سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عداء الدولة التركية التاريخي للشعب الكردي والأساليب المتبعة ضدهم

أموت آيدن –

سعت الدولة التركية إلى ضرب ثورة روج آفا والقضاء عليها منذ الإعلان عنها، ففي البداية دعمت المجموعات المرتزقة مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة، إلا أن ثورة الشعوب ألحقت ضربات موجعة بتلك المجموعات المرتزقة التي كانت تتلقى دعمها من أردوغان، وتصاعدت الثورة يوماً بعد يوم حتى باتت شعوب العالم تساندها.
أردوغان ـ باهجلي وجهان لعملة واحدة
حكومة أردوغان – باهجلي الفاشية تسعى لمواصلة مساعي القضاء على ثورة روج آفا، ولكن هذه المرة لجأت إلى أساليب مختلفة، وتسعى إلى ضرب الثورة من الداخل، الدول بحد ذاتها هي جهاز أو مؤسسة للحرب الخاصة، وبشكل خاص الدولة التركية التي لجأت إلى مختلف السبل والسياسات من أجل القضاء على الكرد عبر القمع والاضطهاد، وهذا جزء من الحرب الخاصة التي تقوم بها.
العداء التركي لثورة روج آفا لا ينفصل عن الذهنية المعادية للكرد التي انتهجتها الدولة التركية عبر تاريخها، وأبرز أشكال العداء التركي للشعب الكردي تتمثل في سياسات الإبادة الجسدية، والتهجير والتنكيل التي ورثتها عن العثمانيين، وسارت على نهجها، واتخذتها منهجاً أساسياً في تاريخها المعاصر، واستخدمت هذه الأساليب بشكل خاص ضد الأرمن واليونان والسريان، والآن تُمارس هذه السياسات ضد الكرد.
استطاع الشعب الكردي الصمود والمقاومة ضد جميع هذه الهجمات، وكلما نجحت المقاومة في إفشال الهجمات كانت الدولة التركية تنتهج سياسات وأساليب جديدة، فقد لجأت إلى العمالة المحلية، الجواسيس وشراء الذمم والدعارة والمخدرات والتضليل الإعلامي كأساليب حرب أساسية، والحقيقة أن تاريخ استخدام هذه الأساليب يعود إلى زمن الدولة العثمانية وزمن التشكيلات الخاصة لدى الاتحاد والترقي، ومع اتفاقيات سايكس بيكو ولوزان تم تطبيق سياسة “فرق تسد” على الشعب الكردي.
في أعوام السبعينيات تم استخدام جميع هذه الأساليب مجتمعة ضد الحركة التحررية الكردستانية، ولكنهم هذه المرة أيضاً اصطدموا بجدار النضال والمقاومة من أجل الحرية التي أبداها الشعب الكردي، نضال الحرية الذي تصاعد في باكور “شمال كردستان” مر بالعديد من المراحل العصيبة، وامتد تأثير هذا النضال إلى باقي أجزاء كردستان ووصل إلى يومنا هذا، ولكن الفكرة التي بقيت راسخة في عقل الدولة التركية هي؛ معاداة الشعب الكردي وإبادته.
الحرب الخاصة واستمرارها ضد الكرد
وصولاً إلى عام 2000 لم تتمكن الفاشية البيضاء التي انتهجها الأتراك من القضاء على مسيرة نضال حرية الشعب الكردي، وعلى العكس من ذلك فقد تم القضاء على كل من انتهج هذه السياسات، ولذلك فقد حان دور اللجوء إلى الفاشية الخضراء والدين من قبل الدولة التركية، وقد تم تكليف أردوغان بهذه المهمة.
لقد أدرك أردوغان ومعه دائرة الحرب الخاصة أنهم لا يمكن أن يستمروا في السلطة طويلاً ما لم يتم القضاء على حركة الحرية، وكان أردوغان يقرأ مصير من سبقوه من الحكام بشكل جيد واستنبط منه الدروس والعبر، الدولة العميقة كانت إلى جانب أردوغان، وقدمت له دعماً لا محدوداً، كما أن القوى التي ساهمت في تقسيم كردستان خلال الحرب العالمية الأولى وقفت أيضاً إلى جانب سلطة أردوغان، وبالتوازي مع ذلك كان نضال الشعب الكردي من أجل الحياة الكريمة يتصاعد يوماً بعد يوم، سواء في المنطقة أو العالم، وبات مصير أردوغان كمصير من سبقوه من الحكام الأتراك.
