مع بدء العدوان التركي السافر ودخول مرتزقة العصابات والشوفينيين إليها وبغطاء من الجيش التركي، بدأت الانتهاكات التركية من قتل وسلب ونهب، لما فوق الأرض وتحتها، وطال النهب والتدمير البشر والشجر والحجر، ولم يشف غليل المرتزقة ما قامت به الطائرات من قصف وتدمير لأغلب المواقع الأثرية التي أدرج أغلبها على لائحة التراث الانساني، لتبدأ السرقات والنهب من جديد وبشكل ممنهج، وباتت تركيا السوق الأكبر لبيع الآثار والمتاجرة بها في السوق الأسود للآثار.
شهود عيان ومؤسسات ومختصين أكدوا إن تركيا وعبر جنودها ومرتزقتها استقدمت مختصين في الآثار للتنقيب في أغلب المواقع الأثرية، وإنها نهبت وسرقت ما يفوق ستة عشر ألف قطعة أثرية حتى الآن وإنها تجمعها في أمكنة خاصة تابعة لمؤسسة الآثار التركية، فيما يتم سرقة الكثير مما خف وزنه وغلا ثمنه عبر العناصر والجماعات المرتزقة وعصابات سرقة الآثار، ومعلوم أن عفرين من أغنى المناطق السورية بالآثار وإن سوريا تضم أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة موقع أثري.
ما يعطي الأهمية الكبيرة للآثار في عفرين إنها كما أغلب المناطق السورية قد مرت بها حضارات عديدة عريقة، كالهوريين الذين كانوا من أوائل من وجدوا على أرض عفرين منذ أكثر من تسعة آلاف عام. والايزيديين الذين يتواجدون إلى الآن في حوالي خمس وعشرين قرية، وقد ألحق المرتزقة الدمار بأغلب المزارات الايزيدية في قرى كيمار وبارسة خاتون ومزار لالش في ليلون، وكذلك المسيحيين الذين وصلوا عفرين خلال العصر الروماني ما بين القرنين الثاني والخامس الميلادي، ولا زالت عفرين تحتضن كنيسة جوليانوس في قرية براد بناحية شيراوا، وهي أقدم كنيسة معروفة في العالم حتى الآن، وغيرها من الكنائس والأديرة والمدافن والحمامات البيزنطية. وقد تعرضت في معظمها للنهب والتنقيب العشوائي وسرقة ما أمكن سرقته.
كذلك فإن عفرين كانت من ضمن المناطق التي دخلها جيش خالد بن الوليد مع فتح سوريا عام ستة وثلاثين وستمئة للميلاد، وتحتفظ عفرين بالعديد من المواقع الاسلامية المقدسة والتاريخية التي تحظى بالمكانة الراقية لدى المسلمين والمسيحيين والايزيديين على حد سواء، ومنها ما يتواجد في قرية مشعلي وقرى كاوندا ومسكة وغيرها وقد عاثت فيها فصائل المرتزقة والجيش التركي فساداً ونهباً وتخريباً.
عفرين التي تعد بحق مثالاً للتعايش السلمي، وأخوة الشعوب كانت مثالاً للعالم بضمها شعوباً من الأديان والمذاهب والطرق الدينية كافة، كذلك العديد من القوميات من كرد وعرب سريان وغيرهم من المكونات، واحتلالها ونهب خيراتها وتدمير تراثها وآثارها جريمة بحق الانسانية.
عفرين ميراث انساني وتاريخ حي للبشرية بكل شعوبها وإثنياتها وقومياتها، وآن للعالم أجمع أن يثأر لتاريخه وحضارته التي باتت تنتهك من أعداء الانسانية، كذلك الأمر بالنسبة للمنظمات والمؤسسات الدولية التي يقع على عاتقها حماية ميراث انساني وتاريخ عريق.