة بحق الإيزيديين قائلاً: “لقد قاموا باستهداف الإيزيديين ونعت الإيزيديين بأنّهم كفرة وتمَّ تدمير مبنى اتحاد الإيزيديين وتمثال زردشت وقصف تل عين دارة، تم أسر الإيزيديين وسلب ما يمتلكونه من جواهر وذهب وطلب فدية منهم تصل إلى 25 ألف دولار وتم تدمير أماكنهم الثقافيّة والدينيّة”.
واختتم ديفيد فيليبس كلمته بالقول: “على الرغم من تأخر العدالة فإننا نعمل من أجل المساءلة في المستقبل للتحضير لذلك اليوم يجب أن يكون لدينا ملف يوثق جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة وينبغي تنظيم قاعدة بيانات إقليميّاً ودولياً وتحديد هوية الجناة وستميز قاعدة البيانات الجرائم حسب الموقع (عفرين والفرات والجزيرة) والفئات (قتل واغتصاب وتشريد)”.
عفرين قضية إنسانيّة
مديرة البحوث في المعهد الكردي للسلام ميغن بودت وصفت احتلال تركيا لمنطقة عفرين بأنّه غير قانونيّ وقالت: “تركيا احتلت عفرين بشكل غير قانونيّ واتبعت تركيا ومرتزقتها التطهير العرقيّ والاثني بحق الشعب الكرديّ وجميع الشعوب الموجودة في عفرين”، وأضافت ميغن إن المرتزقة ارتكبوا الجرائم في مقاطعة عفرين المحتلة: “قام المرتزقة المدعومون من الاحتلال التركيّ بقتل المدنيين والاستيلاء على الأملاك”.
وطالبت ميغن الجهات المعنية بتوثيق ما يحدث في مقاطعة عفرين المحتلة: “يجب على منظمة حقوق الإنسان توثيق ما يحدث في عفرين من جرائم تُرتكب من قبل جيش الاحتلال التركيّ ومرتزقته، والجرائم الوحشية التي ترتكب بحق النساء خاصةً وعرضها للرأي العام، وأنه من الضروري توثيق ما يحدث في عفرين وماذا سوف يحدث إذا لم ينتهِ الاحتلال التركيّ وفصائله المرتزقة”.
وفي توصيف عام لما يجري في عفرين قالت ميغن بوديت: “ما يحدث في عفرين تجاوز جرائم الحرب وأصبح قضية إنسانيّة، يمكننا تكريم ذكرى الضحايا من خلال توثيق ما حدث لهم فلا أحد معفي من الملاحقة، يمكن محاكمة المرتزقة وكذلك الأمر بالنسبة للمسؤولين الذين دبروا جرائمهم والدولة التركيّة ليست فوق القانون”.
تطهير عرقيّ
مدير المرصد السوريّ لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن توقف على ما يجري من تغيير ديمغرافيّ في عفرين المحتلة بعد الاحتلال التركيّ وقال: “التطهير العرقيّ في عفرين حسب الأمم المتحدة هو إزالة مجموعة معينة عبر أساليب عنيفة وإحلال آخرين محلها، كانت عفرين منطقة متجانسة بين المكونات والآن أصبح المكون السنيّ هو المسيطر الوحيد فيها”.
وأضاف عبد الرحمن “إنَّ أقوالَ المسؤولين الأتراك تثبت أنَّ التطهير العرقيّ كان متعمداً زاعماً أنَّ الهدفَ من اجتياحِ عفرين هو إعادةُ السكانِ الأصليين إلى أرضهم وهذه الأقوال هي تشويهٌ للحقائقِ، حسب الأمم المتحدة فإنَّ الإرغامَ القسريّ عبر الأساليبِ القسريّة وحجز المدنيين يشبهُ معسكراتِ اعتقالٍ عامة مدنيّة”.
دور المثقفين العرب بالحفاظ على هوية وتراث عفرين
مدير مركز الكنانة للدراسات السياسية والاستراتيجية هاني الجمل قال: “الاحتلال التركيّ لعفرين جعلها بؤرة عدائيّة في المنطقة” مشدداً على ضرورة قيام المثقفين العرب من مختلف البلدان بدور فاعل للحفاظ على الهوية الذاتيّة وتوثيق التراث الإنسانيّ فيها وفضح الجرائم المرتكبة بحق أهلها في ظل الصمتِ الدوليّ.
كما نوّه الجمل إلى ضرورةِ الحشدِ الشعبيّ وفضح الجرائم الإنسانيّة التي يقومُ بها الاحتلال التركيّ في عفرين عبر الوسائل الإعلامية وإقامة المهرجانات واللقاءات وحتى الزياراتِ الميدانيّةِ ومناشدة المنظمات الدوليّة ومنظمات المجتمع المدنيّ عربيّاً وعالميّاً “لمواجهة شبح التجريف”.