في مثل هذا الوقت بالضبط ظهر داعش في العراق كإحدى مخلفات القاعدة، وبدأ بالتمدد والانتشار في سوريا، ليتحول إلى كابوس يهدد الإنسانية، حيث تمكن من هزيمة الجيوش، واجتاح المدن بين ليلة وضحاها، اختطف النساء والأطفال، قتلوا واغتصبوا، وخلال أيام تم تهجير عشرات الآلاف من الناس، أما المجتمع الدولي فكان موقفه موقف القرود الثلاثة، ولم يكن أحد ليرفع صوته ويقول كفى، باختصار كانت داعش هدية لأردوغان.
هذه المجموعات الإرهابية بدأت بالهجوم على الشعب الكردي سواء في سوريا أو في العراق، وتصاعدت مقاومة الشعب الكردي ضد داعش، بدايةً في شنكال ومن ثم مخمور وكركوك، وصولاً إلى روج آفاي كردستان، وتم دحر وإفشال مخططات أردوغان الواحد تلو الآخر، تمكن الشعب الكردي من تصعيد المقاومة ودحر داعش، وتلقى دعماً منقطع النظير من شعوب المنطقة والعالم.
تجنيد العملاء لضرب شعوب المنطقة
وتشكلت جبهة مقاومة شاملة بقيادة الشعب الكردي وقفت في وجه المرتزقة والراديكاليين، وأفشلت جميع حسابات ومخططات أردوغان وشركائه، لذلك عاد مرة أخرى إلى سياسات ومخططات أسلافه، وسعى إلى الضرب من الداخل، ولم يكتفوا بذلك بل لجؤوا إلى استخدام وتجنيد العملاء والجواسيس. ومع الأسف فقد وُجِد في كردستان بعض من استجاب لهذه السياسات والمخططات التركية، حيث تم تجنيد العديد من الأشخاص وبأسماء مختلفة، وهم على الأغلب أشخاص منبوذون في المجتمع، ولا قيمة اجتماعية لهم، ومع ذلك أطلقوا على أنفسهم تسميات وصفات حزبية، كانت بعض هذه الأحزاب موجودة منذ سنوات دون أن يلتفت إليها أحد، وكانت مجرد تنظيمات مهمشة، حتى أنه لم يكن لهم وجود أثناء الثورة ولكن تم استخدام هؤلاء العملاء من قبل الدولة التركية لضرب حركة حرية الشعب الكردي.
وكان الهدف هو القضاء على الشعب الكردي عن طريق هؤلاء العملاء، الذين لا تربطهم مع الكُردايتي سوى أصولهم الكردية، يستخدمون لغة وثقافة ورموز الشعب الكردي، ولكن بالاسم فقط، ووضعوا أيديهم بيد الدولة التركية ووقعوا على فرمانات إبادة الشعب الكردي، وتصرفوا بناء على تعليمات الدولة التركية. ينطقون باستمرار باسم الكرد وكردستان، يقولون أنهم يعملون على الساحة الدولية باسم الكرد وكردستان، ويروجون بين الناس أنهم يمثلون نهج الكُردايتي، ولكنهم يمتهنون العمالة والخيانة ضد الكرد، عقدوا اجتماعات علنية وسرية مع الميت التركي “المخابرات التركية” في أنقرة وديلوك والرها وغيرها من المدن، وكانوا يفتخرون بذلك.
الحقيقة أن هذه الأطراف التي تسمي نفسها بالكردية لم تفعل أي شيء للشعب الكردي، ومنذ بداية الثورة وعندما كان الشباب الكرد يضحون بدمائهم ضد مرتزقة الدولة التركية، كانت تلك الأحزاب والأطراف تعقد الاجتماعات مع “الميت” التركي، ويتم استقبالهم في الفنادق والمطاعم الفخمة، وعلى الدوام كانوا يتشدقون بشعارات “الكُردياتي”.