توصيات الملتقى
واختُتم الملتقى بإصدار بيان رسميّ تضمّن عدة توصيات ومطالب منها:
– التأكيد على أن التدخّل العسكريّ التركيّ في الأراضي السوريّة جريمة عدوان على سيادة الدولة السوريّة العضو في الأمم المتحدة لعدم استنادها إلى قرار دولي أو قرار وطنيّ سوريّ يجيز لها التدخل ويُعدُّ خرقاً واضحاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ولأحكام القانون الدوليّ الإنسانيّ.
– دعوة الحكومة السوريّة عن طريق الأحزاب الوطنيّة لإلغاء اتفاقية أضنة بين الدولة السوريّة والدولة التركيّة بسبب استغلالها من قِبل الدولة التركيّة واتخاذها ذريعة لتبرير تدخّلها بالأراضي السوريّة والتمادي بتوسيع مشروعها الاحتلاليّ بحجّةِ حماية أمنها القوميّ.
– وقف المشاريع الاستيطانيّة في كافة المناطق المحتلة وخاصةً في منطقة عفرين والتي تدعمها الدولة التركيّة عبر الجمعيات الخيريّة والإنسانيّة (القطريّة – الكويتيّة – الفلسطينية)… إلخ، والتي تسعى من خلالها لإحداث التغيير الديمغرافيّ بحجّة توطين اللاجئين السوريّين.
– العمل على إنهاء الاحتلال التركيّ للأراضي السوريّة وضمان عودة المهجرين قسريّاً الى ديارهم وبرعاية دوليّة.
– التأكيد على أنَّ الجرائم المرتكبةَ بحقِّ المدنيين وخاصةً النساءِ في عفرين ترقى لمستوى جرائم الإبادة الجماعيّة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانيّة والعمل على فضحها أمام المجتمع الدوليّ.
– مطالبة الأمم المتحدة بإرسال لجنة تقصّي حقائق دوليّة إلى المناطق المحتلة في الشمال السوريّ للتحقيق في الجرائم المرتكبة من قبلِ دولةِ الاحتلالِ التركيّ والفصائل المنضوية تحت لوائها وتحميلها مسؤوليّةَ تلك الممارساتِ والانتهاكاتِ التي تقومُ بها تلك الفصائل.
– مطالبةُ الأممِ المتحدةِ والجهاتِ الدوليّة ذاتِ العلاقةِ بتحمّلِ مسؤولياتها القانونيّةِ والأخلاقيّةِ حيال مئات الآلافِ من مهجّري عفرين واعتبارها جريمةَ تهجيرٍ قسريّ بغرضِ التغييرِ الديمغرافيّ وجريمةَ تطهيرٍ عرقيّ، وهي جريمةُ حربٍ وفق نظام روما الأساسيّ 1998 وإحالة مرتكبيها الى المحكمةِ الجنائيّةِ الدوليّةِ.
– التواصل مع العاملين في الحقل الدوليّ الإنسانيّ والأكاديميين والباحثين والناشطين لإعدادِ ملفات بالانتهاكات المرتكبة في عفرين وتقديمها الى المحاكم الدوليّة الأوروبيّة والتواصل مع أقرباء الضحايا في أوروبا وأمريكا.
– التواصل مع وسائل الإعلام العالميّة والعمل على فضح الجرائم التي ترتكبها تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها، واعتبار ENKS عميل ومتواطئ لاحتلال عفرين.
– تقديمُ مذكرةٍ للأمينِ العام للأمم المتحدةِ بصفته لعقدِ جلسةٍ لمجلسِ الأمنِ الدوليّ من أجل إدانةِ الحكومة التركيّة وفق الأدلة والوثائق والتقارير الصادرة عن المنظمات الدوليّة والحقوقيّة والجهات الدوليّة الرسميّة وغير الحكوميّة والتي أثبتت تورط الحكومة التركيّة بدعم وتمويل الأنشطة الإرهابيّة في المناطق السوريّة المحتلة من قِبلها.
– اعتبار 18 آذار يوماً عالميّاً للإبادةِ في عفرين واعتبار الدولة التركيّة دولةً محتلةً.
– تشكيلُ لجنةٍ محليّةٍ ودوليّةٍ لمتابعة التوصياتِ والقراراتِ الصادرةِ عن الملتقى والتحضير لعقد ملتقيات ومنتديات لاحقةٍ بهذا الصدد.