أولئك الذين كانوا يعقدون الصفقات على حساب قيم الشعب الكردي، بدؤوا بالأفول يوماً بعد يوم أمام الشرفاء الذين كانوا يضحون بدمائهم من أجل الحرية، ورغم مساعي شراء الذمم إلا أن شعب روج آفا لم يهتم بأولئك، وتصاعدت المقاومة في كل مكان، كان المجتمع يميز جيداً بين من يدافع عنه ومن يتهرب من هذا الواجب. بعد أن تم القضاء على داعش، بدأت الدولة التركية باستخدام تلك الأطراف العميلة، كما بدأت بتنفيذ أساليب جديدة للحرب الخاصة، وصلت إلى درجة أنها استخدمت تلك الأطراف كأحجار الشطرنج في هذه الحرب الخاصة، وتم تدريب عناصر “الميت” من قبل الدولة، بهدف نشرهم في المجتمع، والقضاء على الثقافة الأصيلة، ونشر الدعارة والتسيب الأخلاقي عبر استدراج الشباب باستخدام المخدرات ومن ثم استغلالهم ضد أبناء شعبهم.
أخوة الشعوب ستنتصر في النهاية
من أهم مميزات وخصائص ثورة روج آفا أن الكرد والعرب والسريان والشعوب الأخرى وقفوا إلى جانب بعضهم البعض، لذلك سعت الدولة التركية إلى إثارة الفتنة والتفرقة بين الكرد والعرب وغيرهم، وسعت إلى إثارة العداوة بينهم، وروجت مختلف الدعايات والافتراءات المضللة بهدف تشويه صورة الإدارة الذاتية الديمقراطية.
لقد انتهجوا سياسة قائمة بشكل أساسي على الدعاية ضد حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، وتم احتلال عفرين وكري سبي وسري كانيه لتحقيق هذه الغاية، ولكن في معركة عفرين ظهر للجميع من الذي وقف إلى جانب شعبه وواصل المقاومة، ومن الذي وقف إلى جانب الأعداء وباعوا قضية ومستقبل شعبهم للعدو.
فمن جهة تم عبر العملاء والجواسيس، بث الدعايات المغرضة والافتراءات والأخبار المضللة بين أفراد المجتمع ضد الإدارة الذاتية وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب والمرأة، ومن جهة أخرى عمدوا إلى بث الفوضى والوهن واليأس في المجتمع عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وعن طريق العملاء الذين استغلوا القيم الكردية، والذين قبضوا ملايين الدولارات في ديلوك والرها وأنقرة، وبالتالي سعوا من أجل تنظيم المجتمع لمناهضة قيادة الثورة في روج آفا.
وكما قال تيودور أدورنو “لا حياة صحيحة في الخطأ” ولا يمكن الإجابة بشكل صحيح على الأسئلة الخاطئة، فبدلاً من محاسبة ومساءلة أولئك الذين احتلوا كردستان، وارتكبوا المجازر، يتم محاسبة ومساءلة من قاوموا وصمدوا من أجل الحرية، وهذه مسألة خاطئة، ولا يمكن أن يكون الجواب صحيحاً.
خلاصة القول، إنهم كانوا يسعون من خلال تلك الهجمات إلى القضاء على الإدارة الذاتية، وبث الفتنة والصراعات بين الشعوب في المنطقة، وبناء عليه فإن السؤال الأهم هو ماذا يجب أن يفعل كل واحد منا؟ الأمر الأهم هو طرح الأسئلة الصائبة، يجب أن تتم عملية مساءلة مجدية، والكشف عن حقيقة جميع الأطراف، ليتبين من هي الجهة التي تناضل من أجل المستقبل والنظام الديمقراطي ومن أجل الحياة المشتركة بين الكرد والعرب والسريان والأرمن وجميع الشعوب الأخرى، ومن الذي يعتدي على تلك الشعوب؟